أرشيف المقالات

حرمان البنات من الميراث

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2حرمان البنات من الميراث
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه، ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعوذُ بالله منْ شرورِ أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالِنَا.
من يهدِهِ اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يضْلل فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهَدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسُولُهُ. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].   ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].   أما بعد؛ فَإِنَّ خَيرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخيرَ الهديِ هَديُ محمّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمُورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وَكلَّ ضلالةٍ في النارِ؛ انتشرتْ بينَ الكثير مِن المسلمين في هذا الزمان العجيب بظروفه، والغريب بقضاياه مسائل عديدة معلِنةً بتجَدّد بعض كان يصنعه عامة الناس، والعرب خاصة قبل مجيء الإسلام وبعثة نبينا صلى الله عليه وسلم! والسبب المباشر لظهورها وانتشارها - حتى اتخذها من ورَثوها سننًا فأزاحوا بها السُّنن- هو الجهل بحقيقة هذا الشرع وعظمة المشرّع ممّا غلغل التهاون في النفوس لتنفيذ الأوامر، وترك النواهي خوفًا وطمعًا.   ومِنْ هذه القضايا التي سنسلّط الضوء عليها –بإذن الله تعالى هي حرمان البنات من ميراثها! وسيلحظ قارئنا الكريم بأنّ هذه الكتابة المتواضعة سيغلب عليها أسلوب السؤالات مبتعدين عن ما قد يُدخل الملل، ويسبّب الزلل في المتابعة والفهم.   لنبدأ أوّلا بجملة من السؤالات للمتلبّس بهذا الفعل الحرام نجعلُها أساسَ هذه المحاورة: فيا أيها الأب...
والأخ...
والعمّ...
والخال...
والجد! س1: من هي هذه البنت؟ س2: ومن أنت؟ س3: وكيف أتيْت؟ س4: أليس الله تعالى هو خالقها وخالقك؟ س5: هل أنتَ في تحدٍّ مَع خالق هذا البنت؟! س6: ألا ترى بأنّ الخالقُ يقسم وأنت تقصم!!...
وهو يعطي وأنت تمنع؟!! س7: ألستَ أنتَ وهي تقولان: "لا إله إلا الله محمّدٌ رسول الله"؟   إبدأ الآن في الإجابة على هذه الأسئلة بإمعان وتدبّر و لا تنس أن تقول: «اللهم اهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت».   ما هي الأسباب الشرعية للحرمان من الميراث؟ لقد جعل الشرع سببينِ رئيسيين لأنْ يُحرم المرءُ من حقّه في الميراث: الكفر والقتل؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: « لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر» [متفق عليه]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «القاتل لا يرث» [الترمذي: 2109) وغيره وصححه الإمام الألباني]. فبما أنَّ البنت غير داخلة في عموم هذه الأحاديث؛ فلماذا -إذًا- تُحرم من حقها؟! فهل تجعل المسلم كافرًا؟! أم تجعل البريء قاتلاً؟!! أم هنالك ما وراء ذلك مَا جَعلَ مِنَ التّسوية المجحفة ممكنةً؛ فحُرمتْ حقّها قهرًا لضعفها وقلّة حيلتِها؟!   إنّ مِنَ حِكَمِ الله تعالى أنْ جعلَ اجتماع الذكر والأنثى سببًا لاستمرار هذه السلالة البشرية إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها؛ فليس من ذكر -غير أبينا آدم عليه السلام- إلا وقد أتى مِنْ أنثى؛ فكانت لا بدّ أن تكون أمًّا وابنةً وأختًا وخالةً وعمّةً. فإن كانت هي كذلك؛ فلماذا تتنكّر منها وقت أخذِها حقوقَها؟ ألأنها ستُعطَى لعشيرةٍ غيرَ عشيرتك، وقبيلة غير قبيلتك؛ فخشيت أن يذهب المال لغيركَ ممّن هُم بعيدون عنك؟! فهل من العدل أن تأخذَ -أنتَ- بناتِ غيرك من غير قبيلتك وعشيرتك وتمنع الآخرين؟! أم لأن الولد سيكون لك عونًا وسندًا تتباهى به أمام العباد؟! ألم تفكر لحظة وأنت تمنعها إرثها ماذا سيحلّ بها بعدك؟! أتطيب لك نفسًا أن تترك تلك البنت فريسةً لمن يعولها إن كان غريبًا عنها؟!! ثمّ من أنت أيها المانع لما أعطى الله تعالى؟!   أنسيت بأنك قد خالفتَ أمر ربك إذ يقول: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). وأمر نبيك صلى الله عليه وسلم:(اتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم). وقوله:«من ظلم مسلما قيد شبر طوقه يوم القيامة من سبع أرضين». وأين أنت من وصية الله تعالى:«يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين».   إنّ الله تعالى يقرر بأن نصيب الذكر مثل نصيب الأنثيين، بينما أنتَ تأخذ من نصيب الأنثى وتجعله مع الذكر؟! وكأنّ حكم الله تعالى لم يكن كاملاً؛ جامعًا للخير مانعًا من الشرّ فعدلتَ إلى غيره؟! حقًّا إنها أسئلة كانَ لا بد للمتلبس بهذَا السّلوك أن يضعها أمامه قبل أن يُقدم على ارتكاب كبيرة في حقِّ أقرب الناس إليه.
وهُوَ لوْ فكّر قليلاً واهتدى بهدْي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الأبرار لما تجرّأ على ما قدْ يرجع عليه بالحرمان في الدّنيا والآخرة!   أضرار الحرمان من الميراث. اعلم – رحمك الله - أنّ الشرع لم يأتِ إلا لتحقيق المصالح الدنيوية والأخروية للعباد؛ فتعطيلُ الأوامر الإلهية سببٌ لاختلال المواثيق، وقلبِ الموازين؛ فلا ريب أن ينتج عن ذلك أضرارٌ بحسب عظم خطر هذه الكبيرة، وإليك بعض أضرار هذا الحرمان غير الشرعي: أولاً: عصيان أمر الله تعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم؛ وكفى به من ضررٍ قد يذيق صاحبه الويلات في الدنيا والآخرة. ثانيًا: الظلم والجور في حق البنات؛ والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:«اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»، فمن تمام العدل أن نعطيهن ما أعطاهن الله تعالى.   ثالثًا: زرع الأحقاد بين الأولاد، وذلك بتفضيل الذكور على الإناث، مما قد يؤدي إلى: رابعًا: انتشار الجرائم الإجتماعية بين أفراد المجتمع؛ لأنَّ الحقدَ قد يؤدي إلى ارتكاب مختلف الجرائم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. خامسًا: اضطرار المرأة للعمل بشكلِ قد يخالف طبيعتها حتى تتمكن من تلبية حوائجها وحوائج أبنائها.   سادسًا: طمع من لا خُلُقَ له فيها؛ بسبب ابتعاد من هم أحق الناس برعايتها وحمايتها، وإحساسها بالوحدة والفراغ والذي قد يُشغَلُ بما ينافي تعاليم الشرع الحنيف ويضاد أخلاقيات أسرتها وينافي فطرتها. سابعًا: قطع الأرحام؛ فمَنْعُ الحقوق داخل في قطع الأرحام.
والرّحم–كما قال النبي صلى الله عليه وسلم - معلقة في العرش تقول: اللهم صِلْ مَن وصلني واقطع من قطعني!!   ثامنًا: حرمان هذا الظالم -الذي حرم تلك الأنثى من حقها- مِنَ الأجر بعد موته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « يتبع الميت ثلاث أهله وماله عمله، يرجع اثنان ويبقى عمله»، وقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له»، فتخيل -يا عبد الله- يا من حرم ابنته-..هل هذه البنت المحرومة، والمكلومة ستدعو لك أم عَليك؟!!   فهلاَّ عدنا إلى رشدنا؟ إن الكلام في هذا الموضوع لا تكفيه هذه الرقعة ولكن –كما قيل- خير الكلام ما قل ودلّ، فأحببناه أن ننبه المسلمين على خطورة هذه الكبيرة، وأن ينخلع من تلبس بها، ويرجع إلى الله تعالى رجوع العبد الفقير إلى ربه الغني، ورجوع الأب الرحيم إلى ابنته ونسائه الضعفاء؛ فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله».   فلنتق الله تعالى في بناتنا ونسائِنا فإنهنّ أسيرات[1] كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نتحايل عليهن ليحرمن من حقّهن الشرعيّ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة »، وليس مِن غشٍّ أعظمُ مِن حرمان الحقوق الشرعية التي قد تؤدي إلى مزالق ومهالك خطيرة على المحروم خاصة وعلى المجتمع عامة. وصلِّ اللهمّ وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1] إشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ».



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن