أرشيف المقالات

مشاريع الصلاة

مدة قراءة المادة : 37 دقائق .
2مشاريع الصلاة
كي لا تتحوَّل الصلاة إلى أفعال لا معنى لها، ومظاهر لا ثمرة من ورائها، ومجرد حركات رياضية أو نزهة ترفيهية، كانَ لا بد من تجويدها؛ لأنها هجرة إلى الله سبحانه، فنحتاج فيها رفع الراية التي رفعها سليمان بن عبدالملك، وذلك بقوله: "لأعقدنَّ عقدًا ليس للشيطان فيه نصيب"[1]، وذلك عندما أراد أن يستخلف ابن عمه عمر بن عبدالعزيز رحمه الله على الإمارة.
فلنعلنها بقلوبنا: لنصلينَّ صلاة ليس للشيطان فيها نصيب، ولنتذكر دومًا سلوك (الربيع بن خثيم) رضي الله عنه، فقد كان لا يُعطي السائل كسرة خبز، ولا شيئًا مكسورًا، ولا ثوبًا مرقعًا، ويقول: "إني لأستحيي من ربي عز وجل أن أرى غدًا في ميزاني نصف رغيف"[2].   ومن وسائل تجويد الطاعة تدبر هذه المشروعات: وبدايةً، اعلم أن تغيير الذات أمر ضروري ليرتقي الإنسان بنفسه، لذا من الخطأ أن تقول: لقد اعتدت على كذا وكذا ولا يمكنني تغييره، فأنت مستطيع بإذن الله تعالى أن تنمي مهاراتك وقدراتك، وأن تصلح ذاتك، وأن تجود طاعاتك.
يقول الإمام الغزالي رحمه الله: "لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ، وكيف يُنكر هذا في حق الآدمي! وتغيير خلق البهيمة ممكن؛ إذ يُنقل الصقر من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك، والفرس من الجماح إلى سلاسة الانقياد، وكل ذلك تغيير للأخلاق"[3].   ومن هذه المشروعات: • مشروع (اقرأ وجوِّد): ويراد به الحرص على قراءة وتجويد القرآن الكريم، واليوم كله (1440) دقيقة، وأسألك كم جعلتَ منها لله سبحانه؟ ألا تعلم أن الحرف الواحد بعشر حسنات، والسطر الواحد يشتمل على (35 إلى 40 حرفًا)، فلو قرأت سطرًا واحدًا لكتب لك من (350) إلى (400) حسنة في خلال (4) ثوان تقريبًا، وإذا قرأت صفحة واحدة من القرآن في دقيقة واحدة تكتب لك 400 × 15 = 6000 حسنة في دقيقة، إن شاء الله.
فمثلًا فاتحة الكتاب التي قال عنها صلى الله عليه وسلم: ((أعظم سورة في القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم))[4]، تقرؤها (17) مرة على الأقل يوميًّا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))[5]، وعدد حروفها (122) حرفًا × 10 = (1220) حسنة.
• فبشراك أخي بقوله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف))[6].
هنا 1220 حسنة × 17 مرة = (20740) حسنة، وعند الله المزيد.
• ومثلًا ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1] تعدل ثلث القرآن، والمقصود: إما ثلثه كمعانٍ وأحكام، أو ثلثه كثواب ومكافأة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟))، قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: (({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن، من قرأ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ عشر مرات بنى الله له بيتًا في الجنة))، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذًا نستكثر يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الله أكثر وأطيب))[7].
• ومثلًا آية الكرسي التي قال صلى الله عليه وسلم عنها: ((من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت))[8].
فلتجتهد - أيها المحب - في تحسين تلاوتك مستحضرًا قوله صلى الله عليه وسلم: ((الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، له أجران))[9].
والله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما في قوله: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4]؛ لذا كانت قراءته صلى الله عليه وسلم مفسرة حرفًا حرفًا، ولنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((حسِّنوا القرآن بأصواتكم؛ فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حُسنًا))[10].   • مشروع ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾: الصلاة فرصة ربانيَّة لتطهير النفس من آثامها وعيوبها، فلتُحسن استثمارها، وسلْ ربك ما سأله النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها)).   • مشروع لا تغضب: الصلاة تدريب على ضبط النفس، وإلزامها الحلم والرضا، فقد يكون هناك ازدحام في مكان صلاتك، أو ما لا ترضاه من سلوك، هنا تذكر وصية النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: ((لا تغضب))[11]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما من جرعة أعظم أجرًا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبدٌ ابتغاءَ وجه الله))[12].   • مشروع الصلاة الصحيحة: يجب أن يكون راسخًا في قلوبنا وعقولنا أن الصلاةَ المانحةَ صاحبَها الرضا والرحمة والمغفرة - لن تكون إلا لمن سعى للتعرف على الكيفية الصحيحة لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ امتثالًا لقوله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا كما رأيتموني أُصلي)).   • مشروع الـ (1000) سجدة: يمكن الفوز بذلك المشروع بشرط المحافظة على صلاة الفريضة مدة شهر، ولو اجتهدت في النوافل، فسيقرب العدد من 2000 سجدة، فهنيئًا لك قوله صلى الله عليه وسلم: ((عليك بكثرة السجود لله؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة))[13].   • مشروع بناء (360) بيتًا في الجنة: علمنا ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ((ما من عبد مسلم يصلي لله كلَّ يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعًا غير فريضة، إلا بنى الله له بيتًا في الجنة))[14]. (12 ركعة) يوميًّا، تكون قد حصلت في ثلاثين يومًا على ثلاثين بيتًا في الجنة، و(360) بيتًا في العام الواحد، فلله ما أعظم ذلك الثواب!   • مشروع المحافظة على صلاة البردين للفوز بالجنة: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى البردين دخل الجنة))[15].   • مشروع البراءة من النفاق، ومن النار: وذلك بالمحافظة على الصلوات الخمس مع إدراك تكبيرة الإحرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كُتبت له براءتان؛ براءة من النار وبراءة من النفاق))[16].   • مشروع الـ(30) حجة وعمرة: وذلك بالانتظار بعد الفجر حتى الشروق، ثم صلاة ركعتي الضحى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة))، قال صلى الله عليه وسلم: ((تامة تامة تامة))[17].
• مشروع تكفير الذنوب: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكفِّرات لما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائر))[18].   • مشروع السعي إلى المساجد للفوز بالنعيم الخالد: قال صلى الله عليه وسلم: ((من غدا إلى المسجد أو راح، أعدَّ الله له نزلًا من الجنة كلما غدا أو راح))[19].   • مشروع العبادات المنسيَّة: مثل صلاة الضحى، والتسابيح، والتبكير لصلاة الجمعة، والمحافظة على تكبيرة الإحرام، والسنن الراتبة، وأذكار الصلاة.   مشروع رحلة في التاريخ الإيماني: رحلة نتذكر فيها أحوال الرُّكَّع السجود؛ قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾ [الأنعام: 90]، فاذكر أحدهم (وهو الربيع بن خثيم) القائل: "ما دخلت في صلاة قط فأهمني فيها إلا ما أقول وما يقال لي"[20]. • واذكر ما سُئِلَت عنه عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: "كان يكون في مهنة أهله - تعني خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة"[21].
• فهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ذلك؛ فكان إذا حضر وقت الصلاة ارتعدت فرائصه، وتغيَّر لونه، فسُئل عن ذلك فقال: "جاء وقت الأمانة التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال، فأَبَيْنَ أن يحملنها، وأشفقن منها، وحملها الإنسان، فلا أدري أأحسن أداء ما حملت أم لا"[22].
• وقيل لخلف بن أيوب: ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها؟! قال: "لا أعوِّد نفسي شيئًا يفسد عليَّ صلاتي"، قيل له: وكيف تصبر على ذلك؟! قال: "بلغني أن الفسَّاق يصبرون تحت أسواط السلطان ليقال: فلانٌ صبور، ويفتخرون بذلك، فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرَّك لذبابة"؟!
• وقيل لعامر بن عبدالله: هل تحدثك نفسك في الصلاة بشيء؟ قال: "نعم، بوقوفي بين يدي الله عز وجل، ومنصرفي إلى إحدى الدارين".
• وكان مسلم بن يسار في المسجد فانهدمت ناحيةٌ منه، فقام الناس ولم يشعر أن شيئًا قد سقط من المسجد[23].
• وعن مجاهد قال: كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عودٌ من الخشوع.
• وعن يحيى بن وثاب أن ابن الزبير كان يسجد حتى تنزل العصافير على ظهره ولا تحسبه إلا جذع حائط...
وغير ذلك كثير[24].   • مشروع التدبر في الصلوات الخمس وحكمها: أولًا: صلاة الفجر: قال صلى الله عليه وسلم: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون))[25]. لله ما أجمل هذا الموعد! وما أشرف ذلك التقرير اليومي المرفوع للملك سبحانه! أيها الكريم: ما لك لا تتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فيدركه، فيكبه في نار جهنم))[26]؟! ألا تحب حماية الله لك، وصيانتك من كلِّ أذى وسوء؟ ألا تسعد بتهديد الله لمن يؤذيك؟!
• صلاة الفجر: تكون فيها أعلى نسبة لغاز الأوزون (o)، وهو غاز مفيد للأعصاب ومنشط للعضلات، كذلك تزداد نسبة الأشعة فوق البنفسجية (u.v)، التي تساعد في توفير فيتامين (د)، كما تزداد نسبة الكورتيزون، ولا يخفي أهمية ذلك على صحة الإنسان.
• هنا صلاة الفجر: حيث الجهر بالصلاة؛ لأن اللسان قد سكن عند النوم، والفكر قد استقر، فجاء الجهر لينقل الجميع عن السكون إلى الحركة تمهيدًا لحركة النهار، والسعي فيه. وكأنه منبه لك أن استيقظ...
وتنبَّه...
وانهض...
وشمِّر...
وجد...
واجتهد.
• هنا صلاة الفجر: حيث التأفف من النفاق، كما قال ابن عمر رضي الله عنه: "كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن"[27].
• هنا صلاة الفجر: حيث النفور من بول الشيطان، فلقد ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله حتى أصبح، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه))[28]. قال الطيبي: "خص الأُذُن بالذكر، وإن كانت العين أنسب للنوم إشارة إلى ثقل النوم، فإن المسامع هي موارد الانتباه"[29]. وقد يسأل سائل: وهل يبول الشيطان؟ يجيب الإمام القرطبي: "ثبت أن الشيطان يأكل ويشرب وينكح، فلا مانع من أن يبول"[30].   ثانيًا: صلاة الظهر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه))[31]. أي: التبكير إلى الظهر أو الجمعة. فالظهر عونٌ من الله سبحانه لعبده؛ كي يستطيع مواصلة بذله وتعبه في هذه الحياة، فصلاته فرصةٌ لالتقاط الأنفاس من همِّ العناء، وتجديد الإيمان، والسعادة بطيب اللقاء مع المولى سبحانه وتعالى.
• هنا صلاة الظهر: سُميت بذلك؛ لأنها أول صلاة ظهرت، أو لأنها تؤدَّى وقت الحر وظهوره، وكانت سرًّا؛ لأن النهار فيه حركة والنفس مشغولة متيقظة لطلب المعاش، فأمرت أن تغير نمط حياتها، وتوجه بعض نشاطها نحو السر وتعميره بالمناجاة، وكانت سرًّا؛ لأن المشركين بمكة كانوا يَسبون القرآن عند سماعه، وأدِّيَت هكذا حتى لا يسمع المشركون ما يُتلى فيها.
ثالثًا: صلاة العصر: مع زحمة الأعمال، وثقل الحياة، يأتي نداء الرحمة أن أقبل مرة أخرى، لتسعد بلقاء ربك، وما أجمله فانهض تاركًا ما في يدك مستحضرًا قوله صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى العصر: ((إن هذه الصلاة عُرضت على من كان قبلكم فضيَّعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد))[32].
• أي قلب هذا الذي لا يفزع من قوله صلى الله عليه وسلم: ((الذي تفوته صلاة العصر، كأنما وتر أهله وماله))[33]؟!
• والموتور: من أخذ منه أهله وماله وهو ينظر عاجزًا لا يستطيع فعل شيء، فبالله كيف يكون غمُّه؟ وهكذا ينبغي أن يكون غمُّ من تفوته صلاة العصر بلا عُذر شرعي، حق له أن يحزن؛ لحصول الذنب، وغضب المولى سبحانه، وضياع الأجر، ومن لا يحزن لذلك فليعلم أن هذه علامة من علامات موت القلب، وغضب المولى سبحانه.   رابعًا: صلاة المغرب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صلاة المغرب وتر النهار، فأوتروا صلاة الليل))([34]). هنا المغرب يناديك: ألا أيها السائر في دروب الحياة: ها هو الضوء قد فات، والنهار قد انقضى، وهكذا حياتك، فاغتنم عمرك، وردد: ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 79].   خامسًا: صلاة العشاء: هدية الله للأمة المسلمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعتموا بهذه الصلاة، فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم، ولم تصلها أمة قبلكم))[35]. هنا العشاء: آن لحركتك أن تسكن، ولجسدك أن يستريح، وأن يتطهر كي تنهض مستبشرًا برحمات الله فجرًا.
إذًا الصلوات الخمس: ما هي إلا مواقيت لرموز التحولات الزمنية: • فالفجر بدءٌ، وبه تبدأ الحياة، فاملأ رئتيك بالنفس الأول منذ لحظة الميلاد. • ثم يدور الكوكب في مداره حتى إذا توسَّطت الشمس كبد السماء ها أنت ذا تشهد منتصف عمرك، (صلاة الظهر). • ثم تأتيك صلاة العصر لتُنذرك قرب النهاية، فلم يبقَ من عمرك إلا لحظات، فماذا أعددت؟ • ثم يكون المغرب، وما المغرب إلا غروبٌ؛ وكذا حياتك فلتستعد بعمل الصالحات قبل غروبها. • ثم تكون العشاء حيث السكون والهدوء. • لعلك علمت الآن أن الصلاة هي عُمرك كله، فأن يفوتك وقت يعني أنك فقدت جزءًا من العمر، وهل يمكنك استعادة الوقت؟ كلا..
لهذا تسمى الصلاة بعد وقتها "قضاء"، ولا يمكن أن يكون العوض كالأصل أبدًا، فلو أكلت طعام العشاء في الصباح تكون حينئذ تتعشى أم تفطر[36]؟!
ولعلك تسأل: لم فرضها الله خمسًا؟ أولًا: لأن النفس البشرية فيها الغفلة والسهو والنسيان، فاقتضت حكمته سبحانه أن توقظ النفس من غفلتها ونسيانها، وذلك بدعائها لمناجاته سبحانه مرات خمس.
ثانيًا: جعلها الله في العدد خمسًا وفي الأجر خمسين؛ لأنه سبحانه يعلم ضعفنا، وكسلنا، وغفلتنا، فهذه الخمس رأفة من الله سبحانه ورحمة بنا.
ثالثًا: إن كُلَّ مسلم صادق يسعى في دنياه للخلاص من النار، لكن أمامه خمس عقبات: 1) الدنيا، وشرورها، وآفاتها، وشواغلها. 2) الموت، وشدته وهوله. 3) القبر، ووحشته، وحسابه. 4) المحشر، وهوله، وجزعه. 5) الحساب، وما يعقبه من أهوال. • فكان فعل الصلوات الخمس مُيسرًا لهذه العقبات، وعونًا على عبورها، وسبيلًا لنيل الخيرات في جنة الخلد بإذن الله الكريم المنَّان.   مشروع مقاومة البدع والمخالفات في هذه العبادة العظيمة، مثل: أ- عدم تحريك اللسان والشفتين في الصلاة. ب- فرقعة الأصابع في المسجد. ج- ترك دعاء الاستفتاح. د- التفريج بين الأصابع في تكبيرة الإحرام. هـ- ترك الاستعاذة والبسملة. و- رفع الرأس عند قول: (آمين). ز- جذب أحد المأمومين ليصلي معه. ح- زيادة لفظة (الشكر) عند الرفع من الركوع. ط- قول المأموم: استعنَّا بك يا رب، أثناء قول الإمام في الفاتحة: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 4]. ي- انكشاف العورة أثناء الصلاة، مع القدرة على سترها. ك- التحول عن القبلة. ل- الالتفات بالوجه يمنة ويسرة أثناء الصلاة لغير حاجة. مـ- مسابقة الإمام أو مساواته أثناء تأدية الصلاة. وغير ذلك كثير، مما يجب التنبيه عليه، والالتفات إليه، والتحذير منه.   مشروع إسباغ الوضوء: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء))[37].
الشهادة بعد الوضوء: كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، فتحت له ثمانيةُ أبوابِ الجنة يَدْخُل مِن أيِّها شاء))[38].
الحرص على السواك: وهذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه: ((مطهرة للفم، مرضاة للرب))[39].
تلبية النداء: ولتتدبر - هنا - وصف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حال النبي صلى الله عليه وسلم وقت سماعه الأذان، فتقول: "كان يكون في مهنة أهله، فإذا سمع الأذان خرج"[40].
• ولك أسوة في (إبراهيم بن ميمون المروزي)، وكان يعمل صائغًا يطرق الذهب والفضة، فإذا سمع النداء وكان رافعًا مطرقته لم يردها، وهذا السلوك من فقه الخشوع؛ لأن الإنسان إذا أسرع بتلبية النداء نزع بذلك نفسه من كلِّ ما يشغله داخل الصلاة، فلا يُفكر في سواه؛ أما إذا استرسل مع الشواغل، وتأخر عن الإجابة، دخل إلى الصلاة، وقد بقي قلبه معلقًا بشغله، فيتابع التفكير فيه، وتضيع عليه الصلاة، ولذا أوصى أبو الدرداء رضي الله عنه وصية مجرب: "من فقه المرء إقبالُه على حاجته حتى يُقبل على صلاته وقلبه فارغ"[41].
• هنا الأذان: أوَليس إذا نودي بالصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء وانخنست الشياطين؟ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، حتى لا يسمع التأذين))[42].
فيا أخي انهض وسارع إلى نداء ربك، حفزك لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التؤدة في كلِّ شيء إلا في عمل الآخرة))[43].   مراعاة أوقاتها: لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]. وسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها...))[44].
ترديد الأذان: نداء الحق الذي يدعوك أن انظر إلى السماء واهجر ما أنت فيه، واعرف من أنت، وماذا تطلب، ولمن تخضع، ولتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا نودي بالصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء))[45].   الدعاء بين الأذان والإقامة: فهو لا يرد[46]، كما أخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
الاهتمام بإتمام الصفوف وتسويتها: ولتسعد بهذا الاصطفاف، فهو كاصطفاف الملائكة؛ أوَلم يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ ((ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟))، قالوا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: ((يتمون الصفوف الأُوَل، ويتراصون في الصف))[47]. ما أجمل أن تتشبه بملائكة الرحمن الراكعين الساجدين، وما أقبح من يزهد في التشبه بالملائكة المطهرين!
الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام: تكبيرة: نخلع بها دنيانا، مجاهدين أنفسنا وشواغلنا، مستحضرين قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يُناجي ربه))[48].   تكبيرة الإحرام: ولفظها: الله أكبر: ولعلك تسأل: لم هذا الذكر؟ أجيبك أيها الكريم، لأنه: أ) شعار الصلاة: فالله أكبر من كلِّ شاغل يشغلك، أو عمل يلهيك، فحقُّه هو الحق، وفرضه هو الفرض.
ب) شعار المجاهدين: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين))[49]، فنحن أمة شعارها التكبير، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن جيش القسطنطينية أنه يتقدم أسوارها بالتكبير[50].
ج) شعار الحياة: فعن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: "بينما نحن نُصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من القائل كلمة كذا وكذا؟)) قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: ((عجبت لها؛ فتحت لها أبواب السماء))، قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك[51].
د) ذكر الصعود: كما ثبت عن جابر رضي الله عنه: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا))[52].
هـ) رجم الشيطان في الحج: كما قال صلى الله عليه وسلم: ((الشيطان ترجمون، وملة أبيكم إبراهيم تتبعون))[53].
و) عبادة خير: فأنت تُكبر عند استقبال الحجر الأسود، واستفتاح الصلوات ودبرها، وعند الشروع في الطواف حول الكعبة، وعند الصفا والمروة، وعند ركوب الدابة في السفر.
وأسألك: ما الذي يجمع بين الأصنام التي تعبد، والأشخاص التي تُقدس من دون الله؟ • الجامع بينهم التقديس والتعظيم؛ لهذا جاء أمر المولى سبحانه واضحًا: ﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾ [المدثر: 3]؛ أي: كبِّر أمره وشرعه ورسله وأوليائه، فالله سبحانه هو الأحق بالتعظيم والأولى بالتقديس. من هنا ندرك مراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "قول العبد: (الله أكبر) خير من الدنيا وما فيها"[54]. فيا أيها العابدون السائرون إلى مولاهم! اصدقوا في قولكم: (الله أكبر)، ولصدقكم أمارات هذه بعضها: (هجر التعالي - التواضع بين يدي الله - اللين مع الخلق).
وأُحذرك: وإن لم تتخلق بهذه الأخلاق، فمكان المتكبرين أنت تعلمه ﴿ نَارًا تَلَظَّى ﴾ [الليل: 14].


[1] سيرة عمر بن عبدالعزيز لابن الحكم المصري، ص 24. [2] سيرة عمر بن عبدالعزيز لابن الحكم المصري، ص 24. [3] حلية الأولياء: (2/ 116). [4] أخرجه البخاري: (4474).
[5] أخرجه البخاري: (756)، ومسلم (394).
[6] أخرجه الترمذي (2910)، وقال: حسن صحيح غريب.
[7] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: (397)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6472).
[8] المعجم الكبير (8/ 114)، والسنن الكبرى للنسائي (6/ 30).
[9] أخرجه البخاري: (4937)، ومسلم: (798)، واللفظ له.
[10] أخرجه الدارمي: (3544)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: (3145). [11] أخرجه البخاري: (6116).
[12] أخرجه ابن ماجه: (4189)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (2752). [13] أخرجه مسلم: (488). [14] أخرجه مسلم: (728).
[15] أخرجه البخاري: (574)، ومسلم: (635).
[16] أخرجه الترمذي (241) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6365). [17] أخرجه الترمذي: (586)، وحسنه الألباني في المشكاة: (971).
[18] أخرجه مسلم: (233).
[19] أخرجه البخاري: (662)، ومسلم: (669). [20] إحياء علوم الدين للإمام الغزالي: (1/ 171).
[21] أخرجه البخاري: (676).
[22] تنبيه الغافلين بأحاديث سيد المرسلين للسمرقندي: (872). [23] انظر في ذلك: إحياء علوم الدين (1/ 151 - 171).
[24] صفة الصفوة (1/ 302). [25] أخرجه البخاري: (555)، ومسلم: (632).
[26] أخرجه مسلم: (657). [27] أخرجه البزار في "مسنده" (5847)، وابن خزيمة في صحيحه (1485).
وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3077).
قال الهيثمي: رواه الطبراني في "الكبير" والبزار ورجال الطبراني موثوقون.
[28] أخرجه البخاري: (1144)، ومسلم: (774).
[29] فتح الباري: (3/ 29).
[30] السابق: (3/ 28).
[31] أخرجه البخاري: (615)، ومسلم: (437). [32] أخرجه مسلم: (830)، (الشاهد: النجم).
[33] متفق عليه: أخرجه البخاري (552) ومسلم (626) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
[34] أخرجه أحمد: (4847)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: (3834). [35] أخرجه أبو داود: (421)، وأحمد: (22066)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: (448). [36] قناديل الصلاة، فريد الأنصاري رحمه الله، ص (100 - 102) بتصرف.
[37] أخرجه مسلم: (2500).
[38] أخرجه أحمد: (17314)، والترمذي: (55)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: (6167). [39] أخرجه البخاري: (1832).
[40] أخرجه البخاري في صحيحه معلقًا: (640). [41] أخرجه البخاري: (670). [42] أخرجه البخاري: (608)، ومسلم: (389).
[43] أخرجه أبو داود: (4812)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: (3009). [44] البخاري: (527)، ومسلم: (85).
[45] أخرجه أحمد: (14689)، وأبو يعلى: (4072)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: (818). [46] أخرجه أبو داود: (521)، والترمذي: (212) وحسَّنه.
[47] أخرجه مسلم: (430). [48] أخرجه البخاري: (405) واللفظ له، ومسلم: (551).
[49] أخرجه البخاري: (371)، ومسلم: (1365).
[50] أخرجه مسلم: (2920). [51] أخرجه مسلم: (601).
[52] أخرجه البخاري: (2993).
[53] أخرجه الحاكم في المستدرك: (1713)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب: (1156). [54] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: (10/ 345).



شارك الخبر

المرئيات-١