أرشيف المقالات

حال المؤمن يوم القيامة

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2حال المؤمن يوم القيامة
إنَّ الله لا يضيع أجرَ المحسنين من عباده، الذين كانوا في الدنيا يتسابقون نحو الخيرات، ولا تلهيهم تجارة ولا شيء آخر عن عبادة الله وتوحيده، ولا يلتفتون يمينًا ولا شمالًا، ولا يخافون في الله لومةَ لائم، وهولاء الناجحون في الدنيا والآخرة؛ حيث إنهم عاشوا في الدنيا بالإسلام والإيمان وفي الآخرة لهم البشرى ويكون لهم أحسن الأحوال، قال الله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾[1].   قال الطبري رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾: "وجوه يومئذ مشرِقةٌ مضيئة، وهي وجوه المؤمنين الذين قد رضي الله عنهم، يقال: أسفَر وجه فلان: إذا حَسُن، ومنه أسفر الصبح: إذا أضاء، وكلُّ مُضيء فهو مسفِر، وأما سَفَر بغير ألف، فإنما يقال للمرأة إذا ألقت نقابَها عن وجهها أو برقعها، يقال: قد سَفَرت المرأة عن وجهها إذا فعلت ذلك فهي سافر...
﴿ ضَاحِكَةٌ ﴾ يقول: ضاحكة من السرور بما أعطاها الله من النعيم والكرامة ﴿ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ لما ترجو من الزيادة"[2].   وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ﴾ "مشرقة"[3]. وقال ابن زيد رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ "هؤلاء أهل الجنة"[4].   وقال أبو الليث السمرقندي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ "من الوجوه ما يكون في ذلك اليوم مشرقة مضيئة ﴿ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾، يعني: فرحة بالثواب وهم المؤمنون المطيعون"[5].   وروي عن عطاء[6] رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ "من طول ما اغبرَّت في سبيل الله"[7].   وذلك فضلٌ من الله يؤتيه من يشاء من عباده؛ حيث يسفر وجوه الذين آمنوا وعملوا الصالحات في اليوم الذي فيه تسودُّ وجوه وتبيَضُّ وجوه، ويجعلها ضاحكة ومستبشرة، ومع ذلك تكون ناعمة في الآخرة وراضية عما سلف؛ حيث قال الله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ﴾[8].   قال الطبري رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ﴾ "يوم القيامة"، وقوله: ﴿ نَاعِمَةٌ ﴾ "هي ناعمة بتنعيم الله أهلها في جناته، وهم أهل الإيمان بالله".
وقوله: ﴿ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ﴾ "لعمَلِها الذي عملَتْ في الدنيا من طاعة ربها راضية، وقيل: ﴿ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ﴾ "لثواب سعيها في الآخرة راضية"[9].   وقال أبو الليث السمرقندي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ ﴾ "يعني: من الوجوه ما تكون ناعمة، يعني: في نِعْمةٍ وكرامة، وهي وجوه المؤمنين والتائبين، والصالحين، ويقال: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ ﴾ يعني: مشرقة مضيئة؛ مثل القمر ليلة البدر ﴿ لِسَعْيِها رَاضِيَةٌ ﴾ يعني: لثواب عملها راضية، ويقال: لثواب سعيه الذي عمل في الدنيا من الخير، يعني: رأى ثوابه في الجنة، راضِيَة مرضيَّة، رضي الله عنه بعمله في الدنيا، ورضي العبد من الله تعالى في الآخرة من الثواب"[10].   وليس هذا وحده لهذه الوجوه؛ بل هناك من النِّعم ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب أحد، وبذلك تكون هذه الوجوه ضاحكة ومستبشرة وناعمة وراضية. اللهمَّ اجعلنا منهم.
آمين يارب العالمين.


[1] سورة عبس: (38، 39). [2] "جامع البيان في تأويل القرآن"؛ لابن جرير الطبري، (24/ 232 233). [3] أخرجه الطبري في تفسيره "جامع البيان في تأويل القرآن"، (24/ 233). [4] المصدر نفسه. [5] "بحر العلوم"؛ لأبِي الليث السمرقندي، (3/ 549). [6] عطاء (27 114 هـ = 647 732 م)، هو: الإمام، شيخ الإسلام، مفتي الحرم، أبو محمد القرشي مولاهم، المكي، يقال: ولاؤه لبني جمح، كان من مولدي الجَنَد، ونشأ بمكة، ولد: في أثناء خلافة عثمان، حدث عن: عائشة، وأم سلمة، وأم هانئ، وأبي هريرة، وابن عباس، وطائفة، حدث عنه: مجاهد بن جبر، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو الزبير، وعمرو بن دينار، والقدماء، والزهري، وقتادة، وخلق من صغار التابعين، وأبو حنيفة، وجرير بن حازم، ويونس بن عبيد، وأسامة بن زيد الليثي، وآخرون، قال الثوري: عن سلمة بن كهيل: ما رأيت أحدًا يريد بهذا العلم وجهَ الله غير هؤلاء الثلاثة: عطاء، وطاووس، ومجاهد. راجع: "سير أعلام النبلاء"؛ للذهبي، (5/ 78 88)، و"الأعلام"؛ للزركلي، (4/ 235). [7] "الكشف والبيان عن تفسير القرآن"؛ للثعلبي، (10/ 135). [8] سورة الغاشية: (8 - 9). [9] "جامع البيان في تأويل القرآن"؛ لابن جرير الطبري، (24/ 385). [10] "بحر العلوم"؛ لأبِي الليث السمرقندي، (3/ 574).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣