أرشيف المقالات

التقليد في الجزئيات

مدة قراءة المادة : 38 دقائق .
2التقليد في الجزئيات
هذه المسألة من أهم المسائل الأصولية، التي طال فيها الجدال والنقاش، وأُلِّفت فيها المؤلفات العديدة، وفيما يلي نعرض رأي الشَّاطبي في المسألة، مع بيان من وافقه أو خالفه فيها، علمًا أننا سنسير هنا على ما سبق أن بيَّنا أنه الغالب من استعمال الشَّاطبي من أن الجزئيات هي القواعد والفروع الفقهية التي لم تثبُتْ عن طريق القطع، وإلا فإن العلماء قد اختلفوا في الفروع الثابتة عن طريق القطع، هل هي محل وفاق أو خلاف؟[1].   رأي الشَّاطبي: يرى الشَّاطبي جواز التقليد في الجزئيات، وأن فرض العامي إنما هو التقليد. قال الشَّاطبي عن العامي: "فلا بد له من قائد يقوده، وحاكم يحكم عليه، وعالم يقتدي به"[2]، ويقول عن طلبة العلم غير المتمكنين: "وإنما هم في طلبه في رتبة التقليد"[3]، ويقول: "المقلِّد ينظر أي مذهب أوفق لمقاصد الشرع فيتبعه"[4]، ويقول أيضًا: "المجتهد أمينُ نفسه، فإذا كان مقبولَ القول، قبِله المقلِّد"[5].   ويرى الشَّاطبي أن المجتهد لا بد له من نَصْبِ نفسه ليراه العامي، فيقلده ويقتدي به في الأقوال والأفعال[6]، ويقول عن العالم إذا كان فعله موافقًا لقوله: "صح الاقتداء به واستفتاؤه، وفتواه فيما وافق، دون ما خالف"[7]، وقال: "فقد نصبه الشارع أيضًا ليؤخذ بقوله وفعله؛ لأنه وارث للنبي"[8]؛ ولذا كان واجبًا أن يتبع من هذا الوجه، كما قال الشَّاطبي[9].   والمقلِّد عليه سؤالُ أهل العلم وتقليدهم فيما عرض له، أو أشكل عليه، قال الشَّاطبي: "المقلد إذا عرضت له مسألة دينية، فلا يسَعه في الدين إلا السؤال عنها على الجملة"[10]، ويقول: "المقلد غير عالم، فلا يصح له إلا سؤال أهل الذِّكر"[11].   ويذكر الشَّاطبي جملة من الأوصاف التي تؤهل العالم لأن يكون أهلًا للتقليد، فيقول بعدها: "هذه جملة تدل الإنسان على من يكون من العلماء أولى بالفتيا والتقليد له"، ثم يقول: "ولم آتِ بها على ترجيح تقليد مالك، وإن كان أرجح؛ بسبب شدة اتصافه بها"[12]، ويقر الشَّاطبي على نفسه بالتقليد، فيقول: "..
ليس إلينا معشر المقلدين.."[13]، ويقول: "مع أني مقلد"[14].   فتبين بوضوح من خلال هذه النصوص أن الشَّاطبي ممن يرى جواز التقليد، بل إنه ليدرج نفسه في زمرة المقلدين مما يبين جوازه عنده، ولو كان يرى غير ذلك لَمَا انتسب للتقليد مطلقًا.   ووافَقه على ذلك الحنفية[15]، والمالكية[16]، والشافعية[17]، والحنابلة[18]، وكثير من المعتزلة[19]، وهو قول الأئمة الأربعة[20]، ونسب لأكثر الناس[21]، ولأكثر العلماء[22]، ولأكثر المتكلمين والفقهاء[23]، وللجمهور[24] وللمحققين من الأصوليين[25]، بل حكي عليه الإجماع؛ قال ابن القصار: "هذا ما لا خلاف فيه نعلمه"[26]، وصرح ابن عبدالبر بالاتفاق، فقال: "لم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها"[27]، وقال ابن قدامة: "أما التقليد في الفروع، فهو جائز إجماعًا"[28].   وخالفه القائلون بوجوب الاجتهاد، وحرمة التقليد: وبه قال بعض معتزلة بغداد[29]، ومنهم جعفر بن مبشر، وجعفر بن حرب[30]، ونصَرَ هذا القولَ ابنُ حزم[31]، وابن عربي الصوفي[32]، والشوكاني[33]، والصنعاني[34]، وصديق حسن خان[35]، ونُسب للجبائي[36]، ولقوم من القدرية[37]، ولشذوذ من المتكلمين[38]، وأشار ابن حزم إلى الإجماع عليه[39]، وحكاه الشوكاني عن الأئمة الأربعة، وقال: "المنع من التقليد إن لم يكن إجماعًا، فهو مذهب الجمهور"[40].   والمتأمِّل للخلاف يلحَظ أنه لا يرِدُ كلُّه على محل واحد؛ فالقائلون بجواز التقليد لا يريدون بذلك التقليد المذموم، وهو: الانتساب إلى عالم معين بحيث تقدَّم أقوالُه على الوحي؛ ولذلك أبطلوا التقليد وأنكروه؛ فهذا الماوردي يقسم التقليد إلى ممنوع، ومشروع، ويشير إلى أن الأصل هو الممنوع، وإنما جاز في مثل العامي[41].   وهذا ابن القصار يوجب النظر، وينهى عن التقليد، إلا في مواضع من باب الضرورة، ومنها تقليد العامي للعالم[42]، وكذلك فَعل القرافي؛ حيث قال: "مذهب مالك، وجمهور العلماء - رضي الله عنهم -: وجوبه - يعني الاجتهاد - وإبطال التقليد...
وقد استثنى مالكٌ..."، ثم ذكر المستثنيات، ومنها تقليد العامي[43].   وقال الغزالي عن التقليد: "ليس ذلك طريقًا إلى العلم، لا في الأصول، ولا في الفروع"[44]. وهذا ابن عبدالبر يُبطل التقليد، ويسُوق في ذلك الآثار، ثم يستثني تقليد العامي للمجتهد[45]، وبمثله صنع السيوطي[46]، وهذا ابن القيم شدَّد في إنكاره على المقلدين، ثم استثنى تقليد العامي إذا بذل جهده في تحصيل العالم الأهل[47].   فهؤلاء أبطلوا التقليد، واستثنَوْا من ذلك مواضع، منها: تقليد العامي للمجتهد، وعلى هذا فهم موافقون لأصحاب القول الثاني المبطلين للتقليد من هذا الوجه، وأصحاب القول الثاني لا يبطلون عموم التقليد، إنما يبطلون نوعًا من التقليد؛ يتضح هذا من قول ابن حزم: "التقليد حرام، ولا يحل لأحد أن يأخذ بقول أحد بلا برهان"[48]، ويقول: "فيَعرضون كلامَ الله تعالى وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم على قول صاحبهم، وهو مخلوق مذنب، يخطئ ويصيب، فإن وافق قولُ الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قولَ صاحبهم أخذوا به، وإن خالفاه تركوا قول الله جانبًا وقوله صلى الله عليه وسلم ظِهْريًّا، وثبتوا على قول صاحبهم..."[49]، وقال: "فمَن اتخذ رجلًا إمامًا يَعرض عليه قولَ ربِّه، وقول نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فما وافق فيه قول ذلك الرجل قبِله، وما خالفه ترك قول ربِّه تعالى، وقول نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وهو يقرُّ أن هذا قول الله عز وجل وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، والتزم قول إمامه - قد اتخذ دون الله تعالى وليًّا..."[50]، وقال: "ولا وليجة[51] أعظم ممن جعل رجلًا بعينه عيارًا من كلام الله تعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام سائر علماء الأمة"[52].   وكلام ابن حزم واضح في إبطال التقليد، ولكنه تقليد معين، يتبين هذا من قوله: "إنما نسأل أهل الذِّكر ليخبرونا بما عندهم من أوامر الله تعالى الواردة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا عن شرع يشرعونه لنا"[53]، وقال: "لأن القائل بما ذكرنا - يعني من التقليد - قد أوجب على العامي البحثَ عن أفقه أهل بلده، وهذا النوع من أنواع الاجتهاد، فقد فارق التقليد وتركه، ولم يقل أحدٌ: إن العامي يقلِّد كل من خرج إلى يده، فقد صح معنى ترك التقليد من العامي وغيره بإجماع"[54].   ومِن خلال هذا يتبين أنه يجيز نوعًا من التقليد؛ فسؤال أهل الذِّكر لا شك أنه تقليد لهم - لا سيما في مسألة خلافية فيها نصوص شرعية تُوهِم الاختلاف - وهو يجيز سؤالهم وتقليدهم فيما يقولون، وكونه يأمر العامي بالاجتهاد في البحث عن المفتي هذا أيضًا إقرار له على تقليده له، وإنما ينكر ابن حزم التقليد المذموم الذي يتعلق فيه المقلد بعالم معين، فيعرض أقوال الناس، بل يعرض نصوص الوحي، على قوله، فهذا التقليد الذي أنكره ابن حزم ومن تبعه، وإنكار هذا النوع لا يخالفه فيه القائلون بجواز التقليد.   فهذا الشَّاطبي يجعل قول العالم متَّبَعًا لكونه حاكمًا بالشريعة، فإن خالف ذلك رُفِض قوله؛ قال الشَّاطبي: "العالم بالشريعة إذا اتبع قوله، وانقاد إليه الناس في حكمه، فإنما اتُّبِعَ من حيث هو عالم وحاكم بها وحاكم بمقتضاها، لا من جهة أخرى؛ فهو في الحقيقة مبلِّغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، المبلغِ عن الله - عز وجل - فيتلقى منه ما بلغ على العلم بأنه بلغ، أو على غلبة الظن بأنه بلغ، لا من جهة كونه منتصبًا مطلقًا؛ إذ لا يثبت ذلك لأحد على الحقيقة، وإنما هو ثابت للشريعة المنزلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ثم يقول: "بل إنما يكون منتصبًا على شرط الحكم بمقتضى الشريعة، بحيث إذا وجد الحكم في الشرع بخلاف ما حكم لم يكن حاكمًا، إذا كان بالفرض خارجًا عن مقتضى الشريعة الحاكمة، وهو أمر متفق عليه بين العلماء؛ ولذلك إذا وقع النزاع في مسألة شرعية، وجَب ردها إلى الشريعة حيث يثبت الحق فيها؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59] الآية"[55]، وقال: "لا يُتَّبَع أحدٌ من العلماء إلا من حيث هو متوجِّه نحو الشريعة، قائم بحجتها، حاكم بأحكامها جملة وتفصيلًا، وأنه مَن وُجد متوجهًا غيرَ تلك الوجهة في جزئية من الجزئيات، أو فرع من الفروع - لم يكن حاكمًا، ولا استقام أن يكون مقتدًى به فيما حاد فيه عن صَوْبِ الشريعة البتة"[56].   فالشَّاطبي ينكر ذلك النوع من التقليد، وينقل ابنُ تيمية الإجماعَ على إنكار هذا النوع من التقليد، فيقول: "المقصود هنا أن التقليد المحرم بالنص والإجماع: أن يعارضَ قولَ الله ورسوله بما يخالف ذلك، كائنًا من كان المخالف لذلك.."[57].   وإذا تبين هذا، فالتقليد - كما سبق أن بيَّنا - على قسمين: القسم الأول: نوع أصله صحيح، وهو الذي يَعنيه أصحاب القول الأول، وينقُلون أنه رأيُ الأئمة الأربعة، وجمهور العلماء، وهم محقُّون في هذا النقل.   والقسم الثاني: نوع باطل، وهو الذي أراده أصحاب القول الثاني، ونقلوا عليه رأي الأئمة الأربعة، والجمهور، وهم محقُّون في نقلهم.   وحينئذ فأصحاب القولين متفقون في جُلِّ المعاني، وإن اختلفوا في الألفاظ، وهذا الوفاق الذي ذكرناه إنما نؤكد أنه من جهة النظر، وإلا فإن مِن الأصوليين مَن تناسى ذلك، فتوسع في التقليد، وأوجبه حتى على العالم المتمكن من النظر، ولو بما يخالف صريح الأدلة، وبعضهم تعصب لمتبوعه وثرَّب على غيره، بل وقلده فيما لا ينبغي، وتمحَّل الإجابة عن الخطأ، وخطَّأ الصواب، هذا ما تبين لي في هذه المسألة من خلال النظر في الأقوال والأدلة، والله أعلم.   أدلة الشَّاطبي ومن وافقه: استدل الشَّاطبي على جواز التقليد في الجزئيات بدليلين: الدليل الأول: قوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43].   ووجه الاستدلال: أن الآية عامة في كل مَن لا يَعلَم، والعامي المقلد لا يعلم، فجاز له سؤال أهل العلم، والاعتماد على أقوالهم[58].   مناقشته: نوقش هذا الدليل من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن المراد بأهل الذكر هم رواة السنن؛ فالله أمر بسؤالهم ليخبرونا بما عندهم من القرآن والسنة، لا ليشرعوا لنا ما لم يأذن به الله بآرائهم وظنونهم[59]، ويؤيد هذا أن أهل العلم من الصحابة والتابعين كان هذا هو شأنَهم، وليس لهم من يقلدونه، ويؤيده قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ [الأحزاب: 34]؛ فبيَّن الله سبحانه أن هذا هو الذِّكر الذي أُمرنا باتباعه، وأمر مَن لا علم له أن يسأل أهله[60].   جوابه: أجيب: بأن هذا تخصيص من غير دليل؛ فهو خلاف الأصل[61]؛ فالأصل أن الآية على عمومها، ودخول من ذكرتم لا يمنع دخول غيرهم.   الوجه الثاني: أن الآية لا تدل على ما ذكرتم؛ لأنها وردت في أمر خاص، وهو السؤال عن كون أنبياء الله رجالًا، كما يفيده سياق الآية؛ حيث قال: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ﴾ [النحل: 43، 44]، وعلى هذا فلا يمكن الاستدلالُ بها على عموم السؤال؛ لأن الآية خارج محل النزاع[62].   جوابه: يمكن أن يجاب عن هذا بجوابينِ: الجواب الأول: أن بعض العلماء ذكر أنه لا خلاف في أن التقليد في الفروع داخل في الآية[63]، وفي هذا الجواب نظر ظاهر، لا سيما وأن من يمنع من التقليد لا يوافق على هذا.   الجواب الثاني: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.   الوجه الثالث من الاعتراضات على الاستدلال بالآية: سلَّمنا لكم، لكن أهل الذكر ليس واحدًا بعينه فتلزمونا بتقليده، كما تقولون أنتم[64]، ثم إن التزام مذهب معين وتقليد صاحبه بدعة، وكل بدعة ضلالة، ودليل كونه بدعة أنه لم يكن في القرون المفضلة، فكيف تستدلون به على دعواكم؟![65].   جوابه: يمكن الجواب عن هذا الاعتراض بثلاثة أجوبة: الجواب الأول: أننا لا نقول بوجوب التزام مذهب معين مطلقًا، بل متى ما وافق الحق.   الجواب الثاني: أننا نوافقكم، ولكن هذا في التقليد المذموم، الذي يكون كتقليد الآباء، وهذا متفق على تحريمه، ونحن معكم فيه، أما تقليد من بذل جهده في اتباع الحق وخفي عليه بعضه، فقلد فيه أهل العلم به، فهذا ليس مما ذكرتم[66].   الجواب الثالث: أن دعواكم بأن التقليد بدعة هو من محل النزاع، وليس لكم أن تستدلوا بما هو من محل النزاع، ثم لا نوافقكم بأن التقليد لم يكن موجودًا في القرون المفضلة، بل كان العوام يقلدون العلماء في ذلك العصر، كما هو الحال في العصور الأخرى.   الدليل الثاني: قوله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].   ووجه الدلالة: أن الله تعالى حثَّ على أن تخرج طائفة منهم ليحصِّلوا العلم فيُنذروا قومهم، ولولا أنه يجب الرجوع إليهم، لَمَا كان للنِّذارة معنى، ثم جعل طلب العلم على طائفة، فلزم أن يكون البقيةُ تابعين لهم في علمهم[67].   مناقشته: نوقش من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن الله سبحانه إنما أوجَب عليهم ما أنذروهم به من الوحي الذي ينزل في غيبتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد[68].   جوابه: يجاب عن هذه المناقشة بجوابين: الجواب الأول: أنه وإن كان السبب خاصًّا، فإن العبرة بعموم اللفظ. الجواب الثاني: أن التقليد الذي رفضتموه هو تقديم آراء الرجال على الوحي، وليس هذا منه[69].   الوجه الثاني: أن الآية حجةٌ عليكم؛ لأن الله نوَّع عبوديتهم وقيامهم بأمره إلى نوعين؛ أحدهما: نفير الجهاد، والثاني: التفقُّه في الدين، وجعل قيام الدين بهذين الفريقين، وهم: الأمراء والعلماء، أهل الجهاد وأهل العلم؛ فالنافرون يجاهدون عن القاعدين، والقاعدون يحفظون العلم للناظرين، فإذا رجعوا من نفيرهم استدركوا ما فاتهم من العلم بإخبار مَن سمعه عن طريق الرواية ليس غير[70].   جوابه: يجاب عنه: بأن ما ذكرتموه قول في تفسير الآية، والقول الثاني: هو أن المعنى: فهلَّا نفَر من كل فرقة طائفة تتفقَّه وتُنذر القاعدة، فيكون المعنى في طلب العلم، وبهذا قال الشافعي وجماعة من المفسرين[71].   الوجه الثالث: أن الإنذار إنما يقوم بالحجة، فمن لم تقم عليه الحجة لم يكُنْ قد أُنذر، كما أن النذير من أقام الحجة، فمن لم يأتِ بحجة فليس بنذير[72].   جوابه: يجاب: بأنه استدلال بموضوع النزاع، فأنتم تقولون بلزوم بيان الحجة، وقولنا بخلاف ذلك؛ فإنه وإن كان المراد بالنِّذارة ما ذكرتم، فإنه لا يلزم ذلك عندنا.


[1] نقل الإجماعَ على أنها ليست من محل الخلاف أبو الحسين البصري، وأبو الخطاب، وابن عقيل، وابن تيمية، ولكن نقل جماعة من الأصوليين، ومنهم أبو الحسين البصري عن أبي علي الجبائي، التفريق بين المسائل الاجتهادية، فيجوز فيها التقليد، وبين المسائل غير الاجتهادية فلا يجوز فيها التقليد، وهذا يقتضي الخلاف فيها، وممن صرح بالخلاف أبو الحسين، والآمدي، والصفي الهندي، وغيرهم؛ ولذلك تعقب البعليُّ ابنَ تيمية حينما حكى عنه عدم جواز الاجتهاد في غير المسائل الاجتهادية، فقال: "هذا مناقض لما حكيناه عنه صريحًا أن له التقليد في الفروع فيما يسوغ فيه الاجتهاد، وما لا يسوغ"، ويحمل أن يكون في المسألة تفصيل: فالمسائل القطعية المعلومة من الدين بالضرورة كالصلوات الخمس وبقية أركان الإسلام ونحو ذلك لا يجوز فيها التقليد، بينما المسائل القطعية الأخرى يجوز فيها التقليد، على أن هذا يقدح فيه أن بعض الأصوليين صرح بأن قول الجبائي يندرج فيه الصلوات الخمس وبقية أركان الإسلام؛ انظر للمسألة: شرح العمد (2/ 306) المعتمد (2/ 941) العدة (4/ 1225) رسالة في أصول الفقه (129) اللمع (125 - 126) الفقيه والمتفقه (2/ 132) قواطع الأدلة (2/ 363) التمهيد (4/ 398) المحصول (6/ 73) روضة الناظر (2/ 389) نهاية الوصول لابن الساعاتي (2/ 691) نهاية الوصول (8/ 3893) شرح مختصر الروضة (3/ 656) المسودة (458 - 461) الإبهاج (3/ 269) تقريب الوصول (445) شرح الكوكب المنير (4/ 538). [2] الاعتصام (1/ 503). [3] الموافقات (1/ 89). [4] الموافقات (5/ 280). [5] الموافقات (5/ 406). [6] انظر: الموافقات (5/ 265، 273). [7] الموافقات (5/ 273) وانظر منه: (275، 299). [8] الموافقات (5/ 273). [9] انظر: الموافقات (5/ 255). [10] الموافقات (5/ 283 وانظر منه: (285، 372). [11] الموافقات (5/ 337). [12] الموافقات (5/ 333). [13] المعيار المعرب (11/ 103) فتاوى الإمام الشاطبي (119). [14] المعيار المعرب (9/ 228) فتاوى الإمام الشاطبي (176). [15] انظر: الأسرار في الأصول والفروع (2/ 881 - 882) كتاب في أصول الفقه للآمشي (200) نهاية الوصول لابن الساعاتي (2/ 691) ميزان الأصول (2/ 950) كشف الأسرار على المنار (2/ 173) التحرير مع التقرير والتحبير (3/ 344) تيسير التحرير (4/ 246) فواتح الرحموت (2/ 402). [16] انظر: إحكام الفصول (2/ 727، 733) الضروري (143) مختصر المنتهى مع بيان المختصر (3/ 357) نفائس الأصول (9/ 3941) تنقيح الفصول مع شرحه (430). [17] انظر: الحاوي (1/ 32) اللمع (125 - 126) التلخيص (3/ 461 - 462) الفقيه والمتفقه (2/ 176، 132 - 133) قواطع الأدلة (2/ 363) المستصفى (2/ 389) الوصول (2/ 358) المحصول (6/ 73) الإحكام (4/ 228) تنقيح المحصول (3/ 746) شرح المعالم (4/ 1589) قواعد الأحكام (2/ 136) نهاية الوصول (8/ 3893) شرح العضد (2/ 306) نهاية السول (4/ 586) جمع الجوامع مع شرح المحلي وحاشية البناني (2/ 606) العقد الفريد (لوحة 2/ أ) غاية الوصول (150). [18] انظر: رسالة في أصول الفقه (130) العدة (4/ 1225) التمهيد (4/ 399) الواضح في أصول الفقه (ت: التركي 5/ 459) روضة الناظر (2/ 389) صفة الفتوى (53) شرح مختصر الروضة (3/ 652) المسودة (458، 462) مجموع الفتاوى (19/ 262، 20/ 204) شرح الكوكب المنير (4/ 539). [19] انظر: المعتمد (2/ 934) شرح العمد (2/ 305). [20] انظر: البحر المحيط (6/ 280) ولمالك انظر: المقدمة لابن القصار (21) تنقيح الفصول مع شرحه (430) ولأحمد انظر: المسودة (458). [21] انظر: إحكام الفصول (2/ 727). [22] انظر: التمهيد (4/ 399). [23] انظر: المعتمد (2/ 934) ولجمهور الفقهاء في شرح العمد (2/ 305). [24] انظر: تنقيح الفصول (430). [25] انظر: الإحكام (4/ 228). [26] المقدمة لابن القصار (22). [27] جامع بيان العلم وفضله (2/ 115). [28] روضة الناظر (2/ 389) وبمثله قال الطوفي؛ انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 652). [29] انظر: الإحكام (4/ 228) المعتمد (2/ 934) التمهيد (4/ 399) المحصول (6/ 73) نهاية الوصول (8/ 3893) الإبهاج (3/ 269) المسودة (459) الوصول (2/ 358) تنقيح الفصول مع شرحه (430) وذكر عن بعض المعتزلة دون تعيين في قواطع الأدلة (2/ 363) التلخيص (3/ 463) البحر المحيط (6/ 280) شرح المعالم (4/ 1654). [30] انظر: الإبهاج (3/ 269) البحر المحيط (6/ 284). [31] انظر: الإحكام له (2/ 233) النبذ في أصول الفقه (114، 117). [32] انظر: رسالة في أصول الفقه لابن عربي (31). [33] انظر: إرشاد الفحول (446) القول المفيد (39 وما بعدها). [34] انظر: إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد (73). [35] انظر: حصول المأمول (137) الدين الخالص (4/ 152 وما بعدها). [36] حكاه عنه بعض الأصوليين؛ انظر: أصول ابن مفلح (ط: العبيكان 4/ 1539) والبحر المحيط (6/ 284) شرح الكوكب المنير (4/ 538) وذكر عنه كقول الجمهور، كما في أصول ابن مفلح وشرح الكوكب المنير. [37] انظر: المستصفى (2/ 389) روضة الناظر (2/ 389) شرح مختصر الروضة (3/ 652). [38] انظر: إحكام الفصول (2/ 278). [39] انظر: الإحكام له (2/ 321). [40] إرشاد الفحول (446 - 447) وانظر: القول المفيد (54)، وفي القول المفيد (50) حكاه عن ابن دقيق، وأنه طلب ورقة في مرض موته فكتب فيها، وجعلها تحت فراشه، فلما مات أخرجوها، فإذا هي في تحريم التقليد مطلقًا. [41] انظر: الحاوي (16/ 52). [42] انظر: المقدمة (7 وما بعدها). [43] تنقيح الفصول مع شرحه (430). [44] المستصفى (2/ 387). [45] انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/ 109). [46] انظر: الرد على من أخلد إلى الأرض (42 وما بعدها). [47] انظر: إعلام الموقعين (2/ 129). [48] النبذ (114). [49] الإحكام له (2/ 280). [50] الإحكام له (2/ 285). [51] الوَليجة: أصلها من ولج بمعنى دخل، والوليجة: الدخيلة، والبطانة، وهي خاصتك من الرجال، أو من تتخذه معتمدًا عليه من غير أهلك؛ انظر: المصباح المنير (2/ 671) القاموس المحيط (267) مادة: "ولج". [52] الإحكام له (2/ 285). [53] النبذ (117). [54] الإحكام له (2/ 321). [55] الاعتصام (2/ 502). [56] الاعتصام (2/ 503). [57] مجموع الفتاوى (19/ 262). [58] انظر: الموافقات (5/ 377) وانظر: الحاوي (1/ 32) التبصرة (414) اللمع (126) المقدمة لابن القصار (21) الفقيه والمتفقه (2/ 133) جامع بيان العلم وفضله (2/ 115) رسالة في أصول الفقه (130) العدة (4/ 1225) روضة الناظر (2/ 389) الإحكام (4/ 228) شرح المعالم (4/ 1590) نهاية الوصول لابن الساعاتي (2/ 691) مختصر المنتهى مع بيان المختصر (3/ 357) صفة الفتوى (53) نهاية الوصول (8/ 3893) شرح مختصر الروضة (3/ 654) البحر المحيط (6/ 282). [59] انظر: الإحكام لابن حزم (2/ 281) النبذ في أصول الفقه (117) إرشاد الفحول (447) القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد (19). [60] انظر: إعلام الموقعين (2/ 164) الدين الخالص (4/ 331) إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد (94). [61] انظر: نهاية الوصول (8/ 3894). [62] انظر: إرشاد الفحول (447) القول المفيد (18). [63] انظر: الجامع لأحكام القرآن (11/ 272). [64] انظر: النبذ (117). [65] انظر: إشارة النقاد ( 93). [66] انظر: إعلام الموقعين (2/ 130). [67] أشار الشاطبي إلى الاستدلال بالآية؛ انظر: الموافقات (5/ 254) الحاوي (1/ 21) العدة (4/ 1225) صفة الفتوى (53) البحر المحيط (6/ 282). [68] انظر: إعلام الموقعين (2/ 178) الدين الخالص (4/ 355). [69] انظر: مجموع الفتاوى (19/ 262) إعلام الموقعين (2/ 179). [70] انظر: إعلام الموقعين (2/ 178) الدين الخالص (4/ 355). [71] انظر: الرسالة (366) إعلام الموقعين (2/ 178). [72] انظر: إعلام الموقعين (2/ 179) الدين الخالص (4/ 356 - 357).



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن