أرشيف المقالات

شرح حديث القسامة

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2شرح حديث القسامة   عن سهل بن أبي حَثْمَة - رضي الله عنه - قال: انطلق عبد الله بن سهل، ومُحَيَّصَةُ بن مسعود بن زيد إلى خيبر، وهي يومئذ صلح فتفرّقا.
فأتى مُحيّصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتَشَحَّطُ في دمه قتيلاً، فدفنه، ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحُوَيَّصَة ابنا مسعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال: كَبر كَبر، وهو أحدث القوم فسكت.
فتكلما فقال: تحلفون وتستحقون قاتلَكم، أو صاحبَكم.
قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: فَتُبْريْكُم يهود بخمسين.
فقالوا: كيف نأخذ أَيمانَ قومٍ كفار؟ فَعَقَلَه النبي - صلى الله عليه وسلم - من عنده[1].   من فوائد الحديث: 1- قوله: (يتشحّط) أي: يضطرب.
وقوله: (كبر كبر) كرره للمبالغة، أي: قَدّم الأسنّ يتكلّم؛ لأنّه الأولى بالتقدّم في الكلام (فتكلّما) أي: محيصة وحويصة بقضية قتل عبد الله.
وعبد الرحمن هو أخو عبد الله، وأما حويصة ومحيصة فابنا عمه.
2- دفع النبي - صلى الله عليه وسلم - دية الصحابي القتيل من عنده من مال الفيء، قَطْعًا للنزاع[2].
3- قوله: (قاتلكم، أو صاحبكم) بالشك من الراوي[3].
وهو من شدّة التحرّي لديه.

4- حُكْمُ القَسَامَةِ مخالف لسائر الدَّعَاوى من جهة أن اليمين على المُدَّعِي، وأنها خمسون يمينا، واللوث هنا: هو العداوة الظاهرة بين المسلمين واليهود[4].
5- قوله: (تحلفون) بدأ بالمُدّعين في اليمين، فلما نَكَلُوا، ردّها على المُدَّعَى عليهم، فلما لم يرضوا بأَيمانهم عَقَلَهُ - صلى الله عليه وسلم - من عنده؛ لأنه عاقلة المسلمين، وولي أمورهم[5].
6- قوله: (فتبريكم) أي: تبرأ إليكم من دعواكم، أو يُخَلّصُوكم من اليمين بأنْ يَحْلِفُوا، فإنهم إذا حَلَفُوا لم يثبت عليهم شيء، وخَلَصْتم أنتم من اليمين[6].
7- جواز الحكم على الغائب.
8- جواز اليمين بالظن.
9- صحّة يمين الكافر.
[7]
10- فعل - صلى الله عليه وسلم - ذلك على مقتضى كرمه، وحسن سياسته، وجلبا للمصلحة، ودرءا للمفسدة على سبيل التأليف، ولا سيما عند تعذر الوصول إلى استيفاء الحق[8].
11- قوله: (وهي يومئذ صلح) أي: كانت خيبر حينما قتل فيها عبد الله بن سهل - رضي الله عنه - ذات صلح بين أهلها، وهم اليهود، وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمراد أن ذلك وقع بعد فتحها، فإنها لما فتحت، أقرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أهلها على أن يعملوا في المزارع بشطر ما يخرج منها[9].
12- فيه دليل أن أَيْمَان القسامة إنما تكون على العلم والقطع.
فلا يحلفها الحالف إلا بعد التحقق من معاينة، أو خبر، أو صحة دليل إن كان غائبا.
لأن الأيمان في الحقوق كالشهادة عند العلماء، فمرة تكون الشهادة بالمعاينة والمشاهدة، ومرة تكون بالدليل، ويقع عليها بالخبر المتواتر، وقرائن أحوال يقع بهما تحقيق الشهادة، فكذلك هنا.
وليس أحدٌ من أهل العلم يجيز لأحد أن يحلف على ما لم يعلم، أو يشهد بما لم يعلم، ولكنه قد يحلف ويشهد على ما لم ير ويشاهده إذا تحقق علمه بطريق العلم التي يصح وقوعها به، كما يحلف الصبي إذا كبر، والغائب في ميراثه.
وإذا لم يعلم لم يحل له أن يحلف.

13- مراعاة السن والتقديم للأشياخ والكبراء في الكلام، وفي الجماعة في محافل الناس وأمورهم، إذا كانت القضية تخص جميعهم لكونهم أولياءه، وكذلك يجب في التقديم في الأمور والولايات وغيرها مع استواء الأحوال[10].
14- جواز المصالحة مع المشركين بالمال[11].
15- صحة الوكالة، حينما أراد عبد الرحمن أن يتكلم فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم -: (كبر كبر)، وهو أحدث القوم فسكت.
فتكلما، أي: فتكلّم محيصة وحويصة، وذلك لأن الحق لم يكن لهما، وإنما تكلما بطريق الوكالة[12].
16- فيه: من استدل على أن القسامة توجب القصاص بقوله: (تستحقون قاتلكم).

17- قرائن الحال، والمؤشرات تدلّ على أنّ من قتل عبدالله بن سهل - رضي الله عنه -، هم اليهود، حيث وجدوه منفردا عن أصحابه، فأجهزوا عليه سريعا[13].
18- بيان كون الابتداء في القسامة بأولياء المقتول.
19- مشروعية القسامة، وبه يقول جمهور أهل العلم.

20- استدل به على تقديم الأَسَنّ في الأمر المهم، إذا كانت فيه أهلية ذلك، لا ما إذا كان عريا عن ذلك، وعلى ذلك يحمل الأمر بتقديم الأكبر، في حديث الباب، إما لأن ولي الدم، لم يكن متأهلا، فأقام الحاكم قريبه مقامه في الدعوى، وإما لغير ذلك.
21- التأنيس، والتسلية لأولياء المقتول.

22- يؤخذ منه أن مجرد الدعوى، لا توجب إحضار المدعى عليه؛ لأن في إحضاره مشغلة عن أشغاله، وتضييعا لماله، من غير موجب ثابت لذلك، أما لو ظهر ما يقوي الدعوى، من شبهة ظاهرة، فهل يسوغ استحضار الخصم، أولا؟ محل نظر، والراجح أن ذلك يختلف بالقرب والبعد، وشدة الضرر، وخفته.

23- فيه الاكتفاء بخبر الواحد مع إمكان المشافهة.
24- أن اليمين قبل توجيهها من الحاكم، لا أثر لها.

25- في قولهم: لا نرضى بأيمان اليهود، استبعادا لصدقهم، لما عرفوه من إقدامهم على الكذب، وجراءتهم على الأيمان الفاجرة.
26- أن من توجهت عليه اليمين، فَنَكَلَ عنها، لا يُقضى عليه، حتى يرد اليمين على الآخر، وهو المشهور عند الجمهور، وعند أحمد، والحنفية: يقضى عليه، دون رد اليمين.
[14]
27- قوله: (يَتَشَحَّطُ) صورة قويّة، ومعبّرة، وهي صورة ذلك الصحابي وهو يضطرب، ويتحرّك، ويتمرّغ في أَلمِه، ودمائه، يصارع اللحظات الأخيرة من الموت، بشدّة وعنف حتى مات - رضي الله عنه.

28- قوله: (فسكَتَ) الاستجابة الفوريّة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم.
29- غدر اليهود، وخيانتهم.



[1] صحيح البخاري 1/ 213 رقم 3173.صحيح مسلم 3/ 1291 رقم 1669. [2] من 1-2 مستفاد من الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري للكوراني 6/ 146. [3] منحة الباري بشرح صحيح البخاري لزكريا الأنصاري 6/ 284. [4] المرجع السابق 6/ 284-285. [5] اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح للبِرماوي 9/ 251. [6] من 10-11 مستفاد من فتح الباري لابن حجر 6/ 271. [7] من 7-9 مستفاد من اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح للبِرماوي 9/ 253. [8] فتح الباري لابن حجر 12/ 235. [9] ذخيرة العقبى في شرح المجتبى لمحمد بن علي بن آدم الإتيوبي 35/ 387. [10] من 12-13 مستفاد من إكمال المُعْلِم بفوائد مسلم للقاضي عِياض 5/ 455. [11] عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني 15/ 95. [12] المرجع السابق 15/ 96. [13] من 16-17 مستفاد من عمدة القاري للعيني 15/ 96-97. [14] من 18-26 مستفاد من ذخيرة العقبى في شرح المجتبى لمحمد بن علي بن آدم الإتيوبي 35/ 373-374.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢