أرشيف المقالات

استعمال من و ما في القرآن - فاضل بن صالح السامرائي

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
ما الفرق بين استعمال من وما في قوله تعالى " ...
{يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ...
[النور 41] ..
وقوله تعالى " {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} ...
[ الجمعة 1 التغابن 1 ] ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
- الفرق بين الآيات أنه في آية النور جاء التعبير بـ"من" وفي آية الجمعة وآية التغابن جاء التعبير بـ"ما" ومن في الغالب تكون للعاقل، وفي ذلك من رقيِّ الأسلوب ما يدهش العقول حيث إن باب التغليب في اللغة باب واسع فتارة يغلب العاقل على غير العاقل، وتارة يغلب المذكر على المؤنث، وتارة يغلب المتكلم على المخاطب، وفي هذا من التنويع والتشويق مع عدم التكرار ما يبين إعجاز القرآن، وحيث عبر بـ"ما" فلأنها تتناول الأجناس كلها تناولاً عاماً بأصل الوضع، والإتيان بـ"ما" هو من باب تغليب الأكثر على الأقل.
- (من) تستعمل لذوات العقلاء وأولي العلم فقط أما (ما) فتستعمل لصفات العقلاء ( {ونفس وما سوّاها} ، {فانكحوا ما طاب لكم من النساء } ) ( {وما خلق الذكر والأنثى} ) والله هو الخالق، (ونفس وما سوّاها) والله هو المسوي، وذوات غير العاقل (أشرب من ما تشرب) وهي أعمّ وأشمل.
- نلاحظ في القرآن أنه تعالى عندما يستعمل (من) يعطف عليها ما لا يعقل كما في قوله تعالى في سورة الحج ( {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} .
أما عندما يستعمل (ما) فإنه يعطف عليها ما يعقل كما في قوله تعالى في سورة الحشر  {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)}  وسورة الجمعة (1) وسورة التغابن (1) وسورة الحديد (1) والحكمة البيانية من ذلك جمع كل شيء.
-كل الآيات بلا استثناء إذا كرر (ما) يعقب الآية بالكلام على أهل الأرض في كل القرآن في آيات التسبيح كلها، ولذلك لاحظ في سورة الحشرأولها قال ( {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ) كرر (ما) وفي نهاية السورة ( {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْاسماء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ) لم يكرر (ما) لأنه لم يأت بعدها كلام على أهل الأرض وانتهت السورة.
لذلك نقول القرآن تعبير فني مقصود كل كلمة، كل تعبير، كل ذكر، كل حذف قُصِد قصداً ولم يأت هكذا.
- في اللغة تستعمل (ما) لذوات غير العاقل ولصفات العقلاء (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ (29) طه) ماذا في يمينه؟ عصاه، (تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) لذات غير العاقل
- ولصفات العقلاء.
تقول من هذا؟ هذا فلان، تسأل ما هو؟ تسأل عن صفته فيقال مثلاً هو تاجر، (من هو؟) تسأل عن ذاته.
- (ما) هي تستعمل لأمرين: لذات غير العاقل ولصفات العقلاء (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء (3) النساء) عاقل وربنا سبحانه وتعالى يستخدمها لنفسه كما جاء في سورة الشمس (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)) يتكلم عن نفسه سبحانه.
- (ما) تقع على صفات لذوي العلم وذوات غير العاقل.
في سورة الليل قال تعالى ( {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (3)} ) من الخالق؟ الله سبحانه وتعالى، في سورة الكافرون ( {وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)} ) ما أعبد هو الله تعالى، {(وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4)} ) الأصنام غير عاقلة
- (من) إذا إنفردت تكون لذوات العقلاء تحديداً، قد تستعمل في مواطن تخرج عن هذا الأمر مثلاً أنت تُنزِلأ غير العاقل منزلة العاقل، تتكلم مع حصانك يقولون لك: من تُكلِّم؟ تقول: أكلِّم من يفهمني، من يحفظني، هذا تجوّز.
في الأصل أن (من) لذات غير العاقل وأحياناً يشترط العاقل مع غير العاقل فتطلق عليهم (من) فيصير تفصيل ( {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)} [النور] ) من يمشي على بطنه غير العاقل، من يمشي على رجلين الإنسان، اجتمعت في عموم فصّل بـ (من) لها مواطن.
- أما إذا انفردت فلا تكون إلا للعاقل ( {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [(14) الملك] ) لذي العِلم.
(سبّح لله) بصيغة الماضي وفي بعض السور (يسبح) بصيغة المضارع فهل هذا مقصود بذاته؟
- نلاحظ أنه كل سورة تبدأ بـ (سبّح) بالفعل الماصي لا بد أن يجري فيها ذكر للقتال في كل القرآن أي سورة تبدأ بـ (سبّح) فيها ذكر للقتال والمبدوءة بـ (يسبح) ليس فيها ذكر للقتال أبداً.
-حياناً قد يكون الغرض تفصيل أو قد يكون الإيجاز، تبسط وتفصيل في الكلام ومرة يكون إيجاز.
الغرض وما يحتاجه المخاطَب، وماذا يريد المتكلم أن يوصل للمخاطب؟ إذن المتحكم في المقام الأول هو السياق
-لمسات بيانية - د.
فاضل السامرائي

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير