فصول ملخصة في الفلسفة الالمانية
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
4 - تطور احركة الفلسفية في ألماني
للأستاذ خليل هنداوي
الذات تخرج من نفسها وتعود الى نفسها، ولكنها تعود أكثر قوة وغنى، وكل معارضة تلقاها في الخارج لا تزيدها إلا قوة ومضاء. وفي كل جزء من أجزائها تحس أن قوة حيوية جديدة تولدت فيها، ونهاية أربها أن تعلن فوز سلان العقل على المادة والطبيعة، أو كما يقول (فيخت) (اتحاد الذات مع غير الذات) وهذا الاتحاد أو هذا الامتزاج المطلق يجعله فيخت مثله لأعلى، ويراه الفيلسوف (هيجل) حقيقة من حقائق الوجود الذات السامية متمثلة في الله، والذات الآلهية هي الكمال الاعلى.
والذات الانسانية تمثل - مجازياً - ما يمثله الله - خقيقياً - ولكنها يحدها الزمن وينتظرها الزوال.
أما فاعليتها فباقية خالدة لتحقق مثلها الاعلى ولتدنو في الشبه طوراً بعد طور - من الآلة.
والآلة لا حق لنا في تمثيله ولا إثبات وجوده بما هو خارج عن كنهه، لأن تمثيله معناه تحديده وإبرازه على صورتنا الزائلة، وجعله وثناً له شأن الاوثان.
وإثبات وجوده معناه أن نستعين بيقين مستمد من غيره في سبيل اثباته، مع أنه هو مصدر كل يقين وهو الفاعل المطلق موقفه من الدين لم يؤثر شيء من النقد في نفس فيخت كما أثرت فيه تلك الوشاية التي أراد خصومه من ورائها أن يتهموه بالألحاد، وما زال الالحاد سيفاً يشهره العاجزون يهولون به على الأقوياء. قابل (فيخت) هذه التهمة بابتسامة كئيبة، لأنه يعتقد أنه مضمر للدين عاطفة طيبة تشف عنها كتاباته ومقالاته، وإزاء هذه الوشابة أرسل إلى قومه نداء يدفع به عن نفشه هذه التهمو الشنيعة، وهو نداء يطفح حرارة والتهاباً وإيماناً.
قال فيه:) (إن الرجل المتدين هو الذي يشترك في تمثيل سلطة الله على الأرض، ٌائمة نفسه حق القيام بما يجب عليها من قواعد الأخلاق.
يستيل علي أن اتخذ لي هدفاُ وغابة هذه الحياة التب يتبرم الناس بهمومها وأفراحها.
وإنما يجب على أن يكون لي غرض مباين لهذه الأغراض.
إن الاشياء تقاسمنا - بحسب أهوائنا - أمانينا وميولنا، فهي تئن إذا أرغمها على الزهو مرغم وهي ترجو الانعتاق إذا أمسك الحرية عليها مسك، وهذا الأمل المتوقد في ما هو أسمى وأرفع وفي ما هو أبقى وأخلد، وهذه السآمة من الأشياء الزائلة الفانية، كل هذه هي عواطف لاصقة بقلب الانسان! ووراء ذلك صوت لا يمكن لبشر أن يخنقه إذا علا وارتفع في صدر الانسان، يوحي عليه أن هنالك واجباً فرض عليه أن يقوم به لأنه هو الواجب، والانسان الذي لا مفر له إلا إلى نفسه يسمع ذلك الوصت ويردد معه (ليمنعني ما يمنع! فانني لقائم بواجبي حتى لايكون هنالك لائم) وهذا الحل الذي وجده هو الذي يجعله محتملاً لهبة الحياة إذا استلمها، ولا نتزاعها منه إذا فقدها، يقول بنفسه.
. أريد أن أنجز أيامي لأن الواجب يدعوني إلى ذلك.
أريد أن اتمم ما تطلب الحياة مني وما تفرضه علي.
إن الحياة مقدسة عندي! وما قدسها إلا حب الواجب.) ويرى فيخت وجوب توحيد الاخلاق والدين لأن غايتهما واحدة ووجهتهما واحدة.
فالدين بغير أخلاق ما هو إلا مظهر خارجي يغذي العقل بالأوهام والأساطير دون أن يرقي به إلى ناحية من نواحي الكمال.
والأخلاق بغير الدين تتركنا نجتنب الشقاء خشية عاقبته، دون أن نغرس في نفوسنا حب الخير لنفيه.
ألا ليكن دستورك الشريف في حياتك أن تريد ما يجب، وأن تظهر إرادتك من أدران هذا العالم، وتنقذ وجودك منها ليتسنى لك العروج الى عالم هو أسمى من عالمنا الحاضر، , ان تصرف نفسك عن هذه الحياة الى الحياة الهادئة السعيدة ويقول أيضاً: (إن مزية الرجل المتدين الحقيقي في مذهبي هي أن تكون له رغية واحدة تحدوه، وفكرة واحدة تسوقه، صلاته هذه الآية: (ليأت ملكوتك) وفي غير ذلك لايتسع صدر لشيء، ولا تسمى قدماه إلا في سبيل واحد يدينه من غايته ولايطيع في كل ما يأتيه من عمل إلا صوت ضميره على أن روح فيخت الدينية بدأت تبدو كثيراً في كتاباته الاخيرة التي أراد بها توضيح مذهبه.
ففي كتابه (الموجز) نرى نزعته الفكرية التي تؤمن بأن الله قد أناب منباه (الذات المطلقة) على الأرض، وأن نهاية هذه (الفاعلية) الانسانية تفنى في وحدة تمزجها مع الالوهية.
وفب كتابه (غاية الانسان) يعلن فيخت بأن حقيقة العالم الخارجي بعيدة عن الوضوح والبيان، ولكن في الامكان تعليلها بطريقة من طرق الايمان، أليس هو شعورنا الذي يحفزنا الى معرفة (حقائق الأشياء الخارجة عنا) وهي كائنات لها وظيفتها في الوجود كما لنا وظيفتنا، وأرانا مضطرين الى اسعافها في اكمال وظيفتها وفي كتابه (معرفة الحياة السعيدة) يبحث مسألة الاتحاد مع واجب الوجود، وقد يكون في استطاعتنا القول أن هذا الاتحاد قد يكون اتحاداً صوفياً (يمثل فناء المحب في المحبوب) لو لم ينبهنا فيخت الى أن هذا الاتحاد ليس باتحاد فارغ - كما نتمثله - وإنما هو اتحاد ملائم لجبلة الله.
وإنما الرجل المتدين عنده هو الذي يؤمن ويضع رجاءه - لا في الله - لانه يحمل الله في قلبه، ولكن في الانسانية التي يجاهد في سبيل إسعادها وكمالها قيمته الفلسفية أجمع النقاد على أن فلسفة فيخت ليس لها ذلك الألتئام والاتحاد اللذان تمتاز بهما فلسفة (انت)، وإنما هي قوة منبعثة يجهل بواعثها فيخت نفسه.
قد لا تتفق وجوهها إلا بجملة امتيازات خاصة لو تأملها متأمل عن كثب لرأى ركاكتها ولمس ضعفها، فالذات في نظره هي الفاعل المطلق، ولكن يف يسند إليها هذا الأطلاق وهي ليست بالمطلقة، وكيف تكون مطلقة وحولها ذوات ثيرة مثلها، كل ذات منها مطلقة في نفسها؟ إن قيمة فلسفة فيخت لا تتمثل حقيقة فيما اتسفت وابتدعت - في عوالم النفس - فهي لم تكتشف شيئاً، ولم تكشف عن شيء في المسائل العلمية، ولكن هذه الفلسفة ستبقى مطبوعة بصفة لاتبلي، هي سر كل بقائها وعظمتها قد يأتي يوم يفقد فيه (كانت) كل مناصر، ولكنه لن يفقد بعض آراء مثمرة جديدة لها خطرها فيما أبدعت، (وفيخت) لن يفقد بعص صفحاته النقية وبعض آرائه السامية.
وهب أنه فقدها، فهو لن يفقد ذلك المثل الأعلى الذي هام في طلبه طيلة حياته، وكان أبلغ واسمى ما تجلى به مذهبه أن الأنسان الأخلاقي - في فيخت - يغلب على الأنسان الفيلسوف! والأنسان الأخلاقي - في فيخت - يغلب عليه وسمو عليه النسان وحده.
(يتلي) خليل هنداوي