لهذا جاء رمضان !
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
الحمد الله الذي بلغنا شهر رمضان شهر الطاعات، وخصنا بشهر العبادات، وشهر القربات. وشرف أوقاته على سائر الأوقات، وأجزل لنا فيه المثوبة ورفعة الدرجات، ووعد من صامه إيمانا واحتسابا بمغفرة الذنوب ومحو السيئات.
ها قد جاء رمضان
ها قد جاء رمضان..
شهر الصيام ، شهر القيام ، شهر القرآن ، شهر الغفران.
ها قد جاء رمضان..
موسم التجارة الرابحة، والفرصة السانحة.
ها قد جاء مضان..
عظيم الهبات، كريم النفحات، يتنزل فيه العطاء، ويتحقق فيه الرجاء، ويرفع فيه الدعاء ، وتفتح فيه أبواب السماء.
ها قد جاء مضان..
أيام غراء وليالي زهراء، خلدها القرآن وباركها الرحمن.
ها قد جاء مضان..
ليرد النفوس الشاردة إلى حظيرة الإيمان ، والنفوس الجائعة إلى مائدة الرحمن، والقلوب الظامئة إلى ورد القرآن.
ها قد جاء رمضان..
ليغرس في النفوس الرحمة، وفي الصدور الخشية، وفي القلوب التقوى .
ها قد جاء مضان..
ليربينا على الصبر والتحمل وقوة الإرادة والعزيمة، ويعلمنا الجود والكرم والبذل والعطاء.
أمة الإيمان
نعم أيها الإخوة..
لقد جاء رمضان
جاء رمضان ليذكرنا بأننا أمة الإيمان..
أمة الإسلام..
أمة محمد عليه الصلاة والسلام.
الأمة التي اصطفاها الله لتكون خاتمة الأمم، وشرفها لتحمل للعالم رسالة السلام والإسلام.
الأمة التي اختارها الله لتخرج الناس من الظلمات إلى النور..
من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحيد ، ومن ظلمات الجهل إلى أنوار العلم ، ومن ظلمات التخلف السقوط والتردي إلى أنوار التقدم والرقي والرفعة.
الأمة التي ابتعثها الله لتخرج العباد من عباد ة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
الأمة التي أراد الله لها ومنها أن تأخذ بيد البشرية وتنقلها من جهالتها لتدلها على طريق الله ورضا الله وسعادة الدنيا والآخرة.
ولا يمكن أن يكون لأمتنا ذلك إلا بالإيمان، فإذا تمسكت به رفعها الله وأحياها الحياة المطمئنة: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55]. {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
فإذا تنكبت طريق الإيمان تردت في الأوحال، واحتقرها أعداؤها وجرعوها كؤوس الذل غصصا، وأرغموها على دفع الجزية عن يد وهي صاغرة.
فتأمل كيف صنع ترك الإيمان، والتخلي عن الإسلام، والبعد عن طريق الرحمن وكيف بلغ بهذه الأمة ما بلغ!!..
فإذا أرادت الأمة أن تعود مرة أخرى فلتستجب لدعاء رمضان لها وندائه عليها: يا أمة الإسلام عودوا إلى إيمانكم عودوا إلى إسلامكم، عودوا إلى ربكم تبارك وتعالى؛ فإن عدتم عدنا..
إن عدتم إلينا رفعناكم، وإذا كنتم معنا نصرناكم.. { {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:51]، {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ} [محمد:11].
أمة القرآن
جاء رمضان ليذكرنا بأننا أمة القرآن: كتاب الله الكريم، وكلامه العظيم، ودستوره القويم.
الكتاب الذي لا ريب فيه هدى للمتقين، الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
القرآن الذي أنقذنا الله به من الجاهلية الجهلاء والضلالة العمياء.
القرآن الذي جعله الله سببا لرفعتنا وعزتنا ومجدنا..
{لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون}..
فيه ذكركم: أي مجدكم وعزكم.
{إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء:9].
يهدي للتي هي أقوم في العقائد، التي هي أقوم في العبادات، التي هي أقوم في الأخلاق ، التي هي أقوم في المعاملات...
التي هي أقوم في كل شيء.
إنه القرآن العظيم الذي جعله الله هاديا من الظلال، ومخرجا من الفتن كما روي في حديث علي قال: [سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ألا إنها ستكون فتنة» فقلت ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به، من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم» (رواه الترمذي والدارمي والبزار).
هذا القرآن الذي نسيناه لمدة عام بل أعوام، القرآن الذي فارقنا أوامره وتركناه ونحيناه جانبا وذهبنا نبحث عن السعادة في دساتير الشرق أو الغرب.
هذا الكتاب هو الذي جاء رمضان ليدعونا للعودة إليه، والرجوع إليه، والتمسك به، والعمل بما فيه؛ فإنه من تمسك به لن يضل أبدا كما قال الذي لا ينطق عن الهوى: [تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي].
فإذا أردات هذه الأمة أن يمكن لها في الأرض، وأن يرفعها الله؛ فالسبيل هو القرآن والعودة إلى كتاب الرحمن؛ فإن الله أنزله إلينا ليعمل به، وليكون دستور حياة، لا لمجرد أن يقرأ، ولا لمجرد أن يتبرك به، ولا أن يعلق بالسيارات أو على أبواب البيوت أو صدور الأولاد..
وإنما أنزله ليكون دستورا للعمل إذا أراد الناس الهداية والسعادة في الدنيا والآخرة؛ كما قال أصدق القائلين: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ (126) وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ} [طه].
فاللهم ردنا إلى الإيمان وإلى القرآن، وانفعنا بالصيام والقيام..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.