أرشيف المقالات

كلمة عن محبة الله

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2كلمة عن محبة الله   الحمد لله الذي اصطفى من خلقه عبادًا يحبهم ويحبونه، ويأمرهم فيطيعونه، وينعم عليهم فيشكرونه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد أكمل الخليلين خلة، وأعظم العباد لربهم محبة، وعلى آله وأصحابه، الذين يحبهم الله ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.   اللهم ربنا حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين فضلًا منك ونعمةً، إنك أنت العليم الحكيم.   أما بعد: فإن محبة العبد لله تعالى - وَفْق ما جاءت به الشريعة - من أعظم العبادات القلبية؛ بل هي أصل دين الإسلام، فبكمال الحب يكمل الدين، وبنقصه ينقص، فأعظم الخلق دينًا أكملهم حبًّا لله تعالى مع الإتيان ببقية الشرائع، والخوف من الله تعالى، والتعظيم والذل له.
فهذه المحبة القلبية الإيمانية ينبغي ألا يشارك اللهَ فيها أحدٌ، بل تخلص لله تعالى، فلا يكون محبوبًا لذاته إلا الله تعالى، ولا مساويًا له ولا منازعًا له في تلك المحبة؛ فإنها سر التوحيد وأصله.
والمحبة سبب لرضا الله تعالى وحبه، وسبب مغفرته ودخول جنته، والفوز بفضله وكرمه، وإن الله تعالى إذا أحب العبد حبّبه إلى الملائكة عليهم السلام، وجعل له قبولًا في أرضه وودًا بين صالحي عباده، ووفقه للخير ويسره له، ونبهه على الشر وعصمه منه.
ولقد ذمّ الله تعالى قومًا أشركوا معه في هذه المحبة غيره وتوعدهم بالنار، فقال: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 165 - 167]، فجزاؤهم الحسرة والخلود الأبدي في النار يوم القيامة بسبب شركهم مع الله في هذه المحبة، فهذه هي المحبة الشركية.
وليست المحبة الإيمانية التعبدية الخالصة لله تعالى بالدعوى ولا بالهوى، وإنما هي عمل قلبي تشهد له الأقوال والأعمال والأحوال، ولهذا امتحن الله قومًا ادّعوا محبته، وطلب منهم أن يقيموا البرهان القولي والعملي على دعواهم، فقال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]، فأمرهم أن يقيموا البرهان على المحبة، وهو اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونبههم على فوائد المحبة وهي: حب الله لمحبيه، ومغفرة ذنوبهم، وأن يمن عليهم بواسع فضله.   ومن لازم محبة الله عز وجل محبة أنبيائه ورسله وملائكته وكتبه وجميع شرائعه والصالحين من عباده، وما يحبه من الأقوال والأعمال والأشخاص والأزمان والأماكن ومولاة أوليائه، ومعاداة أعدائه وبغض سائر ما يبغض من الأقوال والأعمال والأحوال والأشخاص والأماكن.   ولما كانت المحبة بهذه المثابة من الأهمية والضرورة، كان لزامًا على العاقل أن يحرص على كمال محبته لربه وأن يتعاطى مكملاتها من جميع الوجوه؛ لأنه كلما عظمت محبته لربه مع قيامه بلوازمها وبعده عن نواقضها ونواقصها عظم حب الله له، وترتبت عليه آثاره، ونال من بركاته وجليل فوائده في العاجلة والآجلة.   وإن لمحبة العباد لربهم علامات ظاهرة وعواقب طيبة، وآثارًا مباركة عاجلة وآجلة، منها: 1- كمال اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما جاء به من الهدى ودين الحق، وبذلك يستكمل العبد حظه من محبة الله تعالى له، ومغفرته لذنوبه، وفضل الله تعالى عليه، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].   2- التحلِّي بالأوصاف التي يحبها الله تعالى، وذلك بدوام فعلها خالصة لله تعالى، وعلى الوجه الذي شرع، حتى تصبح تلك الأوصاف سجايا لا تنفك عن العبد في سائر أحواله، كالإيمان والاستقامة والصبر والجهاد والتقوى والإحسان والشكر وكف الأذى والصفح والعفو عن الناس، فإن الله تعالى يحب المؤمنين والصابرين والمتقين والمحسنين والشاكرين، وقد وعد الله أهل هذه الأوصاف أجورًا عظيمة وعطايا كريمة.   3- كمال محبة العبد لربه استكمال لمحبة الله تعالى له، ومن كملت محبة الله تعالى له، حرمه الله على النار، وجعله من مجاوريه في جنات تجري من تحتها الأنهار، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54، 55].   وجاء في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله".   لهذا كان لزامًا على المسلم العاقل أن يستكمل أسباب زيادة محبته لربه حتى يفوز بمحبة الله تعالى له، وعظيم مثوبته، وواسع فضله وكرامته.   وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله تعالى جملة أسباب جالبة لمحبة الله تعالى: الأول: كثرة قراءة القرآن مع التدبر لمعانيه والفهم للمراد به، فيقرؤه وكأن الله تعالى يخاطبه به، فإنه وصية الله تعالى لعباده ونصيحته لهم، وهداه لهم إلى ما يسعدهم في الدنيا والآخرة.   الثاني: التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض، لما في الحديث القدسي الصحيح أن الله تعالى قال: "ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه".   الثالث: دوام ذكر الله تعالى آناء الليل وآناء النهار، كالتحميد والتكبير والتسبيح والتهليل والاستغفار والدعاء عن حضور قلب وتأمل لما يقول، وأنه بهذا الذكر يعظِّم ربه ويثني عليه بما هو له أهل، فإن من أحب شيئًا أكثر وأحسن ذكره.   الرابع: إيثار ما يحبه الله على ما تحبه نفسه، بحيث يؤثر طاعة الله على هواه، قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41].   الخامس: إحصاء جملة من أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، ومعرفة معانيها وآثارها في الأنفس والآفاق، واعتقاد ثبوتها لله تعالى على الوجه اللائق به، فإنه تعالى لا شريك له ولا سميّ له ولا مثل ولا ندَّ له، والثناء على الله وسؤاله بها واعتقاد أنها كلها بالغة الغاية في الحسن والكمال، وأنها دالة على كمال ذات الله ذي العظمة والجلال، وكمالها من كل وجه وبكل اعتبار وتنزهه سبحانه عن النقص والعيب ومماثلة الخلق.   السادس: ذكر أنواع نعم الله وإحسانه على المرء، فكم أسبغ عليه من نعمه، وكم لطف به عند مصيبة، وكم دفع عنه من نقمة، وكم صرف عنه من بلية.   السابع: اغتنام أوقات غفلة الناس بذكر الله تعالى، وتلاوة كلامه، ودعائه، وصلاة نافلة إن كانت وقت صلاة مثل: آخر ساعة بعد عصر الجمعة، ومثل: آخر الليل قبل طلوع الفجر والضحى.   الثامن: مجالسة أهل الخير والصلاح الذين يتحقق بمجالستهم لين القلب ومعرفة قدر النعم-ة وشكرها، والنشاط في الطاعة، والانكفاف عن المعصية، قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].
التاسع: الإحسان إلى من شرع الله تعالى الإحسان إليه من الخلق بما أمكن من أنواع الإحسان؛ ابتغاء وجه الله تعالى.   فتحبب أخي المسلم إلى ربك متحريًا ما جعله الله تعالى وسيلة لحبه، وسببًا لثوابه وقربه. جعلنا الله وإياك من خاصة أوليائه وأحبابه الفائزين برضوانه وجزيل ثوابه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣