أرشيف المقالات

التورق والتورق المصرفي

مدة قراءة المادة : 36 دقائق .
2التورق والتورق المصرفي
المبحث الأول: التورق المطلب الأول: تعريف التورق التورق في اللغة مأخوذ من الوَرَق، والوَرَقُ يطلق على المال عمومًا[1]، و يقال رجل ورّاق أي كثير المال، والمُسْتَورِق: الذي يطلب الورق[2].   والتورق في الاصطلاح هو: "أن يشتري سلعة نسيئة، ثم يبيعها نقدا لغير البائع بأقل مما اشتراها به؛ ليحصل بذلك على النقد"[3].   ومصطلح التورق خاص بالمذهب الحنبلي[4]، أما المذاهب الفقهية الأخرى فيذكرون صورة التورق أثناء كلامهم عن العينة[5].   المطلب الثاني: حكم التورق اختلف الفقهاء في حكم بيع التورق على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن بيع التورق جائز.
وهو مذهب الحنفية[6]، والمشهور عند المالكية[7]، ومذهب الشافعية[8]، والحنابلة[9].   القول الثاني: أن بيع التورق مكروه.
وهو قول عند الحنفية[10]، وقول عند المالكية[11]، ورواية عند الحنابلة[12]، اختارها ابن تيميه في أحد قوليه[13].   القول الثالث: أن بيع التورق محرم.
وهو رواية عند الحنابلة[14]، اختارها ابن تيمية في أشهر قوليه[15]، واختارها ابن القيم[16].   أدلة القول الأول: الدليل الأول: قول الله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾[17].   وجه الدلالة من الآية: دلت الآية على أن الأصل في البيع الإباحة، إلا ما قام الدليل على منعه، والتورق داخل في عموم البيع، ولم يقم دليل على منعه[18].   نوقش: بأن الأصل في المعاملات الحل، يقابله أن الأصل في الحيل التحريم، وهو أخص من الأصل الأول، والخاص مقدم على العام، ولا نزاع في أن التورق حيلة للحصول على النقد، فهو محرم حتى يثبت الدليل على خلاف ذلك[19].   أجيب: بأن الحيل المحرمة هي الموصلة للمحظور، أما الحيل للفرار من المحظور، والحصول على المباح فليست محرمة، كما في حديث «بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا»[20]، والحصول على النقد لا يعد محظورًا؛ فالنبيصلى الله عليه وسلم أرشد الرجل أن يبيع التمر الرديء ليحصل على الجيد، وكذلك الذي يبيع بالسلم، أو غيرها من البيوع يريد النقد، فالحيلة في التورق ليست محرمة فهي للفرار من المحظور، والحصول على مباح[21].   الدليل الثاني: عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟»، قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَفْعَلْ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» متفق عليه[22].   وجه الدلالة من الحديث: أن الرجل في هذا الحديث يريد بيع التمر الرديء للحصول على الدراهم، وهو لا يريدها إنما يريد الخروج من مبادلة التمر الرديء بالتمر الجيد، وهذا لا يقدح في صحة البيع ما دام أنه باع التمر الرديء على غير الشخص الذي اشترى منه التمر الجيد، فكذلك المتورق يشتري السلعة للحصول على المال، وهو لا يريد السلعة إنما يريد الخروج من مبادلة المال بالمال، وهذا لا يقدح في صحة البيع ما دام أنه باع السلعة لغير بائعها الأول[23].   نوقش: بأن هذا الحديث يستدل به على جميع صور العينة الثنائية، والثلاثية، والتورق، وجمهور المجيزين للتورق لا يجيزون بقية صور العينة، فما كان جوابًا لهم عن هذا الحديث فهو جواب للمانعين منها مطلقًا[24].   أجيب: بأن العينة الثنائية والثلاثية فيها التواطؤ على عود السلعة للبائع، فهي حيلة للتوصل للربا، لذلك هي محرمة، أما التورق فليس فيه شيء من ذلك[25]، وإنما فيه تملك للمبيع تملكًا حقيقيًا، غنمًا وغرمًا، فبين الصورتين فرق واضح.   الدليل الثالث: أن الحاجة ماسة للتعامل بالتورق[26]؛ "لأن المحتاج في الأغلب لا يجد من يساعده في قضاء حاجته بالتبرع ولا بالقرض، فحينئذ تشتد حاجته إلى هذه المعاملة حتى يتخلص مما قد شق عليه في قضاء دين ونحوه "[27].   نوقش: بأن مجرد الحاجة لا يكفي لاستباحة المحرم، ورفع الحرج لا ريب فيه، لكنه يستلزم سد أبواب الربا؛ لأن الربا من أعظم مصادر الحرج، وفي أنواع المبادلات النافعة غنية عن الحرام[28].   أجيب: بأن التورق معاملة جائزة؛ "لأن الرجل يشتري السلعة ويكون غرضه إما عين السلعة وإما عوضها، وكلاهما غرض صحيح"[29]، وهو مخرج شرعي عن التعامل بالربا[30]، ولا يثبت دليل على تحريمه.   الدليل الرابع: قال ابن تيمية:" المشتري الذي غرضه التجارة أو غرضه الانتفاع أو القنية فهذا يجوز شراؤه إلى أجل بالاتفاق"[31] فكما يجوز للتاجر أن يشتري السلعة ليحصل على المال، فكذلك المحتاج يجوز له أن يشتري السلعة ليحصل على المال، بل هو أولى، فالتاجر يريد تكثير ماله، وهذا يريد دفع حاجته.   نوقش: بأن هذا قياس للشيء على ضده، فالتاجر مقصوده الربح، والمتورق مقصوده الخسارة، فالتاجر يبيع ليربح، والمتورق يبيع ليحصل على النقد الحاضر، ولا يمكن حصوله عليه إلا بخسارته، فكيف يقاس هذا على هذا؟[32].   يجاب: بأن بيع المتورق للسلعة لا خسارة فيه فهو يبيعها بثمنها الحاضر، أما الزيادة في السلعة عند البائع الأول فهو في مقابلة الأجل، فثمن السلعة مؤجلة يزيد على ثمنها في الحاضر، كما أنه في السلم يبيع المسلم فيه المؤجل بثمن أقل حاضرًا، فلا ظلم على المتورق، ولا خسارة عليه.   أدلة القول الثاني والثالث: أدلة القائلين بالكراهة، والقائلين بالتحريم، واحدة، فابن تيمية ذكر نفس الأدلة في اختياره لرواية الكراهة[33]، واختياره لرواية التحريم[34].   الدليل الأول: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: « نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلمعَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ» رواه أبو داود وغيره[35]. وجه الدلالة من الحديث: أن النبي رضي الله عنه نهى عن بيع المضطر، والمتورق مضطر لبيع السلعة فيدخل في النهي[36].   نوقش: بأن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة[37]، والذي يشتري السلعة ثم يبيعها بغرض الحصول على النقد، قد لا يكون مضطرًا على كل حال، بل قد يكون غرضه للنقد لأمر حاجي، أو أمر تكميلي، كما هو مشاهد من حال المتعاملين بالتورق، فلا يصح اطراد حكم بيع المضطر على بيع التورق[38].   الدليل الثاني: عن ابن عمر صلى الله عليه وسلم، قال:" سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» رواه أبو داود وغيره[39].   وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن العينة، والتورق شقيقة العينة، وصورة من صورها، وهذا يستلزم ذم التورق شرعًا[40].   نوقش: بأن الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج به[41]، وهناك فرق بين التورق والعينة، من جهة أن المشتري للسلعة غير البائع الأول؛ قال ابن القيم:"فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة وإن باعها من غيره فهي التورق"[42].
ومن جهة أن البيع مقصود في التورق، وقصد المتورق في شراء السلعة قد لا يكون معلومًا عند البائع، بعكس العينة التي تتم بالاتفاق بين البائع والمشتري على عود السلعة للبائع[43]، فهي دراهم بدراهم بينهما سلعة، والبيع غير مقصود.   الدليل الثالث: ما رواه عبدالرزاق في مصنفه عن ابن عباس قال:"إذا استقمت بنقد، وبعت بنقد، فلا بأس به، وإذا استقمت بنقد فبعت بنسيئة، فلا، إنما ذلك ورق بورق"[44].   وجه الدلالة من الأثر: أن كلام ابن عباس يصدق على المتورق فهو يقوم السلعة بنقد ويبتاعها بنسيئة فمقصوده دراهم بدراهم، يقوم السلعة في الحال ثم يشتريها إلى أجل بأكثر من ذلك[45].   يناقش: بأن هذا المعنى غير مراد بهذا الأثر؛ لأن تفسيره على هذا المعنى سيمنع البيع إلى أجل بثمن أكثر، وقد نقل ابن تيمية الإجماع على جوازه[46]، والمعنى المراد من الأثر هو ما قاله أبو عبيد[47]:"أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب فيقومه بثلاثين ثم يقول: بعه بها فما زدت عليها فلك، فإن باعه بأكثر من ثلاثين بالنقد فهو جائز، ويأخذ ما زاد على الثلاثين، وإن باعه بالنسيئة بأكثر مما يبيعه بالنقد فالبيع مردود لا يجوز"[48]، ويؤيد هذا المعنى للأثر الرواية الأخرى له عن ابن عباس رضي الله عنه:"أنه كان لا يرى بأسًا أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب فيقول: بعه بكذا وكذا فما زدت فهو لك"[49].
وقد أورد عبدالرزاق الأثر في مصنفه تحت باب "الرجل يقول: بع هذا بكذا، فما زاد فلك، وكيف إن باعه بدين؟"[50]، وهذا المعنى لا يصدق على التورق.   الدليل الرابع: أن المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود في التورق؛ فإن الله حرم أخذ دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل؛ لما في ذلك من ضرر المحتاج وأكل ماله بالباطل، وهذا المعنى موجود في التورق، وإنما الأعمال بالنيات[51].   نوقش: بأن هذا تعليل بالحكمة، والحكمة لا تنضبط، ولا تدور مع الحكم وجودًا وعدمًا[52]، وقصد المتورق للدراهم لا يوجب تحريم التورق؛ "لأن مقصود التجار غالبًا في المعاملات هو تحصيل نقود أكثر بنقود أقل، والسلع المبيعة هي الواسطة في ذلك، وإنما يمنع مثل هذا العقد إذا كان البيع والشراء من شخص واحد كمسألة العينة، فإن ذلك يتخذ حيلة على الربا"[53]، وما ذكرتم من الضرر على المحتاج بزيادة الثمن عليه الذي كان من البائع الأول، وأنه أكل للمال بالباطل، موجود فيمن اشترى السلعة للتجارة، أو للقنية[54]، ومع ذلك لا تقولون بتحريمها[55]، وهذه الزيادة في الثمن لا ضرر فيها، ولا أكل للمال بالباطل، لأنها بمقابلة الأجل، فثمن السلعة مؤجلة يزيد على ثمنها في الحاضر، كما أنه في السلم يبيع المسلم فيه المؤجل بثمن أقل حاضرًا، والبيع الثاني الذي يتم لغير البائع يكون بسعر السلعة الحاضر، فلا ضرر، ولا ظلم فيه على المتورق.   الترجيح: بعد عرض الأقوال، وأدلتها، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي -والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول القائل أن بيع التورق جائز؛ وذلك لأن الأصل في المعاملات الصحة والجواز، وللمصلحة التي يحققها التورق لجمهور الناس، وأدلة المانعين لا تقوى على المنع كما تبين في مناقشتها.   المبحث الثاني: التورق المصرفي المطلب الأول: تعريف التورق المصرفي سبق تعريف التورق لغة واصطلاحًا، أما التورق المصرفي فقد جاء تعريفه في المجمع الفقهي الإسلامي بأنه:"قيـام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة (ليست من الذهب أو الفضة) من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف – إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة– بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق"[56].   وعرف أيضًا بأنه:"قيام البائع(المصرف) بترتيب عملية التورق للمشتري؛ بحيث يبيع سلعة على المتورق بثمن آجل، ثم ينوب البائع عن المشتري ببيع السلعة نقدًا على طرف آخر"[57].   والتعريفان متقاربان إلا أن التعريف الأول أدق وأضبط؛ لأنه نص على إن العمل الذي يقوم به المصرف في ترتيب بيع السلعة نمطي، وإن السلعة التي يتم بيعها ليست من الذهب أو الفضة.   المطلب الثاني: حكم التورق المصرفي اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم التورق المصرفي على قولين: القول الأول: أن التورق المصرفي محرم.
وهو رأي جمهور المعاصرين[58]. القول الثاني: أن التورق المصرفي جائز.
وهو رأي بعض المعاصرين[59].   أدلة القول الأول: استدل بعض أصحاب هذا القول بالأدلة التي تمنع التورق، وقد سبق بيانها وبيان المناقشات الواردة عليها، واستدل الذين يرون جواز التورق الفردي، وتحريم التورق المصرفي، بأن التورق المصرفي تكتنفه بعض المحاذير الشرعية التي تجعله ممنوعًا، وهي: 1- أن التنظيم في عملية التورق بتوسط المصرف في أن يبيع السلعة وكالة عن المشتري، يؤول إلى ربح مالم يضمن، فليس هناك تملك حقيقي للسلعة ولا قبض حقيقي؛ لأنه ليس للبائع والمشتري غرض في قبض السلعة أو تملكها؛ فهم لا يقومون بتمييزها أو تقييمها، والصورية ظاهرة فيها، والاحتيال، والمخالفة في البيع[60].   2- "أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر، أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعاً، سواء أكان الالتزام مشروطاً صراحة أم بحكم العرف والعادة المتبعة"[61].   3- أن المعاملة يكتنفها الكثير من الغموض في الجانب المتعلق بالسوق الدولية على نحو لا تكتشفه حتى الهيئات الشرعية في البنك[62].   4- أن واقع هذه المعاملة حيلة للتوصل للربا تقوم على منح تمويل نقدي بزيادة للعميل فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه، والتي هي صورية في معظم أحوالها[63].   أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني بالأدلة التي تدل على جواز التورق الفردي، وقد سبق بيانها، وأضافوا على ذلك: الدليل الأول: أن التورق المصرفي معاملة مستحدثة، والأصل في المعاملات الإباحة إلا ما دل الدليل على منعه، وتحقق الغرض المنشود من التورق الفردي بتكلفة أقل، ودون مشقة أو عناء، والشريعة جاءت لتحصيل المصالح[64]. يناقش: بأن المفاسد في التورق المصرفي أكثر من المصالح التي يحققها، فهو من قبيل المصلحة الملغاة، وقد دلت أدلة القول الأول على منعه.   الدليل الثاني: أنه لا فرق بين التورق الفردي، والتورق المصرفي[65]. نوقش: بالفرق بين التورق الذي تكلم عنه الفقهاء المتقدمون، والتورق المصرفي؛ جاء في قرار المجمع الفقهي بشأن موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر:"وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء...فالتورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل تدخل في ملك المشتري ويقبضها قبضاً حقيقياً وتقع في ضمانه، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حال لحاجته إليه، قد يتمكن من الحصول عليه وقد لا يتمكن، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تسويغ الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف"[66].   الترجيح: بعد عرض القولين، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن الراجح أن التورق المصرفي محرم؛ وذلك للمحاذير التي ذكرها أصحاب القول الأول، ومتى تم الابتعاد عن هذه المحاذير الشرعية، وضبط التورق المصرفي بالضوابط الشرعية، فلا مانع من القول بجوازه، بأن تكون تلك السلع مملوكة للشركة، ومتعينة لها بموجب الوثائق المعينة لها قبل بيعها للعميل، وألا يكون العميل الذي تبيع عليه الشركة السلعة آجلًا، هو الذي باع السلعة بصفته مالكًا لها أو لأكثرها؛ لئلا يكون ذلك من بيع العينة، وألا يكون هناك مواطأة أو حيلة على التمويل بالفائدة الربوية[67].
وهذا يحتاج لوجود هيئة شرعية مع جهاز رقابة يزود الهيئة بتقارير دورية عن مدى التزام المصرف بالضوابط الشرعية، والبعد عن المحاذير الشرعية[68].


[1] انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 6/ 101. [2] انظر: لسان العرب، لابن منظور 10/ 375، مختار الصحاح، للرازي، ص336. [3] الموسوعة الفقهية الكويتية 14/ 147، معجم المصطلحات المالية والاقتصادية، لنزيه حماد، ص153. [4] انظر: الفروع، لابن مفلح 6/ 316، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 26. [5] انظر: فتح القدير، لابن الهمام 7/ 211، مواهب الجليل، للحطاب 4/ 404، الأم، للشافعي 3/ 79. [6] انظر: فتح القدير، لابن الهمام 7/ 213، حاشية ابن عابدين 5/ 326. [7] انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد 2/ 42، مواهب الجليل، للحطاب 4/ 404. [8] انظر: الأم، للشافعي 3/ 79، روضة الطالبين، للنووي 3/ 418.
الشافعية يرون جواز بيع العينة، والتورق من باب أولى. [9] انظر: الإنصاف، للمرداوي 4/ 337، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 26. [10] انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 163، حاشية ابن عابدين 5/ 325. [11] انظر: مواهب الجليل، للحطاب 4/ 404.
إذا لم يكن من أهل العينة فالمشهور عند المالكية جواز التورق، وعندهم قول بالكراهة قال الحطاب: "والمشهور أنه جائز وقول ابن مزين: إنه مكروه ولم يحك ابن رشد في جوازه خلافا"، أما إن كان من أهل العينة فالمذهب الكراهة؛ لأن أهل العينة يتهمون فيما لا يتهم فيه أهل الصحة، قال ابن رشد:"وذلك جائز لغير أهل العينة".
انظر: مواهب الجليل، للحطاب 4/ 404، شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 106، الشرح الكبير، للدردير 3/ 89. [12] انظر: الفروع، لابن مفلح 6/ 316، الإنصاف، للمرداوي 4/ 337 [13] انظر: مجموع الفتاوى 29/ 303، 431،442، 447.
قال ابن تيمية: "وقد اختلف العلماء في كراهته فكرهه عمر بن عبد العزيز وطائفة من أهل المدينة: من المالكية وغيرهم.
وهو إحدى الروايتين عن أحمد ورخص فيه آخرون والأقوى كراهته" مجموع الفتاوى 29/ 302. [14] انظر: الإنصاف، للمرداوي 4/ 337، المستدرك على مجموع الفتاوى، لابن تيمية 4/ 9. [15] انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 5/ 392، الاختيارات الفقهية، للبعلي، ص190، إعلام الموقعين لابن القيم 3/ 135، الفروع، لابن مفلح 6/ 316. [16] انظر: إعلام الموقعين لابن القيم 3/ 135، 157. [17] سورة البقرة، الآية 275. [18] انظر: مجموع فتاوى ابن باز 19/ 96. [19] انظر: قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، لسامي السويلم، ص377. [20] رواه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، برقم2201، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلا بمثل، برقم1592. [21] انظر: حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية، للمنيع، منشور ضمن أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19-24 شوال 1424ه، 2/ 348-349. [22] سبق تخريجه. [23] انظر: المعاملات المالية، للدبيان 11/ 463-464. [24] انظر: قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، لسامي السويلم، ص370. [25] انظر: حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية، للمنيع، منشور ضمن أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19-24 شوال 1424ه، 2/ 349. [26] انظر: أبحاث هيئة كبار العلماء 4/ 359. [27] مجموع فتاوى ابن باز 19/ 99. [28] انظر: قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، لسامي السويلم، ص377-378. [29] المداينة، لابن عثيمين، ص7. [30] انظر: التورق كما تجريه المصارف، لمحمد القري، منشور ضمن أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19-24 شوال 1424هـ، 2/ 642. [31] مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 30. [32] انظر: قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، لسامي السويلم، ص375-376. [33] انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 45-50. [34] انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 303، 431، 442، 447. [35] كتاب البيوع، باب في بيع المضطر، برقم 3382، أحمد، مسند علي بن أبي طالبرضي الله عنه، برقم 937.
والحديث ضعيف، في سنده صالح بن عامر، قال عنه الذهبي: "نكرة، بل لا وجود له"، وفي السند شيخ من بني تميم مجهول، قال الخطابي:"في إسناده رجل مجهول لا ندري من هو".انظر: ميزان الاعتدال، للذهبي 2/ 295، معالم السنن، للخطابي 3/ 75. [36] انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 50، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 135. [37] انظر تخريج الحديث. [38] انظر: بيع التقسيط وأحكامه، لسليمان التركي، ص71. [39] رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في النهي عن العينة، برقم 3462، وأحمد، مسند عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، برقم 4825.
وللحديث ثلاثة طرق كلها ضعيفة؛ الطريق الأول: عند أبي داود من رواية إسحاق أبي عبدالرحمن عن عطاء الخرساني، عن نافع عن ابن عمر، وعطاء الخرساني لم يسمع من ابن عمر كما ذكر ذلك ابن معين، وأحمد، وأبو حاتم.
وإسحاق ابو عبدالرحمن ضعيف؛ قال أبو حاتم: "شيخ ليس بالمشهور لا يشتغل به"، وعد الذهبي في الميزان هذا الحديث من مناكيره.
الطريق الثاني: عند أحمد من رواية الأعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر، وعطاء بن أبي رباح لم يسمع من ابن عمر كما ذكر ذلك الإمام أحمد، والأعمش مدلس ولم يصرح بالسماع من عطاء، ويرى ابن حجر في التلخيص، أن عطاءً هنا هو عطاء الخراساني فرجع الحديث إلى الإسناد الأول.
الطريق الثالث: عند أحمد من رواية أبي جناب عن شهر بن حوشب عن ابن عمر، وأبو جناب وشهر بن حوشب ضعيفان.انظر: المراسيل، لابن أبي حاتم، ص154، 156، تهذيب الكمال، للمزي 2/ 413، 12/ 583، ميزان الاعتدال، للذهبي 4/ 547، 4/ 371، تقريب التهذيب، لابن حجر، ص392، التلخيص الحبير، لابن حجر 3/ 48. [40] انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 157، قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، لسامي السويلم، ص341. [41] انظر تخريج الحديث. [42] تهذيب السنن، لابن القيم بحاشية عون المعبود، للأبادي 9/ 250. [43] انظر: التورق الفقهي وتطبيقاته المعاصرة، لعثمان شبير، ص10. [44] كتاب البيوع، باب: الرجل يقول: بع هذا بكذا، فما زاد فلك، وكيف إن باعه بدين؟، برقم 15028.
وهو صحيح فقد رواه عبدالرزاق عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباسرضي الله عنه، وكلهم أئمة ثقات. [45] انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 442. [46] المرجع السابق 29/ 449.
وفيه:"وسئل - رحمه الله -:عن رجل محتاج إلى تاجر عنده قماش فقال: أعطني هذه القطعة فقال التاجر مشتراها بثلاثين وما أبيعها إلا بخمسين إلى أجل فهل يجوز ذلك؟ أم لا؟ فأجاب: المشتري على ثلاثة أنواع: أحدها: أن يكون مقصوده السلعة ينتفع بها للأكل والشرب واللبس والركوب وغير ذلك.
والثاني: أن يكون مقصوده التجارة فيها فهذان نوعان جائزان بالكتاب والسنة والإجماع". [47] هو أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي، ولد سنة 157هـ، كان إماما في اللغة والفقه والحديث والقراءات، قال إسحاق بن راهويه:"أبو عبيد أوسعنا علما، وأكثرنا أدبا، وأجمعنا جمعا"، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: "كتب أبي كتاب "غريب الحديث "الذي ألفه أبو عبيد أولا"، ولي أبو عبيد قضاء طرسوس، ومن تصانيفه: "الأموال"، و"غريب الحديث"، توفي سنة 224هـ.
انظر: تهذيب الكمال، للمزي 23/ 354.
سير أعلام النبلاء، للذهبي 10/ 490. [48] غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام 4/ 232.
وانظر: الفائق في غريب الحديث، للزمخشري 3/ 235، النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير 4/ 125. [49] غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام 4/ 232، ورواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الإجارة، باب لا تجوز الإجارة حتى تكون معلومة، وتكون الأجرة معلومة، برقم11656. [50] مصنف عبدالرزاق 8/ 234. [51] انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 434، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 135. [52] انظر: التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، للسعيدي، ص22. [53] مجموع فتاوى ابن باز 19/ 50-51. [54] انظر: المعاملات المالية، للدبيان11/ 471-472. [55] قال ابن تيمية:"المشتري الذي غرضه التجارة أو غرضه الانتفاع أو القنية فهذا يجوز شراؤه إلى أجل بالاتفاق" مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 30. [56] قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، بشأن موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر، الدورة السابعة عشرة، القرار الثاني، في الفترة 19-23/ 10/ 1424ه. [57] قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، للسويلم، ص380. [58] انظر: قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، بشأن موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر، الدورة السابعة عشرة، القرار الثاني، في الفترة 19-23/ 10/ 1424ه، قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن التورق حقيقته وأنواعه، قرار رقم 179(5/ 19)، أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19-24 شوال 1424ه، 2/ 416، 485، 533، 607، فقه المعاملات المالية المعاصرة، للخثلان، ص122، بيع العينة والتورق، لهناء الحنيطي، ص201-202. [59] منهم ابن منيع، ومحمد العثماني، ومحمد القري، ونزيه حماد.
انظر: أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19-24 شوال 1424ه، 2/ 359، 392، 644، في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة، لنزيه حماد، ص184. [60] انظر: ربح مالم يضمن، للحقيل، ص 349، التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، للسعيدي، بحث منشور ضمن أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19-24 شوال 1424ه، 2/ 530 [61] قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، بشأن موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر، الدورة السابعة عشرة، القرار الثاني، في الفترة 19-23/ 10/ 1424ه. [62] انظر: التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، للسعيدي، بحث منشور ضمن أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19-24 شوال 1424ه، 2/ 530 [63] انظر: قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، للسويلم، ص407، قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، بشأن موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر، الدورة السابعة عشرة، القرار الثاني، في الفترة 19-23/ 10/ 1424ه. [64] انظر: في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة، لنزيه حماد، ص178-179. [65] انظر:حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر، للمنيع، بحث منشور ضمن أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19-24 شوال 1424هـ، 2/ 359. [66] قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، بشأن موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر، الدورة السابعة عشرة، القرار الثاني، في الفترة 19-23/ 10/ 1424ه. [67] انظر:قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 2/ 798. [68] انظر: فقه المعاملات المالية المعاصرة، للخثلان، ص126.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢