أرشيف المقالات

كلمات عن التكبر والتواضع

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2كلمات عن التكبر والتواضع
التواضع لا يقوم بالنفس حتى تتطهر من الكِبْر والعُجْب، وهذا ما يفسر لنا سبب اهتمام علماء التربية المسلمين بالحديث عن الكبر وإطالة الكلام فيه، أكثر من حديثهم عن التواضع.
ذلك أن النفس إذا تخلصت من هذه الرذيلة التي هي الكبر، وما يتبعها من العجب والصلف..
وجد التواضع طريقه إليها سهلة ميسورة.
قال تعالى: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾[1]. وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾[2]. وقال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾[3]. تلك بعض الآيات الكريمة، وقد بينت لنا بعض صور الكبر، كما بينت مقت الله عزَّ وجلَّ للمتكبرين.
ولما لهذه الآفة من آفات النفس من أخطار على الإنسان وخاتمته، فقد كثرت أحاديثه صلى الله عليه وسلم وتحذيراته من الوقوع في هذا المرتع الوخم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عزَّ وجلَّ: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار»[4].
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء»[5].
والإعجاب بالنفس والخيلاء شعبتان من شعب الكبر، وهما موصلتان إلى ما يوصل إليه الكبر: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجِّل جمَّته[6]، إذا خسف الله به، فهو يتجلجل[7] إلى يوم القيامة»[8].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة»[9].   آفة الكبر: قال الإمام الغزالي: «اعلم أن الكبر ينقسم إلى باطن وظاهر: فالباطن هو خلق في النفس، والظاهر: هو أعمال تصدر عن الجوارح.
واسم الكبر بالخلق الباطن أحق، وأما الأعمال فإنها ثمرات لذلك الخلق»
ا هـ[10].
وواضح من قول الغزالي أن «الكبر» خلق يقوم في النفس، وأن الأعمال الظاهرة إنما هي صدى لما استقر في النفس.
ولذلك فلا يكون علاجه علاجًا للظواهر، وإنما يكون العلاج لأصل الآفة.
ولذلك بينت الأحاديث هذا الأمر جليًا واضحًا: فعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس»[11].
وهكذا بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المظاهر لا قيمة لها إذا لم يكن وراءها دوافع النفس الخبيثة.
والأحاديث السابقة واضحة في هذا: «من جرَّ ثوبه خيلاء» «تعجبه نفسه» وفسر الحديث الأخير الكبر: بـ«بطر الحق، وغمط الناس». وبطر الحق: هو دفعه وإنكاره ترفعًا وتجبرًا. وغمط الناس: هو احتقارهم. ولذلك قد لا يكون المظهر دائمًا دليلًا على الكبر، ولا يحق لنا أن نتهم الناس بذلك لمجرد بعض المظاهر.
وهذا ما حصل لجبير بن مطعم رضي الله عنه، فقد اتهم بالكبر فقال: «يقولون: فيَّ التيه[12]، وقد ركبت الحمار، ولبست الشملة، وقد حلبت الشاة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فعل هذا فليس فيه من الكبر شيء»[13]».


[1] سورة القصص، الآية (83).
[2] سورة لقمان، الآية (18). [3] سورة غافر، الآية (35).
[4] أخرجه مسلم وأبو داود – واللفظ له – وابن ماجه (م 2620، د 4090، جه 4174). [5] أخرجه مسلم برقم (91). [6] جمته: هي من مشعر الرأس ما سقط على المنكبين.
[7] يتجلجل: أي يغوص في الأرض.
[8] متفق عليه (خ 5789، م 2088). [9] متفق عليه (خ 3665، م 2085).
[10] المهذب من إحياء علوم الدين، للمؤلف (2/199). [11] أخرجه مسلم برقم (91). [12] التيه: الكبر.
[13] أخرجه الترمذي برقم (2001).



شارك الخبر

المرئيات-١