أرشيف المقالات

المصلحة المرسلة

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2المصلحة المرسلة   بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله مُعلِّم الأصول، والصلاة والسلام على خير رسول، وعلى آله وصحبه أهل العلم والقلب العقول، واللسان السؤول، إلى يوم البعث والنشور.   كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حياته المباركة إذا عرضت لهم مسألة جاؤوه فيجدون عنده الجواب الكافي الشافي.
وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام، لم يعد العلماء يجدون الأدلة الخاصة في النوازل التي تعرض لهم، فبدؤوا يجتهدون في استخراج الأصول والقواعد التي تُستمد منها الأحكام الشرعية في النوازل الحادثة والعصرية، منطلقهم اعتقادهم الجازم أن في كتاب الله وسنة رسوله الأحكام التي تحتاج إليها البشرية في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة والوقوف بين يدي الملك الديّان.   قال تعالى في القرآن بمنتهى البلاغة والبيان: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]، وقال أيضاً: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38].
فكان منهم أن استنبطوا أصل المصلحة المرسلة من قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29]، وقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157].
وقد اتفق المذاهب الأربعة على هذا الأصل، إنما اختلفوا في التوسع فيه.   فقد اشتُهر عن المالكية التوسع في المصلحة المرسلة، وتبِعهم الحنابلة والأحناف، وضيّق الشافعية هذا الأصل خاصة إمامهم الأصولي أبو المعالي الجويني.   المصلحة المرسلة في اللغة: هي المنفعة المُطلقة، وسُميت بذلك لأنها لا تؤخذ من الدليل الخاص، وتسمى أيضاً بالاستصلاح، أي طلب المصلحة.   وفي الاصطلاح الأصولي: عُرّفت في كتاب الميسر في علم أصول الفقه بالوسيلة الشرعية التي فيها مصلحة ولم يأت دليل خاص يُبيحها أو يمنعها.   وشرطها الأول: أن تكون وسيلة لا عبادة.
فقد أخطأ من جعلها في العبادت كبعض المتكلمين، لأن ذلك يفتح باب الابتداع في الدين، فقد يزعم أحد أن صلاة الصبح عشر ركعات فيه مصلحة.   الشرط الثاني: أن تكون فيها مصلحة مطلقة أو غالبة.   الشرط الثالث: ألا يأتي دليل خاص يمنعها أو يُبيحها، لأنه إذا أتى دليل خاص يبيحها فهي المصلحة الشرعية، وإذا حرّمها فهي المصلحة الملغاة. مثال المصلحة الشرعية، قوله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ". وأما مثال المصلحة الملغاة، قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219].   وينبغي الإشارة إلى أن المصلحة المرسلة تُستخرج من أدلة عامة كما بيّنا في الأول، وأن النص والعُرف هما المحددان للمصلحة والمفسدة، قال عليه الصلاة والسلام: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ»، وقد صح عن ابن مسعود أنه قال: "فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئًا فهو عند الله سيئ".   وفيما يلي أمثلة على المصلحة المرسلة: المثال الأول: كان المصحف في الأول من غير تنقيط ولا تشكيل، لكن لما بدأ اللحن في اللغة العربية والخطأ في تلاوة القرآن، اقتضت المصلحة أن يُنقّط ويُشَكّل.
فالتنقيط والتشكيل وسيلة فيه مصلحة مطلقة مائة بالمائة ولم يأت دليل خاص يمنعها أو يبيحها.   المثال الثاني: القنوات الدعوية الفضائية، هي وسيلة لنشر دعوة الإسلام، فيها مصلحة راجحة، ولم يأت دليل خاص يمنعها أو يبيحها.   وفي الأخير، نحث القارئ الكريم على الاهتمام بتحصيل هذا الأصل لأنه عُمدة في فهم فتاوى علماء الإسلام وشرط في الاجتهاد إلى يوم البعث والقيام.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣