أرشيف المقالات

خواطر حول سورة الفتح (4) عدد آياتها ومكيها ومدنيها

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2خواطر حول سورة الفتح (4) عدد آياتها ومكيها ومدنيها   أولًا: عدد آياتها: تسع وعشرون آيةً، ولا خلاف في ذلك، وهي مدنية [1]، ذكر ذلك صاحب البيان أيضًا، فقال: "وهي عشرون وتسع آيات في جميع العدد ليس فيها اختلاف"[2]، وذكر رؤوس الآيات وهي: تسع وعشرون: مُبينًا، مُسْتَقِيمًا، عَزِيزًا، حكيمًا، عَظِيمًا، مصيرًا، حكيمًا، وَنَذِيرًا، وَأَصِيلًا، عَظِيمًا، خَبِيرًا، بورًا، سعيرًا، رحِيمًا، قَلِيلًا، أَلِيمًا، أَلِيمًا، قَرِيبًا، حكيمًا، مُسْتَقِيمًا، قَدِيرًا، نَصِيرًا، تبديلًا، بَصيرًا، أَلِيمًا، عليمًا، قَرِيبًا، شَهِيدًا، عَظِيمًا [3]، وهذا ما يوافق المطبوع.   ثانيًا: سورة الفتح: سورة مدنية، وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على مدنيتها، منهم: ابن الجوزي، والقرطبي، والبقاعي[4]، وذكر الشوكاني عن ابن عباس أنه قال: نزلت سورة الفتح بالمدينة[5]، وما مرَّ من أحاديث سابقًا أنها نزلت بين مكة والمدينة، لا ينقض الإجماع على مدنيتها، كون المراد بالمدني ما نزل بعد الهجرة من مكة[6]، والحديبية كانت في السنة السادسة للهجرة، كما مرَّ سابقًا.   وسورة الفتح تتميز عن السور المكية بموضوعاتها، كما أنها حوت مصطلحات لم تكن تُستعمل في السور المكية كالنفاق مثلًا؛ مما يؤكِّد مدنيَّتَها؛ حيث حوت موضوعات كالفتح والجهاد وبعض أحكامه، وتحدثت عن المتخلِّفين عنه، وتعرَّضت للمنافقين وتوعَّدتهم، وتحدثت عن البيعة، والوعد بدخول المسجد الحرام، وما تحويه في طيَّاتها من الفتح العظيم، وظهور الدين القويم، وكذلك في طول الآيات، فهي بين المتوسطة والطويلة، وهذا يُطابِق الآيات المدنية في الأعم الأغلب، وأسلوبها كذلك هو نفسه أسلوب السور المدنية؛ حيث هناك مجتمع مسلم، وكِيان سياسي لهم، مبني على عقيدة، وأصحابه يحملون هَمَّ الدين، ويتحمَّلون تكاليفه، قال سيد: "واضح في جو سورة الفتح وإيحاءاتها أننا أمام جماعة نضجَ إدراكها للعقيدة، وتجانَست مستوياتُها الإيمانية، واطمأنَّت نفوسُها لتكاليف هذا الدين، ولم تعد محتاجةً إلى حوافز عنيفة الوقْعِ؛ كي تنهض بهذه التكاليف في النفس والمال، بل عادت محتاجة إلى من يخفض حَميتها، وينهنه حدَّتها، ويأخذ بزمامها لتستسلم للهدوء، والمهادنة بعض الوقت، وَفْق حكمة القيادة العليا للدعوة، لم تعد الجماعة المسلمة تواجه بمثل قوله تعالى: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 35] ...
ولم تعد في حاجة إلى حوافز قوية للجهاد بالحديث عن الشهداء وما أعدَّ الله لهم عنده من الكرامة، ولا بيان حكمة الابتلاء بالقتال ومشقَّاته كما في سورة محمد ...
إنما صار الحديث عن السكينة التي أنزلها الله في قلوب المؤمنين، أو أنزلها عليهم، والمقصود بها تهدئة فورتهم، وتخفيض حميتهم، واطمئنان قلوبهم لحكم الله وحكمة رسوله صلى الله عليه وسلم في المهادنة والملاينة، وعن رضا الله عن المبايعين تحت الشجرة، وكانت هذه الصورة الوضيئة في نهاية السورة للرسول ومن معه، أما الحديث عن الوفاء بالبيعة والنكث فيها ...
فالإيحاء فيه أكثر إلى تكريم المبايعين وتعظيم شأن البيعة، والإشارة إلى النكث جاءت بمناسبة الحديث عن الأعراب المتخلفين، وكذلك الإشارة إلى المنافقين والمنافقات، فهي إشارة عابرة، تدل على ضَعف موقف هذه الطائفة، وعلى خلوص الجماعة المسلمة بالمدينة ونضوجها وتجانسها"[7].


[1] الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة الأولى، 1422 هـ -2001 م، تحقيق: الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، (ج 21، ص 236). [2] الداني، عثمان بن سعيد، البيان في عدِّ آي القرآن، مركز المخطوطات والتراث – الكويت، (ط: 1، 1994م)، ت: غانم قدوري الحمد، ص 229. [3] السابق. [4] انظر: زاد المسير لابن الجوزي، (ج7، ص 418)، والجامع لأحكام القرآن؛ للقرطبي، (ج 16، ص260)، ومصاعد النظر للبقاعي، (ج 2، ص491). [5] الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى - 1414 هـ، (ج 5 ، ص 52). [6] انظر، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (ج 1، ص 37) وما بعدها، وفتح القدير للشوكاني، (ج5، ص 52). [7] في ظلال القرآن، دار الشروق، القاهرة، الطبعة السابعة عشر -1412 ه.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣