أرشيف المقالات

سلسلة آيات العقيدة المتوهم إشكالها (4)

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2سلسلة آيات العقيدة المتوهم إشكالها (4)   ظواهر الكتاب والسنة كلها حق، والمراد بظواهر النصوص هو: ما يَسبِق ويتبادر إلى ذهن وفَهْم السامع صحيح الفَهم من معاني ألفاظ الكتاب والسنة[1].   وتتمثل أهمية الحديث عن ظواهر النصوص من جهتين: الأولى: أن الواجب على المؤمن هو فَهمُ النصوص على ظاهرها، وعدم صرف النص عن ظاهره إلا بدليل صحيح، وهذا هو مذهب السلف جميعًا، (فمذهب السلف رحمة الله عليهم أجمعين إثباتها وإجراؤها على ظاهرها) [2]، وحتى صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ( لم يكن أحد منهم يعتقد في خبره وأمره ما يناقض ظاهر ما بيَّنه لهم، ودلَّهم عليه، وأرشدهم إليه، ولهذا لم يكن في الصحابة مَن تأوَّل شيئًا من نصوصه على خلاف ما دلَّ عليه، لا فيما أخبر به الله عن أسمائه وصفاته، ولا فيما أخبَر به عما بعد الموت) [3]، و(لَمَّا كان الأصل في الكلام هو الحقيقة والظاهر، كان العدول به عن حقيقته وظاهره مخرجًا له عن الأصل، فاحتاج مدعي ذلك إلى دليل يسوِّغ له إخراجه عن أصله)[4]، وحمل كلام المتكلم (على خلاف ظاهره وحقيقته، ينافي قصد البيان والإرشاد والهدى)[5]، و(تيسير القرآن للذكر ينافي حمله على التأويل المخالف لحقيقته وظاهره)[6]، وذلك (لأن ظواهر الكتاب والسنة هي نور الله الذي أنزله على رسوله؛ ليُستضاء به في أرضه، وتقام به حدودُه، وتنفذ به أوامرُه، ويُنصف به بين عباده في أرضه.   والنصوص القطعية التي لا احتمال فيها قليلة جدًّا لا يكاد يوجد منها إلا أمثلة قليلة جدًّا؛ كقوله تعالى: ﴿ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ﴾ [البقرة: 196]، والغالب الذي هو الأكثر هو كون نصوص الكتاب والسنة ظواهر.   وقد أجمع جميع المسلمين على أن العمل بالظاهر واجبٌ، حتى يرد دليل شرعي صارف عنه إلى المحتمل المرجوح، وعلى هذا كل مَن تكلم في الأصول.   فتنفير الناس وإبعادها عن كتاب الله، وسنة رسوله، بدعوى أن الأخذ بظواهرهما من أصول الكفر - هو من أشنع الباطل وأعظمه كما ترى.   وأصول الكفر يجب على كل مسلم أن يحذَر منها كل الحذر، ويتباعد منها كلَّ التباعد، ويتجنب أسبابها كل الاجتناب، فيلزم على هذا القول المنكر الشنيع وجوب التباعد من الأخذ بظواهر الوحي.   وهذا كما ترى، وبما ذكرنا يتبيَّن أن من أعظم أسباب الضلال ادِّعاء أن ظواهر الكتاب والسُّنة دالة على معانٍ قبيحة، ليستْ بلائقة، والواقع في نفس الأمر بعدها وبراءتها من ذلك، وسبب تلك الدعوى الشنيعة على ظواهر كتاب الله، وسنة رسوله، هو عدم معرفة مدعيها.   ولأجل هذه البلية العظمى، والطامة الكبرى، زعم كثير من النُظَّار الذين عندهم فهمٌ أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها غير لائقة بالله؛ لأن ظواهرها المتبادرة منها هو تشبيه صفات الله بصفات خلقه)[7].   (ولا بد في تفسير القرآن والحديث من أن يُعرف ما يدل على مراد الله ورسوله من الألفاظ، وكيف يفهم كلامه، فمعرفة العربية التي خُوطبنا بها مما يُعين على أن نفقهَ مراد الله ورسوله بكلامه، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني، فإن عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب، فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدعون أنه دالٌّ عليه، ولا يكون الأمر كذلك)[8].   الثانية: كثرة الانحرافات في التعامل مع ظواهر الكتاب والسنة، كما هو حال كثير من المناهج المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة. ومن مقولات تلك المناهج المنحرفة ما قرَّره بعضهم من وجوب اعتقاد أن مراد الله هو غير ظاهر النصوص، فقال: (يجب القطع فيها أن مراد الله منها شيءٌ غير ظواهرها، ثم يجب تفويض معناها إلى الله تعالى، ولا يجوز الخوضُ في تفسيرها)[9].   ويقرِّر آخر أن الأخذ بظواهر النصوص يعتبر من أصول الكفر، فيقول: (لا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة، ولو وافَق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية، فالخارج عن المذاهب الأربعة ضالٌّ مضلٌّ، وربما أداه ذلك للكفر; لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر)[10].   وقد ردَّ الشنقيطي على النقل الأخير، فقال: (فانظر يا أخي - رحمك الله - ما أشنع هذا الكلام وما أبطلَه! وما أجرأ قائله على الله وكتابه! وعلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه سبحانك هذا بهتان عظيم...   أما قوله: إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر، فهذا أيضًا من أشنع الباطل وأعظمه، وقائله من أعظم الناس انتهاكًا لحرمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم سبحانك هذا بهتان عظيم.   والتحقيق الذي لا شك فيه، وهو الذي كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعامة علماء المسلمين، أنه لا يجوز العدول عن ظاهر كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالٍ مِن الأحوال بوجهٍ من الوجوه، حتى يقوم دليلٌ صحيح شرعي صارفٌ عن الظاهر إلى المحتمل المرجوح.   والقول بأن العمل بظاهر الكتاب والسنة من أصول الكفر، لا يصدُر البتةَ عن عالم بكتاب الله وسنة رسوله، وإنما يصدر عمن لا عِلمَ له بالكتاب والسنة أصلًا; لأنه لجهله بهما يعتقد ظاهرهما كفرًا، والواقع في نفس الأمر أن ظاهرهما بعيد مما ظنَّه أشدَّ مِن بُعد الشمس من اللمس)[11].


[1] ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 3/ 43، 6/ 356، وشرح القواعد المثلى لابن عثيمين ص 176. [2] الحجة في بيان المحجة للأصفهاني 1/ 188. [3] مجموع الفتاوى لابن تيمية 13/ 252. [4] الصواعق المرسلة لابن القيم 1/ 288. [5] الصواعق المرسلة لابن القيم 1/ 310، وينظر: 1/ 324. [6] الصواعق المرسلة لابن القيم 1/ 330. [7] أضواء البيان للشنقيطي 7/ 472. [8] مجموع الفتاوى لابن تيمية 7/ 116. [9] أساس التقديس للرازي ص 236. [10] حاشية الصاوي على تفسير الجلالين 3/ 9. [11] أضواء البيان للشنقيطي 7/ 467، وينظر: 7/ 470،472.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن