أرشيف المقالات

أنهار الجنة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2أنهار الجنة   قال ابن فارس رحمه الله تعالى: "النُّونُ وَالْهَاءُ وَالرَّاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَفَتُّحِ شَيْءٍ أَوْ فَتْحِهِ، وَأَنْهَرْتُ الدَّمَ: فَتَحْتُهُ وَأَرْسَلْتُهُ، وَسُمِّيَ النَّهْرَ؛ لِأَنَّهُ يَنْهَرُ الْأَرْضَ، أَيْ: يَشُقُّهَا...، وَجَمْعُ النَّهْرِ: أَنْهَارٌ وَنهر"[1].   والمراد بأنهار الجنة التي تجري من تحتها؛ وذلك مما يزيد الحسن والبهجة لهذا المشهد العظيم، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾[2]، وقال تعالى: ﴿ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [3].   وقد بيَّن الله تعالى هذه الأنهار بقوله: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَخَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾ [4].   وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى، في حكمة أوصاف هذه الأنهار: "فذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا؛ فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه، وآفة اللَّبن أن يتغيَّر طعمه إلى الحموضة وأن يصير قارصًا، وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي في اللذة وشربها، وآفة العسل عدم تصفيتة؛ وهذا من آيات الرب تعالى أن تجري أنهار من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها ويجريها في غير أُخدود وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها..."[5].   وإن هذه الأنهار تفجر من تحت عرش الله تعالى؛ كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ))[6].   إن هذه الأوصاف التي قدمنا هي أوصاف للجنة ونعيمها، وإن هذا المشهد هو ألذ المشاهد التي يواجهها المؤمن في حياته الآخرة ولموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها؛ كما جاء في الحديث عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا))[7].   وفي الأخير: إن هناك نِعَمًا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب أحد؛ كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾))[8].


[1] معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، مادة: (نهر)، (5/ 362). [2] سورة البروج: (12). [3] سورة البينة: (8). [4] سورة محمد: (15). [5] حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح؛ لمحمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)، (ص179)، مطبعة المدني، القاهرة، عدد الأجزاء: (1). [6] أخرجه البخاري في صحيحه، كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾ [هود: 7]، ﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129]، رقم الحديث: (7423)، (9/ 125). [7] أخرجه البخاري في صحيحه، كِتَابُ الجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ فَضْلِ رِبَاطِ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، رقم الحديث: (2892)، (4/ 35). [8] متفق عليه: أخرجه البخاري في صحيحه، واللفظ له، كِتَابُ تَفْسِيرِ القُرْآنِ، بَابُ قَوْلِهِ: ﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ [السجدة: 17]، رقم الحديث: (4780)، (6/ 116)، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، رقم الحديث: (2824)، (4/ 2175).



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير