أرشيف المقالات

تفسير الربع الأخير من سورة الصافات

مدة قراءة المادة : 23 دقائق .
2سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [1] الربع الأخير من سورة الصافات
• من الآية 75 إلى الآية 82: ﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ ﴾ لنَنصره على المُكَذِبينَ مِن قومه ﴿ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ﴾ له نحن، (والمعنى: نِعمَ الرَبُّ المُجيب لمن دَعاه)، حيثُ أجَبْنا دعاءه﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ ﴾المؤمنينَ به ﴿ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ (وهو الغرق بالطوفان) ﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ﴾ بعد انتهاء الطوفان (جزاءً له على صَبْره في دَعْوته)، ﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ﴾: يعني أبقينا له ذِكْرًا جميلاً وثناءً حسنًا في الأمم التي جاءت بعده، ﴿ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ﴾ أي: تحية من الله تعالى، وأمانٌ منه لنوح مِن كل سوء، ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ يعني: كما أعطينا نوحاً هذا العطاء (جزاءً له على إحسانه وطاعته)، فكذلك نَجزي المحسنين المتقين من عطائنا، ﴿ إِنَّهُ ﴾ أي نوح ﴿ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي المُصَدِّقين المُخلِصين، العاملينَ بأوامرنا، المُتَّبعينَ لشَرعنا،﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ ﴾ (وهم مُشرِكو قومه، ألاَ فليَتعظ مُشرِكو مكة مما حدث لهم).
• من الآية 83 إلى الآية 98: ﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ﴾: يعني إنَّ مِن أشياع نوح - يعني مِن أمثاله - على مِنهاجه ومِلَّته: نبيَّ الله إبراهيم﴿ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾: أي اذكر أيها الرسول لقومك حين جاء إبراهيمُ ربه يوم القيامة بقلبٍ بريء من كل اعتقادٍ باطل، لأنه كان في الدنيا يَتبرأ من الشِرك ويدعو قومه إلى التوحيد﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ﴾ - مُنكِرًا عليهم عبادتهم للأصنام -: ﴿ مَاذَا تَعْبُدُونَ ﴾: يعني ما هذا الذي تعبدونه؟! ﴿ أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ﴾: يعني أتريدون أن تعبدوا أصناماً سميتموها آلهة (كذباً بألسنتكم)، وتتركون عبادة الله المستحق وحده للعبادة؟! ﴿ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ يعني فما ظنكم أنه سبحانه فاعلٌ بكم إذا عبدتم معه غيره؟!،﴿ فَنَظَرَ ﴾ إبراهيمُ ﴿ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ﴾ (متفكرًا فيما يَعتذر به عن الخروج معهم إلى أعيادهم)، ﴿ فَقَالَ ﴾ لهم: ﴿ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾: يعني إني مريض ﴿ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴾: أي تَرَكوه وراء ظهورهم (قابلينَ عُذره في عدم الخروج معهم).
﴿ فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ ﴾: يعني أقبَلَ إلى أصنام قومه (بعد أن خَلا المكان الذي كانت فيه) ﴿ فَقَالَ ﴾ لها مستهزئًا: ﴿ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴾ يعني ألاَ تاكلون هذا الطعام الذي يُقَدّمه لكم عابِديكم ويَتَبَرَّكون بأكْله بعد أن يتركونه عندكم؟، ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ ﴾ لتَرُدّوا على مَن يسألكم؟،﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ﴾: يعني أقبل على الأصنام يَضربها ويُكَسِّرها بفأسٍ في يده اليمني، فلمّا رجعوا من عِيدهم: وَجَدوا آلهتهم مُكَسَّرة ﴿ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ﴾: يعني أقبَلوا إلى إبراهيم يَجْرونَ مُسرعينَ غاضبين، (وقد شَكُّوا فيه لأنّ بعضهم سمعه وهو يقول: ﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ [سورة الأنبياء: 57])، فلَقِيَهم إبراهيم بثبات، فـ﴿ قَالَ ﴾ لهم: ﴿ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴾: يعني كيف تعبدون أصنامًا تنحتونها بأيديكم؟!﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ يعني: وتتركون عبادة ربكم الذي خَلَقكم، وخَلَقَ ما تعبدونَ من أصنامٍ وكواكب؟!، (فلما قامت عليهم الحُجّة لجؤوا إلى القوة)، فـ﴿ قَالُوا ﴾ لبعضهم: ﴿ ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا ﴾ واملؤوه حطبًا، ثم أشعِلوا النار في الحطب ﴿ فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ﴾ الملتهب،ثم قال تعالى:﴿ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا ﴾ ليُهلِكوه ﴿ فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴾:أي جعلناهم المقهورين المغلوبين، إذ نَجّى الله إبراهيم مِن كَيدهم، وجَعَل النار بردًا وسلامًا عليه.
• من الآية 99 إلى الآية 113: ﴿ وَقَالَ ﴾ إبراهيم بعد أن خرج من النار سالماً: ﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ﴾: يعني إني مهاجرٌ من بلد قومي إلى حيث أتمكن من عبادة ربي; فإنه ﴿ سَيَهْدِينِ ﴾ أي سيَدُلّني على الخير في ديني ودنياي، وقال إبراهيم داعياً ربه: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾: أي أعطني ولدًا صالحًا، ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾: أي بَشَّرناه بغلامٍ يكونُ حليمًا في كِبَرِه (وهو إسماعيل عليه السلام) ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ﴾ يعني: فلمّا كَبِر إسماعيل وأصبح قادرا على العمل مع أبيه: ﴿ قَالَ ﴾ له أبوه: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ﴾ (ورؤيا الأنبياء حق)﴿ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ يعني: فما رأيك في ذلك؟، فـ ﴿ قَالَ ﴾ إسماعيل - مُرْضِيًا ربه، بارًّا بوالده، مُعِينًا له على طاعة الله -: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾ أي افعل ما أمَرَك الله به مِن ذبْحي ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ على الذبح الذي أمَرَك الله به،﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا ﴾ يعني: فلمّا استسلما لأمر الله وانقادا له، ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ يعني: ووضع إبراهيم جبين ابنه على الأرض ليذبحه، (واعلم أنّ لكُلّ إنسان جبينان: أيمن وأيسر، والجبهة بينهما)،﴿ وَنَادَيْنَاهُ ﴾ في تلك الحالة العصيبة ﴿ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾﴿ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ﴾: أي قد صَدَّقْتَ رؤياك وفعلتَ ما أُمَرَك اللهُ به، ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾: يعني إنا كما جزيناك على تصديقك (بأنْ نَجّيناك من هذه الشدة)، فكذلك نجزي الذين أحسنوا مِثلك، فنُنَجّيهم من الشدائد في الدنيا والآخرة، ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴾: يعني إن الأمر بذبح ابنك هو الابتلاء الشاق الذي أظهر صِدق إيمانك،﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾: أي أنقذنا إسماعيل من الذبح، فجعلنا بديلاً عنه كبشًا عظيمًا،﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ﴾ يعني أبقينا لإبراهيم ثناءً حَسَنًا في الأمم التي جاءت بعده يَذكرونه به،﴿ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ أي: تحية من الله تعالى، وأمانٌ منه لإبراهيم مِن كل سوء، ﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ يعني: كما جزينا إبراهيم على طاعته وامتثاله لأمرنا، فكذلك نجزي المحسنين على طاعتهم وتقواهم،﴿ إِنَّهُ ﴾ أي إبراهيم ﴿ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ الذين أعطَوا العبودية حقها﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ (جزاءً له على صَبْره، ورضاه بأمْر ربه)﴿ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ ﴾: أي أنزلنا عليهما البَرَكة (حتى إنّ معظم الأنبياء كانوا من ذريتهما)، ﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ﴾ يعني: وكانَ مِن ذريتهما مَن هو مطيعٌ لربه، مُحسِنٌ لنفسه، ومنهم مَن هو ظالمٌ لنفسه ظلمًا واضحاً، لأنه يُعَرِّضها لغضب الله وعذابه بكفره ومعصيته.
♦ وقد قلنا بأن المقصود مِن قول إبراهيم عليه السلام: ﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ﴾ هو الهجرة، لأن الله تعالى قال في آيةٍ أخرى: ﴿ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ﴾ (إذ الهجرة هي الانتقال من مكانٍ إلى آخر بنيّة التمكن من عبادة الله وعدم الفتنة في الدين)، كقول النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله...) (أي كانت نِيّته وهو مهاجرٌ إلى هذا المكان: هي طاعة الله ورسوله)، واعلم أيضاً أنّ كلمة: (أنْ) التي في قوله تعالى:  ﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾، تسمى (أنْ) التفسيرية، لأنها تُفَسِّر المقصود من القول، كما قال تعالى: ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ ﴾ .
• من الآية 114 إلى الآية 122: ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ أي أنعمنا عليهما بالنُبُوّة والرسالة﴿ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ (وهو الغرق، وما كانوا فيه من عبودية ومَذلَّة)﴿ وَنَصَرْنَاهُمْ ﴾ على فرعون وقومه ﴿ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ﴾ ﴿ وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ ﴾ يعني أعطيناهما التوراة البَيّنة الواضحة في أحكامها ومواعظها ﴿ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ أي هديناهما الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام (دين الله الذي بَعَثَ به أنبياءه)﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ ﴾: يعني أبقينا لهما ثناءً حَسَنًا وذكرًا جميلاً فيمن جاء بعدهما،﴿ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ أي: تحية من الله تعالى، وأمانٌ منه لموسى وهارون مِن كل سوء، ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ يعني: كما أعطينا موسى وهارون هذا العطاء (جزاءً له على إحسانهما وطاعتهما) فكذلك نجزي المحسنين المتقين من عطائنا ﴿ إِنَّهُمَا ﴾ أي موسى وهارون ﴿ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي المُصَدّقين المُخلصين، العاملينَ بأوامرنا، المُتَّبعينَ لشَرعنا.
• من الآية 123 إلى الآية 132: ﴿ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ (الذين أكرمناهم بالنُبُوّة والرسالة)﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾: يعني ألاَ تخافون عقاب الله تعالى إن عبدتم معه غيره وعصيتموه؟﴿ أَتَدْعُونَ بَعْلًا ﴾: يعني كيف تعبدون هذا الصنم المُسَمَّى: "بَعْل")،﴿ وَتَذَرُونَ ﴾ أي تتركون عبادة ﴿ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ﴾، وهو﴿ اللَّهَ رَبَّكُمْ ﴾ الذي خلقكم ﴿ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾؟! ﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾﴿ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ أي سيُحضرهم الله يوم القيامة للحساب والعقاب﴿ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ الذين أخلصوا دينهم لله، فإنهم ناجونَ من عذابه ﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ﴾: أي جعلنا لإلياس ثناءً جميلاً في الذين جاءوا مِن بعده،﴿ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ﴾ أي: تحية من الله تعالى، وأمانٌ منه لإلياس مِن كل سوء ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ يعني: كما أعطينا إلياس هذا العطاء (جزاءً له على إحسانه وطاعته)، فكذلك نَجزي المحسنين المتقين من عطائنا، ﴿ إِنَّهُ ﴾ أي إلياس ﴿ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي المُصَدّقين المُخلصين، العاملينَ بأوامرنا، المُتَّبعينَ لشَرعنا.
• من الآية 133 إلى الآية 138: ﴿ وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ ﴿ إِذْ نَجَّيْنَاهُ ﴾ أي اذكر أيها الرسول إنعامنا عليه حين نجيناه ﴿ وَأَهْلَهُ ﴾ المؤمنين به ﴿ أَجْمَعِينَ ﴾ (من العذاب الذي نزل بقومهم)﴿ إِلَّا عَجُوزًا ﴾ هي زوجته، فقد تركناها ﴿ فِي الْغَابِرِينَ ﴾ أي تركناها مع الباقين في العذاب والهلاك لكُفرها،﴿ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ ﴾: أي نَزَلَ بهم أشدُّ أنواع الهلاك والتدمير (وذلك بقلب بلادهم سافلها على عالِيها ورَجْمهم بالحجارة)﴿ وَإِنَّكُمْ ﴾ يا أهل مكة ﴿ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ﴾ أي تَمُرُّونَ فى أسفاركم على ما تبَقَّى مِن منازل قوم لوط وقت الصباح، وترون آثار هلاكهم، ﴿ وَبِاللَّيْلِ ﴾ يعني: وكذلك تَمُرُّونَ عليها ليلاً، ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ فتخافوا أن يصيبكم مِثل ما أصابهم؟
• من الآية 139 إلى الآية 148: ﴿ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ ﴿ إِذْ أَبَقَ ﴾: أي اذكر أيها الرسول ما حدث له لتأخذ منه العبرة والعظة وتصبر على تكذيب قومك لك، فقد خرج يونس من بلده غاضبًا على قومه، لعدم استجابتهم لدعوته، دونَ إذنِ من ربه ﴿ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾ أي ركب السفينة المملوءة بالركاب والأمتعة، ﴿ فَسَاهَمَ ﴾: أي اشترك في "القُرعة" التي عَمِلها ركاب السفينة لتخفيف الحمولة خوفاً من الغرق، فوقعتْ القُرعة على يونس ﴿ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ﴾ أي كان من المغلوبين في القرعة، فأُلقِيَ في البحر﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ ﴾ أي ابتلعه الحوت، ﴿ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ يعني: إنّ يونس قد فَعَلَ ما يُلامُ عليه (لعدم صبره على أوامر ربه)، ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴾ يعني: فلولا ما تقدَّم له من كثرة العبادة والعمل الصالح (قبل وقوعه في بطن الحوت)، ولولا تسبيحه وهو في بطن الحوت، عندما قال: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فلولا ذلك التسبيح: ﴿ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾: أي لَمَكَثَ يونس في بطن الحوت، وصارَ له قبرًا إلى يوم القيامة،﴿ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ ﴾: أي طَرَحناه مِن بطن الحوت، وألقيناه في أرضٍ خالية من الشجر والبناء ﴿ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴾ أي ضعيف البَدَن من حرارة جوف الحوت،﴿ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ﴾: يعني أنبتنا عليه شجرة من القَرْع تُظِلُّه ويَنتفع بها﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ ﴾: يعني أرسلناه إلى مائة ألف من قومه الذين كَذَّبوه﴿ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾ يعني: بل يزيدون على مائة ألف،﴿ فَآَمَنُوا ﴾ بيونس وعملوا بهَدْيه، ﴿ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾:أي مَتّعناهم بحياتهم إلى وقت انتهاء آجالهم.
• من الآية 149 إلى الآية 157: ﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ ﴾ أي اسأل قومك أيها الرسول: ﴿ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ﴾: يعني كيف جعلوا لله البنات (حين قالوا - كذباً وافتراءً -: (الملائكة بنات الله))، وفي نفس الوقت - الذي يَنسبون فيه البنات إلى اللهِ تعالى - يَجعلون لأنفسهم ما يُحبون من البنين ويَكرهون البنات؟!﴿ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ ﴾ أي اسألهم: (هل خَلَقَ الله الملائكة إناثًا وكنتم حاضرينَ وقتَ خَلْقهم فعرفتم بذلك أنهم إناث؟!)﴿ أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ ﴾ يعني: إنّهم مِن كَذبهم ﴿ لَيَقُولُونَ ﴾: ﴿ وَلَدَ اللَّهُ ﴾أي زَعَموا أنه سبحانه اتّخذ الملائكة بناتٍ له﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ لأنهم يقولون ما لا يعلمون،﴿ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ ﴾؟ يعني: لأيّ شيءٍ يختار الله البنات دون البنين؟ ﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ يعني: بئس الحُكم الذي تحكمونه أيها القوم (وهو أن تَنسبوا البنات لله وتَبرّئوا أنفسكم منهنّ) (واعلم أن هذا مِن باب التنازل مع الخَصم لإلزامه بالحُجّة، وإلاّ فإنه سبحانه مُنَزَّهٌ عن أن يكون له ولد (ذَكَر كانَ أو أنثى)، لأنه رَبُّ كل شيء ومَالكُه والغني عنه، فما الحاجةُ إذاً إلى الولد؟!) ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ يعني ألاَ تتفكرون لتعلموا أنه لا يصح لله تعالى أن يكون له ولد لغِناه عن جميع خلقه؟! ﴿ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ ﴾: يعني أم لكم حُجَّة واضحة على كَذبكم وافترائكم؟!، إن كانت لكم حُجّة في كتابٍ من عند الله ﴿ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾.
• الآية 158، والآية 159، والآية 160: ﴿ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ﴾: أي جَعَلَ المُشركون بين الله والملائكة قَرابةً ونسبًا، (ولَعَلّ الله تعالى أطلق على الملائكة هنا لفظ "الجن" لاستتارهم عن عيون الناس، فهُم لا يُرَونَ كالجن، واللهُ أعلم)، ﴿ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ يعني: لقد علمت الملائكة أن المشركين مُحضَرون للعذاب يوم القيامة،﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ أي تنزَّه الله وتبرَّأ من كل ما لا يليق به ممَّا يصفه به الكافرون ﴿ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾يعني:لكنّ المخلصين لله تعالى في عبادته لا يصفونه إلا بما يليق بجلاله وكماله وعظمته.
• من الآية 161 إلى الآية 166: ﴿ فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴾ يعني: فإنكم - أيها المُشركون - وما تعبدونه من دون الله:﴿ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ﴾: يعني ما أنتم بمُضِلِّين أحدًا من الخلق ﴿ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ﴾: يعني إلا مَن حَكَمَ الله عليه أن يُحرَق في الجحيم؛ بسبب كُفره وظُلمه.
♦ وقد قالت الملائكة - رداً على المشركين الذين جعلوهم بناتٍ لله تعالى -:﴿ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ﴾ يعني: ما مِنّا أحدٌ إلا له مقام معلوم في السماء لا يتعداه، ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ﴾ أي الواقفونَ صفوفًا في عبادة الله وطاعته،﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ﴾ أي المُنزِّهون اللهَ تعالى عن كل ما لا يليق به.
• من الآية 167 إلى الآية 170: ﴿ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ ﴾ يعني: ولقد كان كفار مكة يقولون - قبل بعثتك أيها الرسول -:﴿ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ ﴾: يعني لو جاءنا من الكتب والأنبياء ما جاء للأوَّلين قبلنا:﴿ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾أي المُخلِصينَ له في العبادة، الصادقينَ في الإيمان.
♦ فلمّا جاءهم القرآن العظيم، الذي فيه ذِكر الأولين وعِلم الآخرين، ولمّا جاءهم أفضل الرُسُل (محمد صلى الله عليه وسلم)، الذي يَعرفون نَسَبه وصِدقه: ﴿ فَكَفَرُوا بِهِ ﴾ عِناداً وكِبراً ﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ أي سيعلمونَ ما أُعِدَّ لهم من العذاب بسبب كُفرهم.
• الآية 171، والآية 172، والآية 173: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا ﴾ أي كَتَبْنا في سابق عِلمِنا كَلِمَتَنا التي لا مَردَّ لها ﴿ لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ﴾، وهي:﴿ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ﴾ أي لهم النُصرة على أعدائهم بالحُجّة والقوة﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا ﴾ المجاهدين في سبيلنا (بالقتال وبالحُجّة): ﴿ لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ أي سيغلبون أعدائهم في نهاية الأمر.
• من الآية 174 إلى الآية 179: ﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ﴾: أي أعرِض أيها الرسول عن هؤلاء المُعانِدين، حتى يأتي أمْرُ الله لك بقتالهم،﴿ وَأَبْصِرْهُمْ ﴾: يعني أنظِرهم وارتقب ماذا سيَحِلّ بهم بسبب عنادهم ﴿ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴾: أي سوف يرون ما ينزل بهم من عذاب الله في الدنيا أو الآخرة، ﴿ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴾: يعني أَغَرَّ هؤلاء إمهال الله لهم، فاستعجلوا نزول العذاب عليهم من السماء؟! ﴿ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ يعني: فإذا نزل عذابنا بأرضهم، فبئس الصباح صباحهم، ثم قال تعالى - مؤكداً لرسوله تحقيق وعده له بالنصر-: ﴿ وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ﴾ يعني أعرِض عنهم حتى يأذن الله بعذابهم﴿ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴾ يعني أنظِرهم فسوف يرون ما يَحِلّ بهم.
• الآية 180، والآية 181، والآية 182: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾: أي تنزَّه رب العزة وتقدَّس عما يَصِفه به هؤلاء المفترون، ﴿ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ﴾ أي: تحية الله الدائمة، وثناؤه وأمانه لجميع المرسلين،﴿ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ أي الثناء والشكر له سبحانه (في الدنيا والآخرة)، فهو المستحق لذلك وحده لا شريك له.


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير