أرشيف المقالات

إخلاص العبادة لله

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2إخلاص العبادة لله
اللهم ربَّنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيتَ، ولا معطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
أما بعد:   فإن إخلاص العمل لله تعالى وحده، من شروط قَبول الأعمال الصالحة عند الله تعالى، فأقول وبالله تعالى التوفيق: (1) قال سبحانه لنبينا صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].   (2) وقال جل شأنه: ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الزمر: 11، 12].   (3) قال سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ * فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [غافر: 13، 14].   (4) قال تعالى: ﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 65].   (5) قال جل شأنه: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].   روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشِّرك، مَن عمِل عملًا أشرَك فيه معي غيري، تركته وشركه)؛ (مسلم حديث 2985).   معاني الكلمات: ♦ تبارك: كثُر خيرُه.

♦ تعالى: علا مجدُه.   الشرح: قوله: (أغنى): الغني هو الذي لا يحتاج إلى غيره. قوله: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك): قال الإمام النووي رحمه الله: معناه: أنا غني عن المشاركة وغيرها، فمن عمِل شيئًا لي ولغيري لم أقبلْه، بل أتركه لذلك الغير، والمراد أن عمل المرائي باطلٌ لا ثواب فيه، ويأثَم به؛ (مسلم بشرح النووي جـ 9صـ 343).   ♦ قال ابن عثيمين رحمه الله: الشركاء كلٌّ محتاج إلى الآخر، وكلٌّ محتاج إلى نصيبه في الشركة، لا يتنازل أحدٌ للآخر عن نصيبه، فمثلًا: دارٌ بين اثنين كلٌّ منهما محتاج للآخر، لو حصل في الدار خللٌ أو احتاجت إلى تعمير، صار الشريك لا بد أن يقول لشريكه الثاني: أعطني نصيبي حتى نعمر البيت، وصار كل إنسان متمسكًا بنصيبه من هذا البيت، أما الله تعالى فهو الغني عن كل شيء، غني عن العالمين، إذا عمل الإنسان عملًا لله ولغير الله، تركه الله، لو صلى الإنسان لله وللناس، لم يقبل الله صلاتَه، لا يقال: إنه يقبل نصفَها ويترك نصفها، أو يقبلها قبولًا نصفيًّا، لا، لا يقبلها أبدًا.   لو تصدَّق الإنسان بصدقة يرائي بها الناسَ، فإنها لا تُقبل منه؛ لأن الله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك.   إذا عمل الإنسان عملًا أشرَك فيه مع الله غيرَه، فإن الله لا يقبله منه، وفي هذا دليلٌ على أن الرياء إذا شارك العبادة، فإنها لا تقبل، فلو أن الإنسان صلَّى أول ما صلَّى وهو يرائي الناس لأجل أن يقولوا: فلان ما شاء الله يتطوَّع، يُصلي ويُكثر من الصلاة، فإنه لا حظَّ له في صلاته، ولا يقبلها الله عز وجل، حتى لو أطال ركوعَها وسجودها وقيامها وقعودها، وصار لا يتحرك، وصارت عينُه في موضع سجوده، فهي غير مقبولة، لماذا؟ لأنه أشرك مع الله غيره، يُصلي لله والناس، والله غني عن عبادته.   كذلك رجل متصدِّق صار يمشي إلى الفقراء ويُعطيهم، لكنه يرائي الناس من أجل أن يقولوا: فلان رجل جوَاد كريمٌ يتصدق، فهذا أيضًا لا يُقبَل منه وإن أنفَد ماله كلَّه.   لكن إن طرأَ الرياء على الإنسان، يعني: رجلٌ مخلص شرَع في الصلاة، ثم صار في قلبه شيء من الرياء، فهذا إن دافَعه فلا يضرُّه؛ لأن الشيطان يأتي للإنسان في عبادته التي هو مخلصٌ فيها من أجل أن يُفسدها عليه بالرياءِ.   أما إذا طرأ عليه الرياء بعد أن بدَأ الصلاة مخلصًا لله، ثم استمر على الرياء، والعياذ بالله، فإن الصلاة كلَّها تَبطُلُ.   وإذا فرغ الإنسان من العبادة وسمِع الناس يُثنون عليه وفرِح بهذا، فإن هذا الثناء لا يضرُّه؛ لأن العبادة وقَعت سليمة، وكون الناس يثنون عليه، فهذا من عاجل بُشرى المؤمن؛ (شرح رياض الصالحين - لابن عثيمين - جـ6 صـ343:341).   ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا - أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعَ به طلاب العلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣