أرشيف المقالات

رضا الله عن أهل الجنة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2رضا الله عن أهل الجنة
الحمد لله، مالك الملك، يُؤتي الملك مَن يشاء، وينزع الملك ممَّن يشاء، ويعزُّ من يشاء، ويذلُّ من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربُّه هاديًا ومُبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله تعالى بإذنه وسراجًا منيرًا.   أما بعد: فإن من أفضل نعم الله سبحانه على أهل الجنة، هو رضاه عنهم، فأقول وبالله تعالى التوفيق: روى الشيخان عن أبي سعيد الخُدْري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تُعْطَ أحدًا من خلقك، فيقول: أنا أُعطيكم أفضلَ من ذلك، قالوا: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحِلُّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا))؛ (البخاري، حديث: 6549/مسلم حديث: 2829).   قوله: ((أُحل)): أُنزل. قوله: ((أسخط)): أغضَب. قوله: ((لبيك))؛ أي: أنا مُقيم على طاعتك يا ربِّي. قوله: ((سعديك)): ساعدنا على طاعة أمرك واتباعه اتباعًا دائمًا.   قوله: ((يا أهل الجنة)): إضافتهم إليها لتشريفه لهم بها، ولم يقل: يا عبادي، ولا يا أهل الإيمان؛ لأن أهل الجنة أشرف من الوصفين وأخص؛ إذ هم المؤمنون الذين خرجوا عن الذنوب، فأدخلوا الجنة؛ (التنوير شرح الجامع الصغير؛ للصنعاني، جـ 3، صـ 415).   قوله: ((هل رضيتم؟))؛ أي: عن ربكم بما أعطاكم من النعيم الكامل في الجنة.   قوله: ((وما لنا نرضى))؛ معناه: أيُّ شيء مانع لنا من ألَّا نرضى عنك يا رب؛ (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح؛ علي الهروي، جـ 9، صـ3585).   قوله: ((أُحل عليكم رضواني)): قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: فيه إشارة إلى قوله تعالى: ﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [التوبة: 72]؛ لأن رضاه سبب كل فوز وسعادة، وكل من علم أن سيده راضٍ عنه كان أقرَّ لعينه، وأطيب لقلبه من كل نعيم؛ لما في ذلك من التعظيم والتكريم، وفي هذا الحديث أن النعيم الذي حصل لأهل الجنة لا مزيد عليه؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ 11، صـ 430).   قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: قوله: ((أُحل عليكم رضواني)) يدلُّ على أنه سبحانه وتعالى هو الذي كلَّمهم، وكلامه قديم أزَلي مُيسَّر بلغة العرب، والنظر في كيفيته ممنوع؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ 13، صـ 522).   شبهة والرد عليها: قال الإمام ابن بطال رحمه الله: استشكل بعض الناس هذا الحديث؛ لأنه يُوهم أن الله له أن يسخط على أهل الجنة، وهو خلاف ظواهر القرآن؛ كقوله تعالى: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة: 119]، وقوله سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].   الرد على هذه الشبهة: أجاب ابن بطال رحمه الله: بأن إخراج العباد من العدم إلى الوجود مِن تفضُّله وإحسانه، وكذلك تنجيز ما وعدَهم به من الجنة والنعيم مِن تفضُّله وإحسانه، وأما دوام ذلك فزيادة من فضله على المجازاة لو كانت لازمةً، ومعاذ الله أن يجب عليه شيء، فلما كانت المجازاة لا تزيد في العادة على المدة، ومدة الدنيا متناهية، جاز أن تتناهى مدة المجازاة، فتفضَّل عليهم بالدوام، فارتفَع الإشكال؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ 13، صـ 488).   يشهد لهذا الحديث قوله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 72].   فائدة الحديث: هذا الحديث دليلٌ على أن مقام الرضا من الله تعالى على العبد المؤمن فوقَ جميع المقامات؛ (فيض الباري على صحيح البخاري؛ محمد أنور شاه الهندي، جـ6، صـ 288).   ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا - أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكرام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.




شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن