أرشيف المقالات

كلمة عن صلة الرحم

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2كلمة عن صلة الرحم   هل يستوي قاطع صلة الرَّحِم مع مَنْ وَصَلَها؟ صلة الرَّحِم عَمَلٌ يَسيرٌ، لكنه عند الله عظيم الأجْر، فكثيرٌ من المسلمين مَنْ يَتعَمَّد قَطْعَ هذه الصِّلة إلَّا مَنْ رَحِمَ ربِّي، تراه يغدُو ذهابًا وإيابًا إلى المسجد، لا تفوتُه سجدةٌ، شديد الحرص على الفرائض والنوافل، تأتي مواسم الطاعة، رمضان، والعشر من ذي الحجة، وغيرها، فيكون من أشَدِّ الناس تعبُّدًا لله، يُكثِر من خَتماتِه في هذه المواسم، وغيرها، ويُكثِر من قيام الليل والمناجاة والاستغفار، وهو قاطِعٌ لرَحِمه.   تُرى كم تعبَّدْتَ لله ونسيتَ أنه لا يقبَلُ عمل قاطعٍ للرَّحِم؛ فتكون كالذي يحمِل كيسًا مثقوبًا يضَع فيه الكثير، فلا يشعُر إلَّا وهو خاوٍ، ولو أصلحْتَ هذا الثَّقْب لملكْتَ كنوزًا عظيمةً ثوابًا من عند الله.   اعلموا إخوتي في الله أن قاطع الرَّحِم لا يدخُل الجنة، هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قاطِعُ الرَّحِم لا يدخُل الجنة))، أتترك الجنة وتأخُذ بنفسِكَ إلى عذاب النار؟!   كثيرًا ما يُوسوِس لكَ شَيْطانُكَ، أو تُرغِمُكَ نفسُكَ على القدوم إلى هذا الذَّنْب العظيم، فترى القطيعةَ بين الناس تستمرُّ دَهْرًا، إمَّا لخلافٍ ماديٍّ أو موقف سخيف، يُقسِم أنه لن يدخُلَ بيتَه ولا يُكلِّمُه، فإذا هيَّأ اللهُ له الظروف بأبسط الطُّرُق فتتلاقى النفوس تَراهُ يُعرِض عنه، وإذا رآه في مجلس تخطَّاه مُصافِحًا الجميعَ إلَّا إيَّاه، كيف يستطيع هؤلاء فِعْلَ هذا؟! فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَحِلُّ لمسلمٍ أنْ يهجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاثٍ، فمَنْ هجَر فوقَ ثلاثٍ فمات دخَل النار))، ألا يكفيكَ من قطيعةِ الرَّحِم أن تكونَ ممَّن حُرِمَ مغفرة الله؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((تُعْرَضُ أعمالُ الناسِ في كُلِّ جُمُعة مرتين: يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيُغفَر لكُلِّ عبدٍ مؤمنٍ إلَّا عبدًا بينَه وبينَ أخيه شَحْناء؛ فيُقال: اترُكوا هذين حتى يصطَلِحا)).
فصلة الرَّحِم هي الدليل القوي على مدى حُبِّكَ وتعقُّلِك بالله سبحانه وتعالى؛ لما فيها من مجاهدة للنفس وعدم الخضوع لها، فصِلةُ الرَّحِم شُعبة من شُعَب الإيمان، وبها يستدِلُّ على من قوي إيمانُه ومَنْ ضعُف، والله إنِّي لأتعجَّب مِن تكبُّر النفس، وضَعف إيمانها والتطوُّع بنفس راغبة في قَطْع الرَّحِم.   إن الدنيا بها الكثير من المشاكل التي تؤدِّي إلى قطْع الأرحام، وتزايُد الجفاء بين قلوب البعض؛ ترى الأخ يُعرِض عن أخته، ويتمنَّع عن صِلَتِها، وترى الأبناء، وقد جحدت قلوبهم، وقطعوا آباءهم، ترى الجار قاطع لجاره لا يعلم عنه شيئًا، ترى الأقارب كلٌّ منهم في عالمه، تأتي المناسباتُ تِلْوَ الأخرى، وهؤلاء جميعًا قد أصابَ قلوبَهم الجفاءُ، وتحجَّرَتْ، وأصبح التكبُّر عنوانًا لهم، فكُلٌّ منهم يريد الآخر أن يصِلَه أولًا، لا يتجرَّأ البعض على أن يهدم حاجزًا تطاوَلَ بُنيانُه بينه وبين الجميع، ليس لديه الجُرأة أو الرغبة في أخْذِ المبادرة أولًا، يرى أنه من الضعف أن يكون هو الواصل، وأنه للأسف بذلك جعل نفسه تزداد قوةً؛ إن القوة هي انتصارُكَ على نفسِكَ لجعْلِها تفوزُ بحُبِّ الله، عن أبي هُريرة رضي اللهُ عنهُ أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعُوني، وأحسن إليهم ويُسيئون إلي، وأحلمُ عنهم ويجهلون علي! فقال: (لئن كُنتَ كما قلتَ فكأنما تُسفهم المل، ولا يزالُ معك من الله تعالى ظهيرٌ عليهم ما دُمتَ على ذلك) رواه مسلم.   عليكَ بتَكرار المحاولة مرات عديدة بلا كَلَلٍ؛ فالجنة غالية ورضا الله أعظمُ، حاوِلْ أن تُجاهدَ مرات ومرات، وتكون أنت المبتدئ، افعلها ابتغاءً لمرضات الله، ولا تُبال بردود الأفعال منهم، ولا تنتظر شكرًا لشيء فعلتَه لوجه الله، افعلها وامدُدْ يدَكَ بالمصافحة، فإن أعرض عنْكَ فقد برِئَتْ ذِمَّتُكَ والذنب سيكون على مَنْ أعرض، افعَلها وستجد بركةً في الرزق، لتَكُنْ هذه المرة زيارة وتلك المرة مكالمة هاتفية، كن أنت صائدًا للحَسَنات، ولا تُضِع أعمالَكَ بسبب تكبُّر النفس عن فعل الخير، واترُكهم لنفوسهم، فيومًا ما ستصرُخ النفس عند المحاسبة والعبور على الصراط والوقوف بين يدي الله وتقول: يا ليتني كنت المبتدئ، يا ليتني وصلتهم حتى لو لم ألقَ إحسانًا منهم، يا ليتني كنت آثرْتُ حُبَّ الله في قلبي حتى لو أعرضوا عني.   ذكِّرْ نفسَكَ كلَّ يومٍ أنَّ عرْضَ الأعمال على الله قريبٌ، وهذا اليوم لا ينفع فيه ندمٌ، ولن تستطيعَ الرجوع لتُصحِّحَ ما أخذته معَكَ في ميزانِكَ، فتفنَّن في وَصْل الأرحام، فأبواب صلة الرَّحِم كثيرة، منها بِرُّ الوالدين، أو قضاء حاجة البعض من أقاربِكَ أو جيرانِكَ أو عابر سبيل لا تعرِفُه، صِلْ رَحِمَكَ، وتصدَّقْ حتى على الكاشح منهم؛ فإن أعظم الصَّدَقة صَدَقة الكاشِح؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أفضل الصَّدَقة، الصَّدَقةُ على ذي الرَّحِم الكاشح))؛ إسناده صحيح،   والمعنى هنا هو أن أعظم الصَّدَقة تكون على ذي رَحِمٍ كارهٍ لَكَ؛ أرأيتَ أنَّ أعمالَكَ لا تضيع؟! إذًا مَنْ مِنَّا الآن سيُجدِّد النية أن يكون هو الواصل أولًا، فلا يُبالي إن وصلَه أقاربُه أو أعرضُوا عنه؟ مَنْ مِنَّا سيقول لله سَمْعًا وطاعةً يا خالقي؟ أَوَليس هو الذي أمرَكَ بصِلة الرَّحِم؟ قال الله عز وجل في الحديث القدسي: ((أنا الرحمنُ، خلقْتُ الرَّحِمَ، وشقَقْتُ لها اسْمًا من اسمي، فمَنْ وَصَلَها وَصَلْتُه، ومَنْ قَطَعَها قطعتُه، ومَنْ ثبَّتْها، ثبَّتُّه، إنَّ رحمتي سَبَقَتْ غَضَبي))؛ رواه أحمد، والبخاري.   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ الواصِلُ بِالْمُكافئ، ولكن الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا))؛ رواه البخاري.
فاحذَرْ أنْ تكونَ ممَّن قطَع رَحِمَه فقَطَعَه اللهُ.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣