أرشيف المقالات

التبكير إلى صلاة الجمعة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2التبكير إلى صلاة الجمعة   إنَّ يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وقد صرف الله تعالى عنه الأمم السابقة، وجعله يومًا فاضلًا لهذه الأُمَّة المرحومة، وفيه من الأعمال الصالحة ما يحسن بالمسلم الحرصُ عليها، والإتيان بها، ومنها: 1- التبكير في الذَّهاب لصلاة الجُمُعة. 2- الغسل والتنظُّف قبل الجُمُعة. 3- أن يذهب إليها راجلًا. 4- أن يقرأ سورة الكهف.   5- أن يتحرَّى ساعة الإجابة، وأرجح الأقوال فيها قولان: أ- عند دخول الإمام حتى نهاية الصلاة. ب- آخر ساعة بعد العصر.   6- أن يُكثِر من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجُمُعة وليلتها، وغير ذلك من الأعمال مما ورد ذكره في كتاب "زاد المعاد" لابن القيم رحمه الله تعالى.   هل تأملتَ فضيلة التبكير إلى الجُمُعة، فقد أخرج البخاري ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ))[1]، فالتبكير إليها غنيمة عظيمة، وعطية عُظْمى لمن وفَّقه الله تعالى، وإن الإنسان ليستحيي أن يكون نصيبه البيضة، في حين أن كبارًا ومرضى حازوا على نصيب البَدَنة والبقرة، فتأمَّل كثيرًا، فهل حاولت أن يكون لك النصيب الوافر من الساعات الأولى في هذا اليوم المبارك ولو في بعض الجُمعات؟   إنَّ التبكير إلى الجُمُعة هو سويعات يقضيها المسلم في بيت من بيوت الله تعالى، منتظرًا للصلاة، ذاكرًا لله تعالى بما يُوفِّقه الله إليه من الأقوال، والأفعال، وذلك فضل عظيم يؤتيه الله تعالى مَنْ يشاء، والله ذو الفضل العظيم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هو يهنأ بتلك الساعات، وتقرُّ عينُه بدعوات الملائكة له بقولهم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ»، فلو تأمَّل المتأخرُ ما يناله المتقدِّمُ من الأجور، والمنح؛ لبادر كما يبادر الموفقون، وعمل ما يكون سببًا لتبكيره، ومبادرته لهذا العمل المبارك.
ورد في حديث صحَّحه بعضُهم، وحسَّنه آخرون، قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ، وَأَنْصَتَ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا))[2]، وذلك فضل عظيم، يقول عنه الأئمة: "لا نعلم حديثًا في الشريعة يحتوي على مثل هذا الفضل"، فلعلك - أخي الكريم - تكون جادًّا في تحصيل ذلك، ولو في بعض الجُمُعات، محتسبًا الأجر عند الله تعالى، تخطو تلك الخطوات، مطبقًا شروط هذا الحديث، لعلك تحظى بهذا الفضل العظيم.
ورد أنَّ الملائكة عليهم السلام إذا كان يوم الجُمُعة وقفتْ على كل باب من أبواب المسجد، يكتبون من جاء إلى الجُمُعة، الأولَ فالأولَ، فإذا خرج الإمامُ طوتِ الملائكةُ الصحفَ، ودخلت تستمع الذكر، وفي رواية الخطبة.
فتأمل كثيرًا في مجيئك إلى الجُمُعة، أين كُتِبَ اسمُكَ؟ وإن كان كُلٌّ له فضله، وأجره؛ لكن أول القائمة يختلف عن آخرها، فاحرص أن يُكْتبَ اسمُكَ مع السابقين، والمبادرين، فمن فعل السبب رُزِقَ الجزاء، وإن عجزتَ وحدك، فشدَّ أزْرَك بأحدِ إخوانِك، تعاونًا على البرِّ والتقوى.
التبكير إلى الجُمُعة، والقُرْب من الإمام عملٌ كبيرٌ فاضلٌ، فإن الله تعالى يتجلَّى لأوليائه المؤمنين في الجنة في كل يوم جمعة، ويزورونه، فيكون أقربُهم منه أقربَهم إلى الإمام، وأسبقُهم إلى زيارة الله أسبقَهم إلى الجُمُعة، وإنَّ هذا التبكير يحتاج إلى راحة البدن ليلةَ الجمعة؛ فلا تُضَحِّ بالتبكير مقابل السهر؛ ولكن ضَحِّ بالسهر مقابلَ التبكير، فقارن بينهما؛ تجد الفرق والبون الشاسع، واسأل الله تعالى التوفيق والإعانة؛ فالدعاء أحد الأسباب لنيل هذا الثواب.


[1] أخرجه البخاري في صحيحه برقم (881) 2/ 3، ومسلم في صحيحه برقم (850) 2/ 582. [2] أخرجه أحمد في المسند برقم (16173) 26/ 92، وأبو داود في سننه برقم (345) 1/ 259، والترمذي في جامعه برقم (496) 2/ 367، والنسائي في سننه برقم (1384) 3/ 97، وابن ماجه في سننه برقم (1087) 2/ 188، وابن خزيمة في صحيحه برقم (1758) 2/ 850، وابن حبان في صحيحه برقم (2781) 7/ 19، والحاكم في المستدرك برقم (1040) 1/ 417، وصحَّحه عبدالقادر الأرناؤوط في تحقيق جامع الأصول 9/ 429، والنووي في خلاصة الأحكام 2/ 821.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١