أرشيف المقالات

ألا يمكن أن أكون أنا المنادى؟

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2ألا يمكن أن أكون أنا المنادى؟   أخي الحبيب، كم مرة رأيْتَ أو سمِعْتَ مُناديًا يُنادي ويقول: فلانٌ قد ترك أهلَه، وفارقَ الحياة، وترك الأهلَ والمالَ والعيالَ، وترَكَ الطعامَ، والشرابَ، والهواءَ، وترك مُتَعَ الدنيا بلذَّاتها وشهواتها.   أفلا يمكن أن أكون المنادى؟ بلى يمكن! ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ﴾ [ق: 19]. ألا يمكن أن أكونَ مَنْ فَقَدَ الحياة، وترك الديار؟! بلى يمكن. ألا يمكن أن أكونَ مَنْ ترمَّلَتْ زوجتُه، ويُتِّمَتْ أولادُه؟! بلى يمكن.   فستترك مالك الذي جمعته، وذريَّتَك التي كبرتها، ولا يبقى معك إلا عملُكَ، والله عز وجل يُذكِّرنا بذلك في كتابه ويقول: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ﴾ [الأنعام: 94]، ورَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ((يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ، وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ))[1].   فإذا لم تكن مكانه اليوم فستكون غدًا، أو بعد غدٍ لا محالة؛ لأن كل نفس مآلها ومرجعها إلى خالقها ومالكها؛ قال تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27]، وقال: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 34، 35].   ألا من وقفة ليوم الرحيل؟! فعلى كل ذي لُبٍّ أن يقف مع نفسه وقفةً متأمِّلًا في حاله، مُحاسِبًا لعمله، فقل في نفسك: ماذا إذا كنت مكان فلان وفلانة، أو كنت في الحادث كذا، أو في المشفى كذا ﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33].   فماذا لو كنت أنا؟! على أي حالة مت، وعلى أي حالة تركتَ، وعلى أي حالة ملئت صحائفك، وعلى أي حالة رجحان للميزان. على أي حالة ستموت؟ وعلى أي حالة ستلقى معبودك؟ على طاعة ورضا ورضوان أم على سخطٍ وغضبٍ وعصيان؟   ألا فاعتبر، ألا فاتَّعِظ.. فيا هذا اتَّعِظ، ويا ذاك اعتبر، فإن لم تتَّعِظ اليوم، فستكون عبرةً لغدٍ، ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنعام: 27]، ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ [فاطر: 37].   مَن تريد أن تكون؟ ممكن قال الله فيهم: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الدخان: 51 -57]، أم ممن قال الله فيهم: ﴿ فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا ﴾ [النبأ: 30].   اختر طريقك ومصيرك، فلن ينفعك أحد: ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 34 -37].   ألا فحاسب نفسك.. ((إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاء، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ))[2].   فكن حامدًا شاكرًا، كن مستغفرًا تائبًا، كن عابدًا قانتًا، كن مُصلِّيًا خاشعًا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 18]، إذًا فماذا تنتظر، هيا استعد.   نعم، هيا نستعدُّ للقاء الله في أي وقت ولحظة بتوبتنا على ما فات، واستغفارنا على ما سلف وكان، وندمنا على ما مضى وراح، وإقبالنا على ما هو آتٍ ﴿ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ﴾ [العنكبوت: 5]، ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].   وصلِّ اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلِّم.


[1] متفق عليه ؛ البخاري (8 /107)، ومسلم (/2273). [2] صحيح البخاري (8/ 89)؛ من كلام ابن عمر رضي الله عنهما.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١