أرشيف المقالات

حديث: خمس من الدواب كلهن فواسق

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2حديث: خمس من الدواب كلهن فواسق   عن عائشة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خمس من الدواب كلهن فواسق، يُقتلن في الحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة والكلب العقور".   ولمسلم: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم".   ♦ قوله: (خمس من الدواب كلهنَّ فواسق يقتلن في الحرم)، وفي حديث ابن عمر: "خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح"، وفي رواية عن عمر قالت حفصة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس من الدواب لا حرج على من قتلهن"؛ الحديث.   ♦ قال الحافظ: وأخرجه مسلم عن شيبان عن أبي عوانة، فزاد فيه أشياء، ولفظه: سأل رجل ابن عمر ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم؟ فقال: حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفارة والعقرب والحداة والغراب والحية، قال: وفي الصلاة أيضًا، فلم يقل في أوله خمسًا، وزاد الحية، وزاد في آخره ذكر الصلاة؛ لينبه بذلك على جواز قتل المذكورات في جميع الأحوال، قال: وقد وقع في حديث أبي سعيد عند أبي داود نحو رواية شيبان، وزاد السبع العادي، فصارت سبعًا، وفي حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة وابن المنذر زيادة ذكر الذئب والنمر على الخمس المشهورة، فتصير بهذا الاعتبار تسعًا، لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور[1].   ♦ قوله: (من الدواب)، جمع دابة، وهي ما يدب على الأرض من طير وغيره.   قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6]. ♦ قال الحافظ: (قال النووي وغيره: تسمية هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية على وفق اللغة، فإن أصل الفسق لغة الخروج ومنه، فسقت الرطبة: إذا خرَجت عن قشرها، وقوله تعالى: ﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ [الكهف: 50]؛ أي: خرج وسُمِّي الرجل فاسقًا لخروجه عن طاعة ربه، فهو خروج مخصوص.   قال: وأما المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق، فقيل: لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله، وقيل لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع، ومن ثم اختلف أهل الفتوى، فمن قال بالأول ألحق بالخمس كل ما جاز قتلُه للحلال في الحرم وفي الحل، ومن قال بالثاني أُلحق ما لا يؤكل إلا ما نهى عن قتله، وهذا قد يجامع الأول، ومن قال بالثالث يخص الإلحاق بما يحصل منه الإفساد، ووقع في حديث أبي سعيد عند ابن ماجه قيل له: لِمَ قيل للفارة فويسقة، فقال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ لها وقد أخذت الفتيلة لتحرق بها البيت، فهذا يومئ إلى أن سبب تسمية الخمس بذلك، لكون فعلها يثبه فعل الفساق وهو يرجح القول الأخير، والله أعلم)[2].   ♦ قوله: (يقتلن في الحرم)، وفي حديث ابن عمر: خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح.   ♦ قال الحافظ: (وعرف بذلك أنْ لا إثم في قتلها على المحرم ولا في الحرم، ويؤخذ من جواز ذلك للحلال وفي الحل من باب الأولى، وقد وقع ذكر الحل صريحًا عند مسلم من طريق معمر عن الزهري عن عروة بلفظ: "يقتلن في الحل والحرم"، ويعرف حكم الحلال بكونه لم يقم به مانع، فهو بالجواز أولى.   ♦ قوله: (الغراب) في رواية عند مسلم: الأبقع، وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض.   ♦ قال الحافظ: قال ابن قدامة: يلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء وتحريم الأكل، وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب، ويقال له: غراب الزرع، ويقال له: الزاغ، وأفتوا بجواز أكده، فبقي ما عداه من الغربان ملتحق بالأبقع، ومنها الغداف على الصحيح في الروضة بخلاف تصحيح الرافعي، وسمى ابن قدامة الغداف غراب البين، والمعروف عند أهل اللغة أنه الأبقع، قيل: سُمي غراب البين؛ لأنه بان عن نوح لما أرسله من السفينة ليكشف خبر الأرض، فلقي جيفة فوقع عليها، ولم يرجع إلى نوح.   وقال صاحب الهداية: المراد بالغراب في الحديث الغلاف والأبقع؛ لأنهما يأكلان الجيف، وأما غراب الزرع فلا.   ومن أنواع الغربان الأعصم، وهو الذي في رجليه أو في جناحيه أو بطنه بياضٌ، أو حُمرة، وله ذكر في قصة حفر عبدالمطلب لزمزم وحُكمه حكم الأبقع، ومنها العقيق وهو قدر الحمامة على شكل الغراب، قيل: سُمي بذلك؛ لأنه يعق فراخه، فيتركها بلا طعم، وبهذا يظهر أنه نوع من الغربان، قال وحُكمه حُكم الأبقع على الصحيح، وقيل: حُكم غراب الزرع، وقال أحمد: إن أكل الجيف وإلا فلا بأس به)[3].   ♦ قوله: (والحدأ) بكسر أوله وفتح ثانيه بعدها همزة بغير مد، وفي رواية: الحديَّا بضم أوله وتشديد التحتانية. ♦ قال الحافظ: (ومن خواص الحدأة أنها تقف في الطيران، ويقال: إنها لا تختطف إلا من جهة اليمين. ♦ قوله: (والعقرب).   ♦ قال الحافظ: وقد تقدم اختلاف الرواة في ذكر الحية بدلها في حديث الباب ومن جمعهما، والذي يظهر لي أنه صلى الله عليه وسلم نبَّه بإحداهما على الأخرى عند الاقتصار، وبين حكمهما معًا حيث جمع، قال ابن المنذر: لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب، وقال نافع: لَمَّا قيل له: فالحية؟ قال: لا يختلف فيها، وفي رواية: ومن يشك فيها.   ♦ قوله: (والفأرة).   ♦ قال الحافظ: لم يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم، إلا ما حكي عن إبراهيم النخعي؛ فإنه قال: فيها جزاء إذا قتلها المحرم أخرجه ابن المنذر، وقال: هذا خلاف السنة وخلاف قول جميع أهل العلم، وروى البيهقي بإسناد صحيح عن حماد بن زيد قال: لما ذكروا له هذا القول ما كان بالكوفة، أفحش ردًّا للآثار من إبراهيم النخعي لقلة ما سمع منها، ولا أحسن اتباعًا لها من الشعبي لكثرة ما سمع.   وقال: والفأر أنواع منها الجرذ بالجيم بوزن عمر، والخُلْد بضم المعجمة وسكون اللام، وفأرة الإبل، وفأرة المسك، وفأرة الغيط، وحكمها في تحريم الأكل وجواز القتل سواء)[4].   ♦ قوله: (والكلب العقور)، قال مالك في الموطأ: كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم؛ مثل: الأسد والنمر والفهد والذئب، هو العقور.   ♦ قال الحافظ: (وهو قول الجمهور، وقال بعض العلماء: أنواع الأذى مختلفة، وكأنه نبَّه بالعقرب على ما يشاركها في الأذى باللسع، ونحوه من ذوات السموم؛ كالحية والزنبور، وبالفأرة على ما يشاركها في الأذى بالنقب والقرض كابن عرس، وبالغراب والحدأة على ما يشاركها في الأذى بالاختطاف كالصقر، وبالكلب العقور على ما يشاركه في الأذى بالعدوان والعقر كالأسد والفهد)[5]؛ انتهى.   قال في القاموس: ابن عرس دويبة أشتر أصلم أسك.   تتمة: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الوزع فويسق"، ولم أسمعه أمر بقتله؛ رواه البخاري.   ♦ قال الحافظ: (وقضية تسميته إياه فويسقًا أن يكون قتله مباحًا، وكونها لم تسمعه لا يدل على منع ذلك، فقد سمعه غيرها، انتهى.   ♦ ونقل ابن عبدالبر: الاتفاق على جواز قتله في الحل والحرم، وروي ابن أبي شيبة أن عطاء سئل عن قتل الوزغ في الحرم، فقال: إذا آذاك فلا بأس بقتله)[6]؛ والله أعلم.   ♦ قال في الاختيارات: (والقمل والبعوض والقرد إن قرصه قتَله عقابًا، وإلا فلا يقتله، ولا يجوز قتل النحل وهو يأخذ عسله، وإن لم يندفع ضرره إلا بقتله جاز[7]؛ انتهى والله أعلم.


[1] فتح الباري: (4/ 35). [2] فتح الباري: (4/ 37). [3] فتح الباري: (4/ 38). [4] فتح الباري: (4/ 38). [5] فتح الباري: (4/ 40). [6] فتح الباري: (4/ 41). [7] الاختيارات الفقهية: (1/ 466).



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير