أرشيف المقالات

اخدم نفسك

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2 اخدم نفسك
التعاون سنة من سنن الحياة، ذلك أن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بشؤون نفسه جميعها، ويبدأ هذا التعاون من الأسرة، حيث يؤدي كل فرد فيها دوره تجاه الآخرين..
ثم يتوسع حتى يكون بين أفراد المجتمع.   ومع هذا فقد حرص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، على أن يقوم كل إنسان بما يستطيع من خدمة نفسه وقضاء حاجاتها، فلا يلجأ إلى طلب معاونة غيره، بل لا يقبل معاونة غيره إلا عند الحاجة.   وبهذا يُخَفَّفُ العبء عن بقية أفراد الأسرة ضِمن الأسرة، وعن أفراد المجتمع ضمن المجتمع. وقد رأينا كيف كان صلى الله عليه وسلم يخدم نفسه، ولا شك بأنه كان هناك من يخدمه لو أراد.   وقد كان توجيهه الكريم إلى أن لا يسأل الإنسان الناس شيئًا إذا استطاع، ولا شك بأنه من الصعب ذلك كلية، ولكنه توجيه إلى الاعتماد على الذات قدر المستطاع.   وفي ضوء ذلك نفهم الحديث التالي: عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة - أو ثمانية أو سبعة -. فقال: «ألا تبايعون رسول الله؟» وكنا حديث عهد ببيعة. فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثم قال: «ألا تبايعون رسول الله؟». فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثم قال: «ألا تبايعون رسول الله؟».   قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟. قال: «على أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتطيعوا - وأسر كلمة خفية - ولا تسألوا الناس شيئًا».   فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدًا يناوله إياه[1].   وعن ثوبان - مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يكفل لي أن لا يسأل الناس شيئًا، وأتكفل له بالجنة؟» فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحدًا شيئًا[2].   ولننظر في هذه الصورة التي ينقلها لنا أنس رضي الله عنه، من واقع حياة الصحابة رضي الله عنهم، والنبي صلى الله عليه وسلم بينهم.   قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلًا في يوم حار، أكثرنا ظلًا صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصوام، وقام المفطرون، فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذهب المفطرون اليوم بالأجر»[3].   إن الصيام أضعف الصائمين عن القيام بنصيبهم، وما يخصهم من العمل، فقام به المفطرون.
وذهبوا بالأجر.   إن خدمة الإنسان نفسه مقدمة على الصيام حيث يمكن الفطر.
وهذا تعليم منه صلى الله عليه وسلم: كيف يكون ترتيب الأولويات.   ومما يؤكد هذا المعنى ما أخرجه النسائي عن أبي هريرة قال: أُتَي النبي صلى الله عليه وسلم، بطعام بمر الظهران.
فقال لأبي بكر وعمر: «ادنيا فكلا» فقالا: إنا صائمان، فقال: «ارحلوا لصاحبيكم، اعملوا لصاحبيكم»[4].   وهكذا لفت الرسول صلى الله عليه وسلم نظرهما: إلى أن صيامهما سيجعل بقية الصحابة يتحملون عبء القيام بما كان ينبغي أن يقوما به من أعمال، فيقول بعضهم لبعض: ارحلوا لصاحبيكم، اعملوا لصاحبيكم.   وتصبح مقولة «اخدم نفسك» أدبًا من آداب الإسلام.


[1] أخرجه مسلم برقم (1043) وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجه.
[2] أخرجه أبو داود برقم (1643) وكذا النسائي وابن ماجه. [3] متفق عليه (خ 2890 م 1119).
[4] أخرجه النسائي برقم (2263).



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢