أرشيف المقالات

فوائد منتقاة من كتاب سؤالات السلمي للدارقطني

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
2فوائد منتقاة من كتاب سؤالات السلمي للدارقطني [1]   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد: فهذه مقتطفات من كتاب سؤالات السلمي للدارقطني، أظهرتْ عِظم هؤلاء الأئمة، وصورًا رفيعة من تاريخنا المُشرق.   دعوات مستجابة: (1) سُئِل الدارقطني عن أبي بكر بن مالك القطيعي، فقال: ثقة، زاهد، قديمًا سمعتُ أنه مجاب الدعوة.   (2) قال يوسف بن يعقوب القاضي: خرج توقيع أمير المؤمنين المعتضد إلى عبيدالله بن سليمان وزيره: «استوصِ بالشيخين الخيرين الفاضلين خيرًا: إسماعيل بن إسحاق، وموسى بن إسحاق؛ فإنهما ممن إذا أراد الله عز وجل بأهل الأرض عذابًا، صرف عنهم بدعائهما».   هيبة العلماء: (3) قال أبو بكر محمد بن داود بن سليمان: بلغني أن يحيى بن يحيى وإسحاق الحنظلي - كانا يمران في بعض طرقات «نيسابور»، فتضايق بهم الطريق، فقال يحيى بن يحيى: تقدم يا أبا يعقوب، فقال إسحاق: لولا أن مخالفتك عندي أعظم من تقدمي، ما تقدَّمت.   ورع العلماء الربانيين وحكمتهم: (4) وسئل الدارقطني عن أحمد بن عمير بن جوصا، فقال: تفرد بأحاديث، ولم يكن بالقوي.
سمعتُ دعلج بن أحمد يقول: دخلت دمشق، فكتب لي عن ابن جوصا جزءًا، ولستُ أحدِّث عنه؛ فإني رأيت في داره جرو كلب صيني، فقلت: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن اقتناء الكلب، وهذا قد اقتنى كلبًا.   (5) وقال أبو بكر أحمد بن المطلب بن عبدالله بن الواثق الهاشمي، قال: كنا يومًا عند القاسم بن زكريا المطرز - وكان يقرأ عليه مسند أبي هريرة - فمر في كتابه حديث عن الكديمي، فامتنع من قراءته، فقام إليه محمد بن عبدالجبار - وكان أكثر عن [الكديمي] - فقال: أيها الشيخ، أحب أن تقرأه، فأبى، وقال: أجاثيه بين يدي الله عز وجل، وأقول: إن هذا كان يكذب على رسولك، وعلى العلماء.   (6) وقال أبو بكر بن أبي الأسود: كان خالي عبدالرحمن بن مهدي يترك الحديث عن الحسن بن أبي جعفر الجفري، و[عباد] بن صهيب، وغيرهما من أهل القدر، للمذهب والضعف، فلما كان بأخرة حدَّث عنهم، وخرَّجهم في تصانيفه، فقلت: يا خال، أليس قد كنت أمسكت عن الرواية عن هؤلاء؟ فقال: نعم، لكن خفت أن يخاصموني بين يدي ربي، فيقولون: يا رب، سل عبدالرحمن لِمَ أسقَط عدالتنا؟!   (7) وقال عبدالرحيم بن إسماعيل القاضي: كان أبي - إسماعيل بن إسحاق القاضي - في يوم الجمعة قاعدًا وعنده شهود، فاستأذن عليه عبدون أخو صاعد الوزير، فأذن له، وقام إليه وبره، وأقعده بجنبه، فتغيَّر له من حضره من شهوده، وأحد من تغير له: أبو جعفر أحمد بن حرب الشاهد، وكان رجلًا فيه خشونة، فانسل قليلًا قليلًا، وخرج من المجلس، فرآه إسماعيل ولم يقل شيئًا، ثم قام عبدون أخو صاعد، فقام إليه إسماعيل وأصرفه، ثم قال للمشايخ الذين حضروا من الشهود: لم يخفَ عليَّ إنكاركم علي قيامي لهذا الرجل، ولا خروج أحمد بن حرب، هذا رجل سفير بيننا وبين السلطان، يبلغه حوائجنا ورسالاتنا، وقال الله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ ﴾ [الممتحنة: 8]، وهل كان إلا أني بررته حين دخل وحين خرج، تعلموا العلم، ولا تغفلوا عنه!   (8) كانَ في حجر أبي إسماعيل يتيم سنين، فبلغ وله أم، وكانت لأمه أخت في دار السلطان أمير المؤمنين المعتضد، فقالت أم اليتيم لأختها: كلِّمي لي أمير المؤمنين حتى يرفع إسماعيل القاضي الحجر عن ولدي، فكلَّمته، فدعا المعتضد عبيدالله بن سليمان بن وهب وزيره، وقال: قل لإسماعيل القاضي حتى يرفع الحجر عن فلان، فدعاه الوزير وقال: إن أمير المؤمنين يأمرك أن ترفع الحجر عن فلان، فقال: حتى أسأل عنه، فقال: أمير المؤمنين يأمرك بذلك! فقال: حتى أسأل، فقام، وسأل عنه، فلم يخبر عنه برشد، فتركه، وأتى على ذلك أيام، فرجعت والدة الصبي إلى أختها، وسألتها أن تعاود أمير المؤمنين، وكان المعتضد لا يعاود في حديث من خشونته، قال: فعاودته، فقال: أليس قد أمرتُ؟! فقالت: لم يرفع عنه بعدُ، فدعا وزيره عبيدالله ثانيًا، فقال: أمرتك أن تأمر إسماعيل القاضي أن يرفع الحجر عن فلان؟! فقال: قد قلت له ذلك، فقال: حتى أسأل عنه، فقال: قل له حتى يرفع الحجر عنه، فدعاه الوزير ثانيًا، وقال: يأمرك أمير المؤمنين أن ترفع الحجر عن فلان، فأطرق إسماعيل ساعة، ثم استدعى دواة وبياضًا، وكتب فيها شيئًا وختمه، فاستعظم الوزير أن يختم عليه كتابًا، ولم يقل له شيئًا لمحل إسماعيل من الورع، ودفع إلى الوزير، فقال: أوصل هذا إلى أمير المؤمنين؛ فإنه جوابه، قال: فأخذه الوزير، ودخل على المعتضد وقال: زعم أن هذا جواب أمير المؤمنين، ففتح المعتضد الكتاب، فقرأه، ثم رمى به، وقال: لا تعاوده في هذا، فأخذه عبيدالله الوزير الرقعة، فإذا هو قد كتب: ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [ص: 26].   من الطرائف: (9) قال ابن إدريس: كتبتُ حديث أبي الحوراء، فخِفتُ أن أصحف فيه، فأقول: «أبو الجوزاء»، وكتبت في أسفله: «حور عين».   (10) وسُئِل الدارقطني عن رقبة بن مصقلة، فقال: هو ثقة، إلا أنه كان فيه دعابة.   (11) وسئل عن عمرو بن علي عن أبي موسى وبندار؟ فقال: ثقتان، يقبل منهما كل شيء، إلا ما يتكلم أحدهما في صاحبه، قال: وكان أبو موسى فيه سلامة، وكان يقول: لنا شرف، قيل له: أي شرف؟ فقال: نحن من عنزة، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى إلينا، يعني به قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى إلى عنزة.   قوة الذاكرة: (12) قال الدارقطني: أبو إسماعيل الأسدي اسمه: راشد، وولد له أربع بنين في بطن واحد، حدثوا جميعًا عمر بن أبي إسماعيل، يحدث عن نافع، ومحمد بن أبي إسماعيل، يحدِّث عن عبدالرحمن بن هلال، وإسماعيل بن أبي إسماعيل يحدث عن سعيد بن جبير.   (13) وقال: ربعي، ومسعود، وربيع: بنو حراش، هم عبسيون.   (14) وقال: حدث روح بن القاسم عن مالك، وسعيد بن أبي عروبة، وحماد بن سلمة، وعبيد الله، والأوزاعي، وابن عيينة، وابن أبي ذئب، وما جمع عن هؤلاء المشايخ أحد غيره.   (15) وسُئل عن بني حوشب؟ فقال: هم إخوة: سيف بن حوشب، والعوام بن حوشب، ويوسف بن حوشب، ومنير بن حوشب، وطلاب بن حوشب، وخراش بن حوشب، وكلهم حدثوا، وطلاب يكنى: أبا مريم، وخراش هو والد شهاب بن خراش، وكنية العوام: أبو عيسى.   (16) وسُئل عن عبدالله بن حبيب بن أبي ثابت؟ فقال: هم ثلاثة إخوة: عبدالله، وعبيدالله، وعبدالسلام، وكلهم ثقات.   (17) وسُئِل كَمْ من المشايخ من اسمه: عياش؟ فقال: "عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن مخزوم له صحبة، ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعياش بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، أخو أبي بكر، وأمه أم حسن بنت الزبير بن العوام، وعياش بن عمرو [العامري]، كوفي، سمع عبدالله بن أبي أوفى، روى عنه الثوري، وشريك، وعياش بن مونس، عداده في الشاميين، يحدث عن شداد بن شرحبيل، وعياش بن يزيد، شامي، يحدث عن عطية، وعياش الكلبي يحدث عن أنس، روى عنه شعبة، وعياش بن عباس القتباني، مصري، روى عنه الليث بن سعد، وابنه عبدالله، وعياش بن عقبة، مصري، سمع يحيى بن ميمون، روى عنه ابن المبارك، وعياش بن أبي سنان العتكي، سمع أبا نضرة، روى عنه أبو الوليد، يعد في البصريين، وعياش بن عبدالله كاتب عثمان، روى عنه قتادة، وعياش بن عبدالله، [عن] عمرو بن سلمة، عداده في الكوفيين، وعياش بن عبدالله بن أبي ثور، روى عنه محمد بن إسحاق، حجازي، وعياش بن سعيد بن أبي المعلى الأنصاري، وعياش الرعيني، يروي عن معاوية بن حديج، عداده في [المصريين]، وعياش بن الوليد الرقام، وعياش بن المغيرة بن عبدالرحمن المدني، وعياش والد أبي بكر بن عياش، هذا ما يحضرني في الوقت".   (18) وسئل عن عاصم بن عامر، فقال: هم ثلاثة إخوة: عاصم، وسهل، وإسماعيل؛ بنو عامر، كوفيون، وهم من شيوخ الشيعة.   (19) وسئل عن فرقد السبخي؟ فقال: هو من الزهاد، وهو فرقد بن يعقوب، يروي عن مرة الطيب، وسعيد بن جبير، روى عنه همام، وصدقة وفرقد آخر أدرك النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال الحسن بن مهران: رأيتُ فرقدًا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعمت معه.
وفرقد مولى عمر بن الخطاب، سمع عمر، وفرقد مولى الشريد، وفرقد الخياط، سمع أنسًا، روى عنه يونس بن يزيد، وفرقد بن الحجاج، أبو نصر البصري، سمع عقبة بن أبي الحسناء، روى عنه عبدالصمد بن عبدالوارث، وقال: فرقد السبخي كنيته: أبو يعقوب.   (20) وسُئل عن محمد بن إسحاق السراج؟ فقال: هم ثلاثة إخوة: إبراهيم، وإسماعيل، ومحمد؛ بنو إسحاق بن إبراهيم السراج، وحدثوا جميعًا، وكان كلهم ثقات، وكان لإسماعيل ابن يقال له: أبو عمرو بن إسماعيل ببغداد، وكان من الأفاضل.   (21) وعَنْ يحيى بن صاعد؟ فقال: ثقة، ثبت، حافظ، وبنو صاعد ثلاثة: يوسف، وأحمد، ويحيى، يوسف عن خلاد بن يحيى ومن دونه، وأحمد: يحدث عن أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة، وله تصنيفات في الكلام، ويحيى بن محمد بن صاعد: أكثرهم حديثًا، وأعرفهم به.   (22) وقال: دَخل عطاء بن السائب البصرة، وجلس، فسماع أيوب وحماد بن سلمة في الرحلة الأولى صحيح، والرحلة الثانية فيه اختلاط.   أُمُّنا عائشة: (23) قال الدارقطني: كان زياد بن أبي سفيان يكتُب إلى عائشة أم المؤمنين: «من زياد بن أبي سفيان»، ويبعث إليها بمال رجاءَ أن تكتب إليه: «زياد بن أبي سفيان»، وكانت تكتب إليه: «من عائشة أم المؤمنين إلى ابنها».   كبار خلفوا كبارًا: (24) وقال عباس العنبري يقول: ثلاثة جعلتهم حجة بيني وبين الله عز وجل: أحمد بن حنبل، وزيد بن المبارك الصنعاني، وصدقة المروزي!   (25) وسُئل الدارقطني عن أولاد الفضيل بن عياض، فقال: هم ثلاثة: محمد، وعلي، وأبو عبيدة، وهم ثقات، مأمونون، زهاد.   شجاعة وأدب في الخلاف: (26) وقيل ليحيى بن سعيد: لم تركتَ الحديث عن هؤلاء الضعفاء، ألا تخاف أن يكونوا خصومك عند الله؟! فقال: لأن يكون هؤلاء خصومي أحب إليَّ من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: لم حدثت عني بحديث وأنت ترى أنه كذب!   (27) وسُئِل الدارقطني: لم ترك محمد بن إسماعيل البخاري حديث سهيل بن أبي صالح في الصحيح؟ فقال: لا أعرف له فيه عذرًا، فقد كان أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي إذا مر بحديث لسهيل قال: سهيل والله خير من أبي اليمان، ويحيى بن بكير وغيرهما، وكتاب البخاري من هؤلاء [ملآن].   (28) وقال: قال أحمد بن شعيب النسائي: ترك محمد بن إسماعيل البخاري حديث سهيل بن أبي صالح في كتابه، وأخرج عن ابن بكير وأبي اليمان وفليح بن سليمان، لا أعرف له وجهًا، ولا أعرف له فيه عذرًا.   الحذر من قصص الزهد: (29) قال الدارقطني: قطن بن سعير بن الخمس له حكايات في الزهد، ولا أعرف له مسندًا شيئًا.   وهذا هو زهد الصالحين: (30) وقال: كان أبو داود الحفري من الثقات الصالحين، حكي أنه أبطأ يومًا من الخروج إلى أصحابه، ثم خرج فقال: أعتذر إليكم؛ فإنه لم يكن لي ثوب غير هذا، صليت فيه، ثم أعطيت بناتي حتى صلينَ فيه، ثم أخذتُ وخرجتُ إليكم.   عبارة (يخرب بيت...) قديمة: (31) وقال: وسئل علي بن المديني: أيهما أحب إليك في شعبة: علي بن الجعد، أو شبابة؟ فقال: خرب الله بيت عليَّ إن كان - في شعبة - مثل شبابة!   الصبر على العلم: (32) وسُئل عن أبي عبيد القاسم بن سلام؟ فقال: إمام، ثقة، جبل، وسلام والده: رومي، قال أبو عبيد القاسم بن سلام: أدركت من العلم ما أدركت، وما استأذنتُ على أحد من الشيوخ قط، إنما كنت أصبر أن يخرج، أتأول فيه قول الله عز وجل: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [الحجرات: 5].   لا يعرف قيمة العلماء إلا العلماء: (33) وسُئل عن الأزهري؟ فقال: هو أحمد بن محمد بن الأزهر بن حريث، وهو سجستاني، منكر الحديث، إلا أنه بلغني أن محمد بن إسحاق بن خزيمة حسن الرأي فيه، وكفى بهذا فخرًا.   (34) وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: انتهى علم الناس إلى أربعة: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن المديني، فأمَّا أحمد بن حنبل فكان أفقههم، وأما يحيى فكان أجمعهم له، وأما أبو بكر بن أبي شيبة، فكان أحفظهم له، وأما عليَّ فكان أعرفهم به.   هذا آخر ما جُمِع من هذا الكتاب النفيس والحمد لله أولًا وآخرًا.


[1] جميع ما جاء في المقال مقتبس عدا العناوين مع حذف الأسانيد متى اقتضى المقام، والنقل كله كان من الطبعة الأولى، 1427هـ، إشراف: أ.د.
سعد بن عبدالله الحميد، د.
خالد بن عبدالرحمن الجريسي.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢