أرشيف المقالات

لماذا كانوا يفرحون بقدوم رمضان؟

مدة قراءة المادة : 22 دقائق .
2لماذا كانوا يفرحون بقدوم رمضان؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فلقد كان سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى يحرصون على بلوغ شهر رمضان، ويتشوقون إليه، ودعونا نتعرف على أسباب ذلك، لعلَّنا نصبح مثلهم، فندعو اللهَ تعالى بصِدْقٍ أن يُبلِّغَنا رمضان، وأن يتقبَّله منَّا.   ♦ فأول فائدة من معرفة ما يتميز به رمضان من فضائل: 1- أن تشحذ الهِمَم في نفوسنا، فنشتاق لرمضان ونفرح لقدومه، وقد قال أبو عبدالله البراثي رحمه الله تعالى: من لم يعرف ثواب الأعمال، ثقلت عليه في جميع الأحوال؛ ولذلك نرى بعض من يجهل ثواب رمضان يقول في شعبان: الله يعيننا على الصيام في رمضان، وكأنه يقولها بتذمُّر، بينما الصالحون يقولون: اللهم بلِّغْنا رمضان؛ لينالوا به الأجور الكثيرة.   2- ولكي ننشط في الطاعة إلى نهاية شهر رمضان؛ لأنه يوجد شريحةٌ من الناس ينشطون في العبادة في أول رمضان، ثم فجأة يفترون عن الطاعة، فإننا نرى المساجد تزدحم في أول الشهر، ثم يتناقص عددُ المصلِّين بعد العشر الأول، فلو كان هؤلاء يعلمون ماذا يقدم لهم رمضان من عروض وأجور ما أصابهم هذا الفتور.   تتنافس العروض فيما بينها في رمضان، فهناك أجور وحسنات، وبالمقابل هناك عروض تجارية، وعروض فسقية، ودعونا نتحدث عن الأجور والفضائل والحسنات:   (1) رمضان يرفع العبد أعلى درجات الجنان: إن صيام رمضان يرفع العبد أعلى درجات الجنان، وشاهد ذلك ما رواه طَلْحَةُ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ – اسم قبيلة - قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ إِسْلامُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ الآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنْ الْجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقَالَ ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ يَأْن لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ: ((مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ))؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، وَدَخَلَ هَذَا الآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً))، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ((وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ، فَصَامَ وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ))؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ))؛ رواه ابن ماجه.   ومعلوم أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، فكل رمضان تصومه يرفعك الله به درجةً أبعد ما بين السماء والأرض، ألا يستحق أن تفرح بقدوم رمضان؟ وأن تسأل ربَّك أن يُبلِّغك رمضان؟ بلى والله، ولا ينبغي أن تسأله مرة واحدة؛ وإنما مرات عديدة؛ بل وستة أشهر كما كان السلف يفعلون.   (2) رمضان يثقل الميزان: إن الصيام يثقل ميزانك يوم القيامة، فهو لا عدل له، وهو العمل الوحيد الذي جاء النصُّ فيه بأن المسلم يفرح به يوم القيامة، فما سِرُّ ذلك الفرح يا ترى؟   لعل فرحهم به لما يرون فيه من الثواب العظيم في الميزان الذي لا عدل له كما قال عنه صلى الله عليه وسلم، فدعونا نسرد بعض الأحاديث الواردة في ذلك: (1) فعن أبي أمامة رضي الله عنه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، أي العمل أفضل؟ قال: ((عليك بالصوم، فإنه لا عدل له))؛ رواه النسائي؛ أي: كأنه يقول إنه لا يعدله عمل، ولا يكافئوه ثواب، فهو مما يثقل ميزان العبد يوم القيامة.   (2) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((كُلُّ عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله؛ قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربِّه))؛ رواه مسلم.   أما معنى قوله: ((إلا الصوم فإنه لي)) مع أن كل الأعمال لله تعالى؛ قال العلماء: إلا الصوم فإنه خالص لله؛ لأنه: أ‌- لا يطلع عليه أحدٌ غير الله.   ب‌- لأن العبد تخلَّقَ بوصفٍ من أوصاف الله جل جلاله؛ أنه لا يأكل ولا يشرب فهو صمد جل جلاله.   ج‌- لأنه لم يُعبد به غير الله، فلم تُعظم الكفار في عصر قطُّ آلهتهم بالصوم؛ وإنما كانوا يُعظِّمون تلك الآلهة بالسجود، وتقديم القرابين والنذور والصَّدَقة لها.   د‌- لأن الصوم عبادة خالية من السعي؛ وإنما هي قائمة على الترك المحض.   ♦ فمن الفضائل التي تُميِّز الصيام على غيره من سائر الأعمال، أنه العمل الوحيد الذي تكفَّل ربُّ العالمين بمجازاة صاحبه؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((قال: عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله؛ قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به)).   (3) ينجيك – بإذن الله - من كرب الإحراق: والصيام سينجي صاحبه من كرب الإحراق أثناء مروره على الصراط، فهو عازل لك من النار أثناء مرورك على الصراط؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((الصيام جنة، وحصن حصين من النار))؛ رواه الإمام أحمد.   إن المرور على الصراط أمرٌ لا بدَّ منه يوم القيامة؛ لأننا سَنُؤمَر بالمرور على النار عبر هذا الصراط، فهو أخطر كرب يوم القيامة، والعبد إما سيمرُّ على هذا الصراط بسلام أو آلام أو سقوط في النار والعياذ بالله، فالصراط طريق محرق؛ لأن أسفله نارُ جهنم على عمق سبعين سنة، وفي هذا الموقف الحرج يأتي الصيام ليحفظ صاحبه من النار أثناء مروره على الصراط.   ♦ لذلك احرص على صيانة هذا الحصن من أي خارق له، خاصة آفات اللسان؛ كالغيبة والنميمة، فقد روت عَائِشَةُ رضي الله عنها، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنْ النَّارِ، فَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلا يَجْهَلْ يَوْمَئِذٍ، وَإِنْ امْرُؤٌ جَهِلَ عَلَيْهِ فَلا يَشْتُمْهُ وَلا يَسُبَّهُ، وَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ))؛ رواه النسائي.   (4) الصيام سيشفع لصاحبه: إن الصيام سيشفع لصاحبه؛ فقد روى عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أي رب، إني منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، يقول القرآن: رب منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان))؛ رواه الإمام أحمد والحاكم.   فكثيرٌ من الناس يحرصون على توطيد العلاقة مع أكبر عدد ممكن من الأصدقاء والوجهاء، ألا ينبغي أنْ يكون الحرص على التعرف على الشفعاء الذين سيكون لهم وجاهة في الآخرة، ليشفعوا في أصعب وأخطر المواقف التي ستمرُّ على البشرية جمعاء؟ فإن الشفعاء يوم القيامة كُثُرٌ ومنهم الصيام؛ فإنه سيشفع لصاحبه، ألا يستحقُّ ذلك منَّا أن نسأل الله تعالى أن يُبلِّغنا رمضان؟ بلى والله.   (5) يَسْهُل في رمضان فعل الخير: ففي رمضان يسهل عليك فعل الخير، والإكثار من الحسنات؛ لأن الله تعالى يُقيِّد الشياطين عنك كي يسهل عليك فعل الخير فتعتاده، فهي فرصة لتزيد فيه رصيدك من الحسنات، فقد روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مُنادٍ كل ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة))؛ رواه الترمذي والحاكم.   ففي أول ليلة من رمضان تحدث ثلاثة أمور عِظام، ثلاثة أحداث كونية تهمُّ المسلمين، ولا يعلم بها غيرُهم: الحدَثُ الأول: سيتم تصفيد الشياطين ومردة الجن، من أجلك أخي المسلم؛ ليسهل عليك فعل الخير. والحدَثُ الثاني: فتح أبواب الجنة إلى نهاية الشهر. والحدث الثالث: إغلاق أبواب النار إلى نهاية الشهر.   ومن هذا يظهر احتمال حسن خاتمة كل مسلم صالح يموت في رمضان؛ لأن أبواب الجنة مفتوحة له، وأبواب النار مغلقة عنه.   (6) فيه عتق من النار طوال الشهر: إن فرح سلفنا الصالح بقدوم رمضان؛ أنهم كانوا يعلقون آمالًا على أن يعتق الله رقابهم من النار، والعتق يكون في الليل، فاستغل ساعاته في مرضات الله؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: ((ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)).   فينبغي استغلال ساعات رمضان في أعمال البر، فكثيرٌ من الناس يمضون ساعات النهار في مختلف الطاعات، وإذا حلَّ المساء وأفطروا؛ تركوا سائر أعمال البرِّ، وضيَّعُوا أوقاتهم فيما لا ينفعهم، في حين أن الحديث يُؤكِّد على أهمية استغلال ليالي رمضان في أعمال البرِّ أكثر من نهاره؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: ((ويُنادي مُنادٍ كلَّ ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشرِّ أقصر)).   إنك ترى الواحد إذا كان فارغًا في نهار رمضان، فتح المصحف وقرأ فيه، بينما لا يفعل ذلك غالبًا إذا كان فارغًا في الليل؛ وإنما تراه يُضيِّع وقته في مجالس لا تُرضي الله تعالى، أو أمام قنوات فضائية تعرض ما يسخط الله عز وجل، والسبب أن الكثير يظُنُّ أن زيادة الطاعة لا تكون إلا في نهار رمضان، وهذا خطأ؛ وإنما ينبغي للمسلم أن يزداد طاعةً في ليالي رمضان أكثر من نهاره لا سيما أن العتق من النار يكون في الليل؛ وليس في النهار كما هو مُصرَّح في الحديث.   (7) القيام مع الإمام ثوابه كقيام ليلة كاملة: إنك إذا صليت مع الإمام التراويح كاملةً تكسب ثواب قيام ليلتين، كيف يكون ذلك؟ إذا صليت مع الإمام التراويح حتى ينصرف، يكتب لك ثواب قيام ليلة كاملة؛ حيث روى أبو ذرٍّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة))؛ رواه الترمذي، فبعض الناس يُصلِّي فريضة العشاء، ثم يُصلِّي تسليمة أو تسليمتين، ثم يستعجل الخروج ليس لأمر مهم؛ وإنما لأنه يريد متابعة مسلسل أو أي شيء تافه، مُفوِّتًا على نفسه أجرًا عظيمًا.   بينما رغب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام ليالي رمضان، فقال: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))؛ متفق عليه.   فالقضية تحتاج إلى احتساب الثواب والمشقَّة، ولو تأملنا سبب ورود حديث أبي ذرٍّ السابق، لعلمنا حرص الصحابة رضي الله عنهم على قيام الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام الليل في المسجد لعدة ليالٍ من ليالي رمضان (أي: صلى التراويح)، فصلى خلفَه جمْعٌ كبيرٌ من الصحابة، فخشي صلى الله عليه وسلم أن تفرض عليهم هذه الصلاة، فتوقَّف فقالوا: هلا نفلتنا لبقية الليل؟ فقال صلى الله عليه وسلم مقولته تلك: ((إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)).   فالذي يصلي مع الإمام مدة نصف ساعة أو نحو ذلك، يكتب له ثواب قيام الليل كله، سواء صلى الإمام أربع تسليمات أو خمس أو عشر تسليمات، فالكل جائز؛ لأن صلاة الليل مثنى مثنى، فحريٌّ بنا أن نفرح بقدوم رمضان، ونُجاهد أنفسنا لُنصلِّي التراويح ولا نفوتها، فصلاة التراويح أصبحت سمةً لرمضان يعرف به، فمن لم يُصَلِّ التراويح لا يحس بطَعْم رمضان.   ♦ ثم تأمَّل أنَّ من صلى العشاء والفجر في جماعة كتب له قيام ليلة أيضًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ))؛ رواه مسلم، فإذا صلَّيْتَ التراويحَ كاملةً مع الإمام، كتب لك قيام ليلة أخرى.   (8) فيه ليلة أفضل من قيام العمر كله: إن قيام المؤمن ليلة القدر خيرٌ من قيامه ألف شهر، ومعنى ذلك أن من قام ليلة القدر مدة عشر سنوات، فإنه يكتب له ثواب يزيد على من قام ثمانمائة وثلاثة وثلاثين عامًا (830 سنة)، فكأنك رزقت أعمارًا كثيرة، كلُّها في طاعة، ألا نفرح بهذه الليلة المهداة لنا؟!   (9) العُمْرة فيه كحجَّة مع النبي صلى الله عليه وسلم: ومن فضائل رمضان، أن العمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكل إنسان يتمنَّى ويتشرَّف أن يحج مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عمرة في رمضان كحجة معي))؛ رواه الطبراني، فلا تحرم نفسك هذا الخير بالاعتمار ونيل هذا الثواب العظيم.   (10) صيامه يكفر صغائر الذنوب: ومن فضائل رمضان أيضًا؛ أن صيامه يُكفِّر الذنوب؛ حيث روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))؛ متفق عليه؛ لذلك احرص على التوبة من الكبائر.   (11) لك فيه دعوة مستجابة كل يوم: من الامتيازات الأخرى التي تمنح للصائمين في شهر رمضان أن لك فيه كل يوم دعوةً مستجابة؛ فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوةً مستجابةً؛ حيث روى أبو سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة – يعني: في رمضان - وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوةً مستجابةً)؛ رواه أحمد.   ♦ والظاهر أن هذه الدعوة المستجابة غير الدعاء المستجاب عند كل نداء؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا نادى المنادي، فتحت أبواب السماء، واستجيب الدعاء))؛ رواه الحاكم؛ لأنه قال: ((لكُلِّ مسلمٍ في كل يوم وليلة دعوةٌ مستجابةٌ)).   فكأن المطلوب: الإكثار من الدعاء في الليل والنهار؛ لأن لك دعوة مستجابة لا تدري متى هي، فاستغل وقتك، فلك ثلاثون دعوة مستجابة طوال هذا الشهر.   قال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثُ دَعَواتٍ لَا تُرَدُّ: دَعْوَةُ الوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، ودَعْوَةُ المُسافِرِ))؛ رواه البيهقي، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثُ دَعَواتٍ مُسْتَجاباتٌ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ المُظْلُومِ، ودَعْوَةُ المُسافِرِ))؛ رواه الطبراني؛ لذلك نجد آية الدعاء بين آيات الصيام: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].   ألا فليفرح الصائم بتلك الدقائق الحاسمة التي عند الإفطار، وليشغلها بالدعاء الخالص، فإن بعض الناس تراهم عند فطرهم يستقبلون التلفاز، يشاهدون تمثيليات كوميدية أو ما شابه ذلك، ويفوتون عليهم وقت إجابة الدعاء.   (12) للصائمين باب خاص عند دخول الجنة هو باب الريان: ومن تكريم الله جل وعلا للصائمين أن جعل لهم بابًا خاصًّا في الجنة يدخلون منه يوم القيامة، يُسمَّى باب الريان، لا يدخل معهم غيرهم، ولم يذكر اسم هذا الباب عبثًا، وما خصَّ الله الصائمين بهذا الباب إلا لامتيازات وفضائل سيجدونها عند الاستقبال.   فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَاللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ))، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ))؛ رواه البخاري.
ومعنى زوجين؛ أي: أنفق شيئين من صِنْفٍ مُعيَّن؛ مثلًا: التصدُّق بناقتين، أو بقرتين...   وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ))؛ رواه مسلم.   ♦ قال العيني في عمدة القاري: قوله: ((إن في الجنة بابًا))، قيل: إنما قال: في الجنة، ولم يقل: للجنة؛ ليشعر بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة ما في الجنة، فيكون أبلغ في التشويق إليه، قلت: وإنما لم يقل للجنة، ليشعر أن باب الريان غير الأبواب الثمانية التي للجنة (10/ 262).   ♦ والميزة الأخرى في باب الريان ما ذكره ابن حبَّان في صحيحه: أن كل طاعة لها من الجنة أبوابٌ يُدعى أهلها منها إلا الصيام؛ فإن له بابًا واحدًا فقط، واستدلَّ بالحديث السابق الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، وجاء في لفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ دُعيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ: وللجنة أبواب، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ؛ دُعِيَ مِنْ أبواب الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ؛ دُعِيَ مِنْ أبواب الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ؛ دُعِيَ مِنْ أبواب الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ؛ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ))، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى أحد من ضَرُورَةٍ، من أيها دُعيَ؟ فهل يُدعى أحد منها كلها يا رسول الله؟ قَالَ: ((نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ))؛ رواه ابن حبَّان.   (13) للفوز بالتقوى: وذلك لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، فالصيام يُربِّي المرء، ويغرس فيه التقوى، ومتى ما ازداد المرء تقًى، أفلح ونجح.   ♦ والمتقي مُصانٌ من وساوس الشيطان؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201].   ♦ وأكرم الناس عند الله تعالى المتقي: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].   ♦ وعاقبة المتقي الفلاح يوم القيامة ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128].   ♦ والجنة لا يرثها إلا المتقون ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 63].   ألا تفرح بعد كل هذا بقدوم رمضان؟ بلى، اللهم بلغنا رمضان، واجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانًا واحتسابًا.   والحذر أن يدخل المرء فيمن عناهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بحديثه على منبره في محاورة بينه وبين جبريل الأمين حين طلب من النبي صلى الله عليه وسلم التأمين على دعائه - ودعاؤه صلى الله عليه وسلم مستجاب - حيث قال: ((من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له، فدخل النار، فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين))، فمن حرم المغفرة في شهر المغفرة، وحرم تلك الفضائل، فماذا يرتجي؟   اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير