هل جاء ذكر السيارات في الوحي؟! - عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
الحمد لله القائل: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام من الآية:38]، والصلاة والسلام على القائل: «أوتيتُ القرآنَ ومثلَهُ معَهُ» (فتح القدير؛ برقم: [2/169])، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فإن السيارات اختراع جديد لم يمرَّ على أولها أكثر من قرنين من الزمان، فهي من إبداعات زماننا الحاضر وواقعنا المعاصر، ولم يكن لهذا ذكر على ألسنة الناس، فهي فوق تصورهم، وأعلى مما يحلمون به أو يتخيلونه!
ولكن العجيب الغريب الذي يملك عليك جوانحك ويسري في أوردتك هو مزيد إيمانك برسالة هذا النبي العظيم؛ محمد صلى الله عليه وسلم! وذلك عندما تعلم أنه، وقبل أربعة عشر قرن من الزمان جاء بذكرها وأخبر بأمرها، في زمن لا يعرفون فيه إلا الخيل والجمال، والحمير والبغال، أليس هذا مما يزيدك حبًا له، وتصديقاً لما جاء به؟!
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكونُ إِبِلٌ للشياطينِ، وبيوتٌ للشياطينِ، فأما إِبِلُ الشياطينِ، فقد رأيتُها، يخرجُ أحدُكم بجُنَيْباتٍ معه قد أسْمَنَها، فلا يَعْلُو بعيرًا منها، ويَمُرُّ بأخيه قد انقطع به، فلا يَحْمِلُه، وأما بيوتُ الشياطينِ فلم أَرَها» (سنن أبو داود؛ برقم: [2568]).
قال الألباني رحمه الله في الصحيحة: "والظاهر أنه عليه الصلاة والسلام عنى ببيوت الشيطان هذه السيارات الفخمة التي يركبها بعض الناس مفاخرة ومباهاة، وإذا مروا ببعض المحتاجين إلى الركوب لم يركبوهم، ويرون أن إركابهم يتنافى مع كبريائهم وغطرستهم؟ فالحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم" أ.
هـ (انظر: ج:[1]، ص: [148]).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيَكونُ في آخرِ أُمَّتي رجالٌ يرْكبونَ على سُروجٍ كأشباهِ الرِّحالِ، ينزِلونَ على أبوابِ المساجدِ، نساؤُهم كاسياتٌ عارياتٌ على رؤوسِهم كأسنِمةِ البُختِ العِجافِ، العنوهُنَّ فإنَّهم ملعوناتٌ، لو كانت وراءَكم أمَّةٌ منَ الأممِ لخدَمنَ نساؤُكم نساءَهم كما يخدِمنَكم نساءُ الأمَمِ قبلَكم» (أخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه والطبراني في الأوسط، انظر: السلسلة الصحيحة؛ برقم: [2683]).
قال الألباني رحمه الله: "يتبيّن لك بإذن الله أن النبي صلى الله عليه وسلم يشير بذلك إلى هذه المركوبة التي ابتُكرت في هذا العصر، ألا وهي السيّارات، فإنها وثيرة وطيئة ليّنة كأشباه الرحال.
وإذن ففي الحديث معجزة علميّة غيبية أخرى غير المتعلِّقة بالنساء الكاسيات العاريات، ألا وهي المتعلقة برجالهن الذين يركبون السيارات ينزلون على أبواب المساجد.
ولعمر الله! إنّها لنبوءة صادقة نشاهدها كل يوم جمعة حينما تتجمع السيارات أمام المساجد حتى ليكاد الطريق على رحبه يضيق بها، ينزل منها رجال ليحضروا صلاة الجمعة ، وجمهورهم لا يصلون الصلوات الخمس، أو على الأقل لا يصلونها في المساجد، فإنهم قنعوا من الصلوات بصلاة الجمعة، ولذلك يتكاثرون يوم الجمعة، وينزلون بسياراتهم أمام المساجد فلا تظهر ثمرة الصلاة عليهم، وفي معاملتهم لأزواجهم وبناتهم، فهم بحق «نساؤُهم كاسياتٌ عارياتٌ»!
وثمة ظاهرة أخرى ينطبق عليها الحديث تمام الانطباق، ألا وهي التي نراها في تشييع الجنائز على السيارات في الآونة الأخيرة من هذا العصر، يركبها أقوام لا خلاق لهم من الموسرين المترفين التاركين للصلاة، حتى إذا وقفت السيارة التي تحمل الجنازة وأدخلت المسجد للصلاة عليها، مكث أولئك المترفون أمام المسجد في سياراتهم، وقد ينزل عنها بعضهم ينتظرون الجنازة ليتابعوا تشييعها إلى قبرها نفاقاً اجتماعيًا ومداهنة، وليس تعبدًا وتذكُّرًا للآخرة، والله المستعان" (السلسلة الصحيحة؛ ج: [6]، ص: [416]).
فسبحان الله! ما أصدق هذا الرسول الكريم! وما أجلّ هذا الدين العظيم!
وما أشدّ غفلتنا عنه! وعن عظمته وجلاله!
وصدق الله: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت من الآية:53].