طائر الفينيق الفلسطيني
مدة
قراءة المادة :
17 دقائق
.
الإنجاز الذي كتبه الفلسطينيون بدمائهم في غزة مسكوت عليه ومحجوب عن الأعين، في حين لا نكاد نرى في الأفق سوى عناوين الوحشية والعربدة الإسرائيلية، وتجليات الانكسار والهوان العربيين. ولست واثقاً من أن الرسالة الإسرائيلية التي بعثت بها من خلال الجنون الذي تمارسه في غزة قد وصلت إلى العواصم العربية، لكن المؤكد أن "إسرائيل" تسلمت الرسالة الفلسطينية وما زالت تطالعها متقلبة بين المفاجأة والدهشة.
إنجاز استثنائي لعلك تتفق معي في أنه في زمن الهزيمة والانبطاح فإن مجرد الاستعصاء على الانكسار أو الاستسلام - كما في الحالة الفلسطينية - يصبح إنجازاً استثنائياً.
لكن الإنجاز الذي أعنيه شيء آخر فوق ذلك، لاحت تداعياته قبل ثلاثة أسابيع انطلاقاً من غزة.
ولست أعرف لماذا لم يتناه خبره إلى أسماعنا، ولا التقطته مراصدنا التي أصبحت منصرفة فيما يبدو إلى الانكفاء على الذات وتعظيمها.
ولولا أنني تلقيت تقريراً مفصلاً بوقائعه من داخل الأراضي المحتلة، لمر ذلك الإنجاز على الجميع دون أن يشعر به أحد؛ إذ ربما يذكر كثيرون أن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة نجحت في تنفيذ عمليتين استشهاديتين موجعتين للعدو الإسرائيلي في يومين متتاليين (الأولى في حي الزيتون يوم 11/5/2004 والثانية في رفح في اليوم التالي مباشرة).
في العمليتين قتل ثلاثة عشر جندياً إسرائيلياً، من عناصر وحدة الهندسة الميدانية الخاصة، التابعة للواء المشاة "جفعاتي" المكلف بقمع المقاومة في القطاع.
وهي الوحدة التي تتحمل المسئولية عن تدمير أكثر من ألفي منزل في مدينة رفح وحدها.
هاتان العمليتان صدمتا المجتمع الإسرائيلي بقوة، حتى أحدثتا ما يشبه الهزة الأرضية التي ضربت الدولة العبرية، وظلت أصداؤها تتردد - ومازالت - في مختلف جنباتها.
أهم تلك الأصداء تمثلت في انقلاب كثيرين على اليمين الأكثر تطرفاً في "إسرائيل"، الذي أوقف خطة رئيس الوزراء أرييل شارون للانسحاب من مستنقع غزة والخلاص من جحيمها، وقد أدت تلك الحملة المضادة إلى عزل المجموعات المتطرفة سياسياً - لأول مرة - واتهامها بتهديد مستقبل "إسرائيل".
آية ذلك أن جميع وسائل الإعلام فضلاً عن الكثير من النخب الثقافية اتهمت حزب الليكود والأحزاب التي تقع على يمينه بالمسئولية المباشرة عن سقوط أولئك الجنود وقتلهم في غزة.
وهو ما عبر عنه الجنرال يائير يايا قائد القوى البشرية الأسبق في جيش الاحتلال، الذي قال: إن دماء جنود الجيش الإسرائيلي التي سالت يتحمل مسئوليتها حزب الليكود الذي أحبط خطة فك الارتباط، التي كان من المفترض أن تضع حداً للوجود الإسرائيلي في القطاع.
وتساءل: عن ماذا نبحث في قطاع غزة، عن ماذا نبحث وسط مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون في أقل من مائة وستين كيلو متراً مربعاً؟ عن ماذا نبحث وسط هذا الجحيم؟ إن دماء جنودنا التي سالت يتحمل مسئوليتها كل من عمل ضد خطة فك الارتباط، إلى متى سنبقى دولة غير طبيعية، متى سنشعر أننا دولة تفكر بعقل ومنطق؟ إن دولتنا تسرع كالبرق إلى مصير مظلم مادامت تترك مصيرها في أيدي حفنة من المتطرفين الذين لا يهمهم سوى تطبيق معتقدات بالية، وإظهار غطرسة مقيتة (قناة التليفزيون الإسرائيلية العاشرة، 13/5).أما المعلق إمير اورن، فقال إن على الإسرائيليين أن يعاقبوا حزب الليكود الذي أحبط خطة "فك الارتباط".
وأضاف "كل من يريد البقاء في غزة هو بكل تأكيد يريد دمار دولة "إسرائيل"، إن غزة بحر عميق، و"إسرائيل" ستغرق وتهبط إلى قاعه في حال واصلت سيطرتها فيه" (القناة العاشرة الإسرائيلية 13/5).
وشن عوزي بنزيمان المعلق في "هاآرتس"، هجوماً كاسحاً على أرييل شارون الذي وصفه بأنه زعيم جبان وضعيف وفاشل.
وأضاف "كان بإمكان شارون أن يقنعني بأنه قد غير طبعه، فعندما فشل في تمرير خطة فك الارتباط، كان عليه إما أن يستقيل أو يشكل حكومة بديلة لتنفيذ الخطة، كان عليه ألا يستمر بالخضوع لإرادة أقلية متطرفة ومقيتة.
وذكر بنزيمان أن "إسرائيل" في النهاية لن تنسحب فقط من غزة، بل إنها قد تزول تماماً في حال ظلت أسيرة الأيديولوجيات الغبية التي معها يتوجب على الإسرائيليين أن يصبحوا جنوداً لخدمة المستوطنين الأنذال" (الإذاعة الإسرائيلية العامة 14/5).
والد أحد الجنود الذين قتلوا في حي الزيتون، قال إنه فكر في أن يتم تشييع جنازة ابنه من مقر حزب الليكود، لكي يؤكد للرأي العام الإسرائيلي أن الحزب هو المسئول عن مقتل ابنه وبقية الجنود.
ورفض هذا الوالد تحميل المقاومة الفلسطينية مسئولية التصعيد، قائلاً "حتى لو كان يسكن في الضفة الغربية وقطاع غزة غجر وليس شعباً عريقاً مثل الشعب الفلسطيني، لقاوموا هذا الاحتلال".
واعتبر أن الاحتلال هو الموت بعينه (من رسالة بعث بها الأب إلى سكرتارية حزب الليكود، ونقلت اقتباسات منها في 13/5 القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي ومختلف وسائل الإعلام). المستوطنون والخطر الحقيقيالعمليات النوعية الجريئة التي نفذها المقاومون الفلسطينيون جعلت الأغلبية الساحقة من المعلقين الإسرائيليين يشنون هجوماً غير مسبوق على المستوطنين، الذين اعتبروهم الخطر الأكبر الذي يهدد مستقبل البلاد.
فالجنرال الأسبق أري أور دعا الحكومة إلى سحب قواتها من قطاع غزة، وترك المستوطنين لمصيرهم.
ثم تساءل: لماذا يقتل ولدي من أجل الدفاع عن هؤلاء الغلاة؟ لماذا تغرق الدولة في بحر من الدماء من أجل هذه الحفنة من المتطرفين الأوغاد؟ (إذاعة صوت الجيش 15/5).
أما الكاتبة ياعيل باز ملميد، فقد قالت: إن رفض الخدمة العسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة يكتسب بعداً أخلاقياً الآن، لأنه لا يوجد سبب للبقاء هناك.
وأضافت "إن أحداً يجب ألا يتوقع مني أن أضحي بابني من أجل المستوطنين المجانين" (التليفزيون الإسرائيلي 14/5).اللافت للنظر أن كلاً من اليمين المتطرف بشقيه الديني والعلماني، وعلى رأسهم قادة المستوطنين أصبحوا في حالة دفاع عن النفس، بعدما أدركوا أن الرأي العام الإسرائيلي يحملهم المسئولية عن الخسائر الكبيرة نسبياً في غزة، كما وجد تعبيره في سقوط الجنود الثلاثة عشر.
ليس ذلك فحسب، وإنما بدا واضحاً أن الضغوط الاحتجاجية المضادة أحدثت تأثيراً سياسياً من زاويتين.
فلأول مرة أعلن زعيم حزب "المفدال" الديني المتطرف (ايفي ايتام) الذي يمثل المستوطنين، في الحكومة والبرلمان، أنه يؤيد إزالة بعض المستوطنات.
وهو الذي كان يرفض الفكرة بشدة، ويعتبر أن المساس بأي مستوطنة تفريطاً في "حق إسرائيل".
من ناحية ثانية فإن هذه العمليات والهزة السياسية والأرضية التي أحدثتها في داخل "إسرائيل"، أعادت الحياة إلى أحزاب اليسار التي كانت أسهمها قد تراجعت خلال السنوات الأخيرة.
إذ وجدت تلك الأحزاب أن نجاح المقاومة الفلسطينية في تنفيذ عملياتها النوعية مناسبة للتدليل على فشل حكومة شارون في تحقيق الأهداف التي وضعتها لنفسها، والتي على أساسها نال ثقة الناخب الإسرائيلي، وأهم تلك الأهداف رفع مستوى الشعور بالأمن الشخصي للإسرائيليين.
ولأول مرة ظهرت دلائل على أن شعبية أحزاب اليسار زادت في أوساط الجمهور الإسرائيلي، وبالذات حركة "ياحد"، وهي الحركة التي نشأت عن اتحاد حركتي "ميريتس"، وحركة "شاحر"، وذلك لأن هذه الحركة تتخذ مواقف حادة وقطعية من حكومة شارون.
في أجواء من هذا القبيل وجد المنظرون التقليديون لليمين الإسرائيلي أنفسهم في موقف حرج للغاية، بحيث أن معظمهم لم يعد قادراً على الدفاع عن سياسة شارون، رغم كل مظاهر الاستقواء والانتقام التي يستعرضها في غزة.
حالة ارتباك إلى جانب ما أثبتته خبرة نصف القرن الأخير، من أن الشعب الفلسطيني عصي على التركيع والاستسلام.
فإن عمليتي المقاومة في غزة أسهمتا في تغيير نظرة النخبة الإسرائيلية لمعدن ذلك الشعب البطل.
إذ ثمة شواهد عدة على أن نجاح العمليتين شكل ضربة قوية للصلف الصهيوني، أصاب منه مقتلاً.
ولعل أوضح تعبير عن حالة الارتباك التي تحياها الدولة العبرية كان بلا شك ما قاله الوزير الإسرائيلي المتطرف والمتعجرف دان نافيه من أن "الفلسطينيين الذين يملكون إمكانيات بسيطة يتفاخرون بما حققوه.
في حين تطأطئ دولة بأكملها رأسها خجلاً" (برنامج هذا الصباح الإخباري - قناة التليفزيون الثانية 13/5).
أكثر ما لفت انتباه قادة الجيش والمعلقين، فضلاً عن النخب المثقفة في الدولة العبرية هو تلك "الجرأة الأسطورية" التي يتمتع بها المقاومون الفلسطينيون.
والوصف ليس من عندي ولكنه صدر عن الجنرال بنيامين شلومي، القائد السابق لقوات جيش الاحتلال في قطاع غزة، أثناء حوار معه بثته القناة العاشرة للتليفزيون الإسرائيلي (في 13/5).على صعيد آخر فإن التصميم الذي أبداه المقاومون الفلسطينيون في مواجهة قوات الاحتلال التي اقتحمت حي الزيتون ومدينة رفح أثار إعجاب كبار ضباط جيش الاحتلال.
شهد بذلك أحد قادة لواء "جفعاتي"، الذي سقط جنوده على أيدي عناصر المقاومة، إذ علق على ثبات وبسالة المقاومة قائلاً: "كان بإمكان الفلسطينيين أن يتركونا ننسحب متذرعين بتفوقنا الهائل عليهم، لكنهم تحدونا وتجاهلوا مظاهر تفوقنا، إن المقاتل الفلسطيني لا يهاب أي شيء" (14/5).
أضاف ضابط آخر في اللواء "ماذا لو كان هؤلاء يملكون عشرة في المائة مما نملك من إمكانيات..
بكل تأكيد لا بد أن شكل هذه المنطقة كان قد تغير منذ زمن بعيد" (إذاعة ريشيت بيت - 14/5).
في ذات الوقت، فحين حاول بعض الساسة الإسرائيليين إدانة قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال (الجنرال دان هائيل) وتحميله مسئولية الفشل الكبير الذي وقع، باعتباره المسئول عن قمع الانتفاضة في قطاع غزة، فإنه رد على الذين غمزوا قناته في برنامج بثته القناة الأولى، صباح 13/5، قائلاً: "على الجميع أن يكونوا واقعيين وصريحين في انتقاداتهم.
لأن المشكلة الحقيقية التي نواجهها هي أن كل ما نقوم به من إجراءات لردع الفلسطينيين لا يؤثر فيهم، فهم يحتملون سقوط الضحايا، ويتعالون فوق آلامهم بسرعة، وكأن شيئاً لم يكن".أما الذي أثار خيبة السياسيين والعسكريين في "إسرائيل" حقاً، هو أن تصعيد عمليات القمع التي بلغت ذروتها باغتيال الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي، قائدي حركة حماس، لم يثبط من همة الفلسطينيين ولا نال من عزائمهم، وإنما حدث العكس، لأنه رفع من وتيرة الإصرار الفلسطيني على تصعيد عمليات المقاومة، الأمر الذي كان رداً بليغاً على السلوك الإسرائيلي أثبت فشل جيش الاحتلال في تحقيق الأهداف التي تحراها من وراء عمليات التصعيد.
في الوقت ذاته فإن الإسرائيليين لم يستطيعوا إخفاء شعورهم بالمفاجأة والدهشة إزاء قدرة المجتمع الفلسطيني على الاحتمال.
من أجل مساندة المقاومة وتعزيز دورها.
حتى إن المعلق العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت (اليكس فيشمان) صرح في 14/5 لبرنامج إخباري بثته القناة العاشرة بأن هيئة أركان الجيش تكاد تصعق من قدرة المجتمع الفلسطيني على التحمل.
وقد أدلى بتصريحه ذاك استناداً إلى تقويم للموقف أعد لصالح هيئة أركان الجيش، بثه التليفزيون في نفس اليوم.
أما رونين بريجمان، المختص بتغطية أنشطة الأجهزة الاستخبارية في صحيفة "يديعوت احرونوت" فقد أكد أن جميع المستويات العسكرية في الدولة العبرية باتت تدرك بؤس الرهان على العمل العسكري وخيار القوة في مواجهة الشعب الفلسطيني، وذكر أن هناك إحساساً عارماً بالعجز لدى جميع المستويات المهنية العسكرية في مواجهة الفلسطينيين الذين يملكون إمكانيات بسيطة وبدائية مقارنة مع ما يمتلكه الجيش الإسرائيلي (برنامج بوبوليتيكا القناة العاشرة - 14/ 5).
كان قادة جيش الاحتلال قد حرصوا في الآونة الأخيرة على التبجح بدور أنظمة التقنيات المتقدمة التي يعتمدون عليها في مواجهة المقاومة وقادة وعناصر حركاتها، فيما اعتبروه ظهور دلائل على شعور الفلسطينيين بالعجز عن مواصلة الانتفاضة، إلا أن العمليات جاءت دليلاً آخر على مدى هشاشة الاستنتاجات التي خلص إليها هؤلاء.
يؤيد ذلك أن النائب عن حزب "ياحد"، ران كوهين، وهو جنرال متقاعد، شن هجوماً من هذه الزاوية على قادة الجيش، قائلاً "للأسف إنه في كل مرة نعلن بفخر انتصارنا على الفلسطينيين، نصعق ثانية عندما يتبين لنا أن الفلسطينيين قادرون على مفاجأتنا بشكل يخجل الدولة بأسرها".
أضاف كوهين أن اعتماد الدولة العبرية على موازين القوى التي تميل لصالحها بشكل جارف في المواجهة مع الشعب الفلسطيني، قد أنسى قادتها حقائق يتوجب ألا ينسوها، أهمها أن الفلسطينيين يشعرون بأنهم يقاتلون وهم يمتلكون بعداً أخلاقياً قوياً..
وشتان بين من يقاتل وهو يؤمن أنه يقاتل من أجل حقه وحق عائلته وشعبه في الحياة بكرامة في أرضه، وبين من يقاتل وهو يعلم أنه لا حق له في الأرض التي يقاتل عليها".
عدم الرغبة في التسويةكان طبيعياً والأمر كذلك أن تصبح نتيجة استفتاء حزب الليكود، التي أجهضت مشروع الانسحاب من غزة، ومن ثم أبقت على القوات الإسرائيلية غارقة في أوحاله، هدفاً للهجوم الشديد من جانب أغلب المعلقين.
فقد أقر هؤلاء بأن ما جرى يؤكد أن الدولة العبرية غير جاهزة لأي تسوية سياسية.
وهو ما يثبت مدى التضليل الذي يحتوي عليه ادعاء رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون الذي قال: إنه لا يوجد "شريك فلسطيني لأي تسوية مع "إسرائيل"".
امنون ابراموفيتش كبير معلقي القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي، قال في اليوم الذي تلا ظهور نتائج الاستفتاء إن هناك دلالة واحدة هامة يتوجب علينا أن نمتلك الجرأة والشجاعة الأدبية للاعتراف بها وهي "إننا نثبت للعالم أننا لسنا معنيين بالتوصل إلى أي تسوية يمكن أن تقود إلى اتفاق، وأن من يبحث عن الدليل على مدى اندفاع هذه الدولة نحو التطرف وبؤس التشبث بالأيديولوجيات الطائشة التي تكرس الشوفينية في أبشع صورها، فإن نتائج الاستفتاء في حزب الليكود تمثل دليلاً حياً على ذلك.أما دان مرغليت المعلق البارز في القناة العاشرة فقال معلقاً على نتائج الاستفتاء أنها تثبت للجميع في العالم أن عصبة من المتطرفين المتعصبين تتحكم في هذه الدولة.
ثم تساءل "كيف يمكن أن يحدث هذا في دولة تدعي التعقل والمنطق، إننا دولة مجنونة رهنت نفسها في أيدي مجموعة من المجانين وغريبي الأطوار الذين لا يروق لهم إلا تخريب هذه الدولة ومشروعها بالكامل".
في أحد برامج القناة الثانية قال الجنرال داني روتشيلد، رئيس قسم الأبحاث الأسبق في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المعروفة بـ "أمان": إن نتائج الاستفتاء تبعث برسالة هامة جداً للعالم وللعالم العربي والإسلامي، خلاصتها أن دولة "إسرائيل" لا تعرف إلا لغة القوة والحرب، وأنه في حال لم يمارس ضدنا الحرب والقوة، فإننا لن نقدم أي تنازل".
معلقون كثيرون وجدوا أن نتائج الاستفتاء تستدعي إلى الذاكرة الإسرائيلية محتوى الرسالة التي وقع عليها أربعة من قادة المخابرات الإسرائيلية الداخلية السابقين، وحذروا فيها من أن الدولة العبرية نفسها معرضة للزوال إذا لم يتم الإسراع بالتوصل إلى تسوية سياسية تقوم على إنهاء الاحتلال.
في هذا الصدد قال الجنرال امنون شاحاك، الرئيس الأسبق لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي "لا يمكن لدولة مهما قويت أن تحيا على السيف كما أن نظرية الجدار الحديدي ليست سوى نظرية فاشلة، ولا يمكن أن نحيا بالحديد والنار، إننا نعيش ظروفاً غير عادية وغير طبيعية تماماً، يتوجب علينا أن نطبع حياة مواطنينا، وقد آن الأوان لكي نتحرر من الحياة وفق عقيدة الحصن، والقلعة".في الوقت ذاته اتفق آخرون على أن نتيجة الاستفتاء تنسف الادعاء بأن "إسرائيل" دولة ديمقراطية.
وهو ما عبر عنه اتيان هابر، مدير مكتب رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين حين تساءل كيف يسمح لحفنة من المتطرفين بالتحكم في مصير دولة بأسرها؟، ومن فوض هؤلاء "الزعران" في تحديد قرارات الدولة..
أليس من أبسط متطلبات الديمقراطية أن يتم احترام قرار الأغلبية، وألا يتم تجاهل هذا القرار.
وعندما تؤكد كل استطلاعات الرأي العام على أن معظم الإسرائيليين يؤيدون الهروب من غزة، فلا يجب أن تملي قلة هامشية إرادتها على المجتمع بأسره".إن طائر "الفينيق"، الذي يخرج في الأسطورة من تحت الرماد عفياً وفتياً في كل مرة، قادر على أن يصنع الكثير مما عجز عنه الآخرون، لكن دوائر المخترقين والمهزومين لا تريد أن ترى سوى الرماد والأنقاض، لكي تعمم اليأس وتسوغ الانبطاح - طوبى للمقاومين الصامدين، الذين يقدمون أرواحهم قرباناً لتحقيق حلم الأمة والدفاع عن عرضها المستباح.
صحيفة الأهرام 25/4/2004