ترقيص الولد! - عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
كان العرب يعبِّرون عن حبِّهم لأبنائهم وفرحهم بولادتهم وأنسهم بوجودهم على طرائق قِددًا، ومنها؛ عن طريق سرد الأراجيز اللطيفة التي يغردون بها على مسامع أبنائهم وهم يرقِّصونهم فوق أيديهم كتعبير جميل عن الحب لهم، والفرح بهم، والبهجة بوجودهم!
فقد كان الزبير بن العوام رضي الله عنه يُرقص ولده، ويقول :
أزهر من آل بني عتيقِ
مبارك من ولد الصدِّيقِ
ألذَّه كما ألذُّ ريقي !
وكانت أعرابية ترقِّص ولدها، وتقول:
يا حبذا ريح الولد *** ريح الخزامى في البلد
أهكذا كل ولد *** أم لم يلد مثلي أحد؟!
وكان أعرابي يرقص ولده، ويقول:
أحبُّه حب الشحيح ماله
قد ذاق طعم الفقر ثم ناله
إذا أراد بذله بدا له.
وكانت زينب رضي الله عنها تُرَقِّص الحسن وأخاه الحسين وهما صغيران رضي الله عنهما وتقول:
تعلم يا بن زينبٍ وهند
كم لك بالبطحاء من معد
من خال صدق ماجد وجد
وكانت أم الفضل بنت الحارث ترقص ابنها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فتقول:
ثكلت نفسي وثكلت بكري
إن لم يسد فهرًا أو غير فهر
بالحسب الوافي وبذل الوفر
حتى يوارى في ضريح القبر
وقالت هند بنت عتبة، وهي ترقص ابنها معاوية رضي الله عنهما:
إن بني معرقٌ كريم
ليس بفحّاش ولا لئيم
صخر بني فهرٍ به زعيم
محببٌ في أهله حليم
ولا بطخرورٍ ولا سؤوم
لا يخلف الظن ولا يخيم
وقالت ضباعة بنت عامر، وهي ترقص ابنها المغيرة بن سلمة رضي الله عنه:
نمى به إلى الذرى هشام
حجاجحٌ خضارمٌ عظام
الهامة العلياء والسنام
قرمٌ وآباءٌ له كرام
من آل مخزوم هم الأعلام
وقال بعض الأعراب وهو يرقِّص بعضَ أولاد الخلافة ويقول:
إنَّا لنرجُوكَ لتيكَ تِيكَا
هي التي نَأمُل أن تأتيكا
كما رأى جَدّك في أبيكا
لها نرجِّيك ونَجتبيكا
وأن يَرَى ذاك أبوك فيكا
وأنشد آخر يقول لابنه:
أنت الحبيب وكذا قول المحبّ
حتى تُفِيدَ وتُداوِي ذَا الجرَبْ
جَنَّبَكَ اللَّه مَعاريضَ الوصَبْ
وذا الجُنونِ من سُعالٍ وكَلَبْ
وقال آخر وهو يُرْقص ولده:
أعرِف منه قلَّة النُّعاس
وخِفّةً في رَأسه من راسي
وقال أعرابيّ يرقص ابنًا له:
يا ربّ ربّ مالكٍ بارك فيه
ذكرني لمّا نظرت في فيه
والوجه لما أشرقت نواحيه
بارك لمن يحبّه ويدينه
أجزع نورٍ غربت أواخيه
دينار عينٍ بيدٍ تبريه
ولا يزال العرب على حالهم هذا سلفًا وخلفًا يمتطون صهوة الأراجيز لقصر مداها وسهولة تناولها في إظهار الحب والعطف واللطف بالمواليد، وفي كلِّ بيتٍ أُحدوثة!
(ملحوظة: يراجع في هذا كتابي: (قرة العين في دموع الوالدين))