مضيعات الأوقات والتغلب عليها - أحمد البراء الأميري
مدة
قراءة المادة :
12 دقائق
.
معنى (مضيعات) الوقت يختلف باختلاف:الأزمنة، والأمكنة، والأشخاص، والظروف؛ فزيارة صديقٍ لك وأنت منحرِفُ الصحة قد ترفَعُ من معنوياتك، وتُسهم في شفائك، أما زيارته لك ليلةَ الامتحان، أو ليلة السفر مثلاً، فهي مضيع كبيرٌ للوقت.
ولا بد من الإشارةِ إلى أن مضيعات الأوقات لا يمكن القضاءُ عليها نهائيًّا، وهي أحيانًا جزءٌ من العمل أو الوظيفة، إلا أن ما لا يُدرَك كلُّه يدرك بعضُه، وربما جُلُّه.
أهم مضيعات الأوقات:
أ- الزوار.
ب- الهواتف.
ج- الاجتماعات.
د- التسويف (التأجيل).
هـ- التلفاز.
و- الإنترنت.
ولننظر إلى هذه المضيعاتِ بشيءٍ من التفصيل:
أ- الزوَّار:
الإنسان اجتماعي بطَبْعه؛ فهو يأنَس بالناس ويأنسون به، والقضاء على مشكلةِ الزوار بشكلٍ كامل في مثلِ بيئتنا العربية أمرٌ في غاية العُسر؛ لأن أغلبَ الناس لا يتقبَّلون منك الاعتذار عن استقبالهم إذا جاؤوكَ بغيرِ موعد - مثلاً - مع أن اللهَ سبحانه قد ذكَر هذه المسألة الصغيرة في كتابه الكريم، وجعَلها قرآنًا يُتلَى إلى يوم الدِّين؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [النور:27-28].
ويمكن التقليلُ من الآثار السلبية لمقاطعات الزوَّار باتباع النَّصائح التالية:
• أن ينظرَ المرء إلى هذه المقاطعات على أنها جزءٌ من عمله، أو أمرٌ لا مفرَّ منه، فيقلل هذا من إحباطه، وبالتالي يجعلُه أكثرَ سيطرة على وقته، وأكثر استفادة منه.
• المكتب المُريح يغري الزوَّار بإطالةِ الجلوس؛ لذا من الأفضل الاستغناءُ عن الكراسيِّ الزائدة، وتعليق ساعة في مكانٍ يراها فيه الزائرونَ، وإجراء بعض المقابَلات خارج المكتب.
• عدم الدخول مع الزائرِ أو الضَّيف في مناقَشات غيرِ ضرورية، أو فتح مواضيع طويلة الذَّيل.
• في حالة وجودِ (سكرتير)، من الأفضل أن ينظِّمَ دخول الزَّائرين.
• التحدُّث مع الزائر واقفًا.
• الصَّراحة والوضوح مع الضَّيف، والاعتذار بلباقة وحُسنِ أدب.
• عدم تبنِّي سياسةِ الباب المفتوح، وإغلاق البابِ في أوقات معينة، أو فتحه في أوقاتٍ معينة، هذا بالنسبةِ للموظَّف أو المدير في مكتبه، أما في البيت فيُمكن للإنسان تحديدُ موعد أسبوعي يُشيع بين زملائِه وأقاربه وأصدقائه أنه يستقبِلُ فيه الناس، وأعرِفُ عددًا من الأصدقاء يستقبل أحَدُهم ضيوفَه بين المغرب والعِشاء كل يوم جمعة، وبهذا يضمَنُ بداية الزيارة ونهايتَها؛ إذ ينفضُّ المجلس مع أذانِ العِشاء، ويتوجَّه الضيوف إلى مسجد الحيِّ، وصديقًا آخر يجلس لزوَّارِه بعد صلاة ظهرِ يوم الخميس إلى الساعة الواحدة، وثالثًا مساء كل أحَدٍ، وهكذا...
• مساعدة الناس أمرٌ طيِّب حثَّ عليه الدِّين، واقتضته المُروءة، ولكن الحكمة وضعُ الشيء في موضعه، فلا تدَعِ الآخرين ينقُلون إليك مسؤولياتهم لتقومَ بها نيابة عنهم.
• تعلَّمْ أن تقول: (لا) بلباقةٍ، كنْ حازمًا ولطيفًا في الوقت نفسِه مع الذين يضيِّعون وقتَك، إرضاءُ الناس جميعًا غايةٌ لا تدرَكُ؛ لذا لا تحسب حسابًا كثيرًا لعَتْبِ الذين لا يقدِّرونَ مسؤولياتك، ولا يحترمون وقتك، إن الذي يقول: (نعم) مكان (لا) لا يستطيع إدارةَ وقتِه بنجاح.
ب- الهواتف:
أصبح الهاتف إحدى ضروراتِ الحياة المعاصرة، ومع أن الهاتف يوفِّرُ لنا الكثيرَ من الأوقات الثمينة، إلا أنه يمكن أن يكون واحدًا من مضيعات الأوقات، ويقدِّمُ بعضُ المختصين في الإدارة نصائحَ لاستعمال الهاتف، يمكن لنا جميعًا أن نستفيدَ منها؛ فهم ينصَحون باستعمالِ الهاتف للأمور الآتية:
• لاختصار خطوات معيَّنة، أو لتجنُّبِ زيارة يأخُذُ الانتقال إليها ومنها وفيها وقتًا طويلاً، وفي بعضِ الأحيان لتجنُّب السفر.
• للحصول على معلومات تحتاجها بسرعة؛ كالسؤال عن موعدٍ معين، أو اسم شخص، أو عنوانه، أو رقم هاتفه، أو عن موعد رِحلة جوية..
إلخ.
• لإيصال بعض المعلومات لأشخاص أو هيئات.
• للبقاءِ على اتصال مع الآخرين لمصلحة العمل، أو لمصلحة اجتماعية؛ فالمسافات تباعَدَتْ، والأعباء والشواغل تنوَّعت، ومضيعات الأوقات كثُرَت، حتى صارت صلةُ الأرحام والإخوان قليلة جدًّا، ويمكن للهاتف في مثل هذه الحالة أن يحلَّ نصف المشكلة؛ وذلك بأن تخصصَ - مثلاً- ساعة في كل أسبوع أو أسبوعين تتصل فيها بالأقرباء، والأصدقاء، والزملاء.
• لا تستخدمِ الهاتف بدلاً عن رسالة رسمية مهمة.
• لا تستخدم الهاتف لمناقشة المسائل الحسَّاسة؛ لأن الحديث الهاتفي ينقُصُه التأثيرُ الذي يحدُث في أثناء المقابلة وجهًا لوجه، ولا لمناقشة الموضوعات المعقَّدة؛ لأن القدرةَ على الانتباه في الهاتف محدودة، وأنت لا تدري بحال الطَّرَف الآخر، ولا بالصوارف التي يمكنُ أن تصرفَه عن محادثتك.
• إذا كنت مشغولاً بأمرٍ يؤذيه الانقطاع عنه، فاستعِنْ بجهاز تسجيل المكالمات لتعرفَ مَن اتصل بك، وما الرسالة التي تركها لك، لتردَّ عليه في الوقتِ الملائم لك، أو اطلب من أحد أن يردَّ على الهاتف، ويعتذر عنك، لانشغالك، وأخذ المعلومات اللازمة من المتَّصل.
• عند البدء في مكالمة يستحسن أن يُعرِّفَ المتَّصلُ بنفسه مباشرة، وأن يوجزَ عبارات التحية والمجاملات.
• تخصيص وقت معيَّن في اليوم إن أمكن لإجراء الاتصالات الهاتفية.
• التعرف على أوقات مَن تريد الاتصال بهم لاختيار أنسَبِها، وأغلب الناس لا يُطيلون الحديثَ قبيل ساعة الغَداء، أو قبيل الانصراف.
• يفيد -في بعض المكالمات- أن يكتبَ الإنسان على ورقة الموضوعات التي يودُّ الحديثَ عنها، حتى لا ينسى منها شيئًا.
• المبادرة بالاتصال بمن تتوقَّعُ أن يتصلَ بك، ومِن عادته الإطالة في الكلام.
ج- الاجتماعات:
الاجتماعات نوعان: نوع تدعو إليه، وآخر تُدعى إليه، وكلها تمرُّ بمراحل: الإعداد، والتنفيذ، والتقويم والمتابعة.
وفيما يلي أفكارٌ واقتراحات جديرة بالتأمُّل لحسن الاستفادة من وقت الاجتماعات:
• التحضير الجيد للاجتماع، وتحديد أهدافه، لا على شكل نقاط للمناقشة فحسب، بل على شكل عملٍ نقوم به وإجراء نتَّخذه.
• إعداد جدول أعمال الاجتماع وتوزيعه على المشاركين قبل انعقادِه بوقت كافٍ.
• إمداد المشاركين في الاجتماع بالمعلومات اللازمة قبل انعقاده، وتدوين ما يحتاج إلى تدوين في أثنائِه، وتوزيع ما يلزم توزيعه على المشاركين بعد انتهاء الاجتماع.
• مَنْع المقاطعات والخروج عن موضوع الاجتماع بالتعليقات أو الاستطرادات.
• التقيُّد بوقت الاجتماع في البَدْء والانتهاء.
• اختيار المشاركين بعناية، وعدم دعوة مَن لا فائدةَ في حضوره.
• تحليل وتقويم سَيْر الاجتماعات بقَصْد تطويرها في المستقبل.
• الاستغناء عن الاجتماع أصلاً ما لم تكُنْ هناك حاجة حقيقية له.
د- التسويف (التأجيل):
كتب طاهر بنُ الحسين لابنه عبدالله عندما ولاَّه المأمون الرقَّة ومِصر:
"وافرغ من عمل يوم، ولا تؤخِّره لغدك..
فإن لغدٍ أمورًا وحوادثَ تُلهيكَ عن عملِ يومك الذي أخرت، واعلَمْ أن اليوم الذي مضى ذهَب بما فيه، فإذا أخَّرتَ عمَلَه اجتمع عليك عملُ يومين، وإذا أمضيتَ لكل يوم عمله، أرَحْتَ بذلك نفسك".
وقال أحد إخوة الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: "يا أمير المؤمنين، لو ركبتَ وتروَّحْتَ، قال: فمَن يجزي عني عمل ذلك اليوم؟ قال: تجزيه من الغد، قال: فدحني عملُ يومٍ واحد، فكيف إذا اجتمع عليَّ عملُ يومين؟!".
إن مِن أهم أسباب النجاح بتوفيق الله القيامَ بالعمل اللازم في وقته، أما التسويفُ فهو إما تقديم ما له أولويةٌ تالية على ما له أولوية عالية، أو دَفْع العمل وتأخيره، حتى يخرج وقته.
ولمعالجة التسويف يمكن الاستفادةُ من المقترحات الآتية:
• الاعتراف به، إذا ما لم تعرف وتعترف أنك مريضٌ فلن تذهبَ إلى طبيب.
• أن يقومَ المرءُ بدراسة عاداته وتحليلها، وليسأل نفسه: ما المهام التي أؤجلها غالبًا أو دائمًا؟ ما النتائج السلبية التي تترتَّب على تسويفي وتأجيلي؟ ما أسباب تأجيل كلِّ مهمة أقوم بتأخيرها عن وقتها؟ ما الطرق التي يمكنني اللجوءُ إليها للتخلُّص من التسويف؟
فلا بد إذًا من التخلُّص من العادات الخاطئة، وإحلال عادات صحيحة مكانها، ولا تتعجل النتيجة، خُذْ عادة واحدة في وقت واحد، وأعدَّ نفسك شهرًا للإقلاع عنها إذا كانت سلبية، أو لاكتسابها إذا كانت إيجابية، ولا تحاول تغييرَ كلِّ شيء دفعة واحدة.
ولا تنسَ أن تحديد الأهداف بوضوح، وترتيب الأولويات بشكلٍ صحيح، وإعداد قائمة بالأنشطة التي ينبغي إنجازُها كلَّ يوم - هو أنجح الوسائل في القضاء على التسويفِ.
هـ- التلفاز:
الحديث عن التلفاز حديثٌ ذو شجون، والأخذ والردُّ حوله كثيران، والموافق والمخالف يدلي كل واحد منهما بدَلْوه، والإنصاف يقتضي أن تذكرَ الحسنات، وتُحسَب لكل حسنة نقاطُها، والسيئات، وتحسب لكل سيئة نقاطها، ثم يُنظر إلى المحصِّلة بعد ذلك.
على أن الذي لا يكاد يخالف فيه منصفٌ هو أن التلفاز أصبح واحدًا من أهم مضيعاتِ الأوقات في البيوت، وهذا هو الجانب الذي يَعنينا في حديثنا عن إدارة الوقت، وحُسن الاستفادة منه.
ومن المفيد أن نستمع إلى رأي رجلٍ غربي في هذا المجال حتى ننجو من إطلاقِ الأحكام على الأشخاص من واقعِ بيئتنا العربية، وخلفياتها الفكرية أو الاجتماعية.
يقول فرِدْ أُور في كتاب (كيف تنجح في العمل): "يقدِّم التلفاز لمعظم الناس تشويقًا جذابًا، ويمكن القول: إنه يجعل المشاهدَ يسترخي، ويعلم ماذا يجري في العالم من حوله، ولكن الحقيقة المجردة هي أن أغلبَ البرامج التلفازية مصمَّمة للترفيه، حتى في الأخبار! ولا حرجَ على الإنسان في طلب التسلية والترفيه، لكن القضية هي في إنفاق الوقت دون حساب أمام التلفاز، ونحن جالسون متجاهلين الواجبات الأخرى!".
ولتنظيم وقت مشاهدة التلفاز يمكن اتباع الاقتراحات الآتية:
• اقرأ نشرة البرامج وأشِّر على المفيد أو الممتع منها بقلم مميز.
• لا تَنْسَ أنَّ تشغيل التلفاز يستغرق ثواني معدودة، ولا يتطلب جهدًا يذكر، لكن إيقافَه يُخفق فيه أكثرُ الناس!
• عندما تريد مشاهدة الأخبار، أو بعض البرامج القصيرة، تجنَّبِ الجلوس، وشاهده واقفًا.
• عند مشاهدة البرامج الطويلة استعِنْ بمنبِّه تضبطه على الوقت المناسب الذي تخصِّصه مسبقًا لمشاهدة البرنامج، وبمجرد سماع المنبِّه ابتعد عن التلفاز.
• اجعل مشاهدة التلفاز أمرًا غيرَ مريح، ضَعْه في مكان غير مناسب، في الدور السفلي مثلاً، أو في غرفةٍ مقاعدها غير مريحة، أو لا مقاعدَ فيها.
• إذا كانت هناك برامجُ تحرص عليها، ووقتُها لا يُناسبك فيُمكنُك تسجيلها بالفيديو، ومشاهدتها في الوقت الذي يناسبك.
• الحلُّ الأمثل للشِّفاء من مرض الإدمان على التلفاز هو بيعُه والتخلُّص منه!!
هذا كلامُ رجل غربي بعيد عن بيئتنا العربية، وتصوراتها، وقِيَمها، ومع أن اقتراحه الأخير بالتخلُّص من التلفاز نهائيًّا غير عمليٍّ إلا أنني ذكرتُه للمغزى العميق الذي ينطوي عليه.
و- الإنترنت والبريد الإلكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعي:
وهي تشبه الثقوبَ السوداء التي تبتلع الوقت ابتلاعًا، والفائدة منها عظمى، بل أصبحت لا يُستَغْنَى عنها، وهي في الوقت نفسه شَرَكٌ خطير، وشرٌّ مستطير؛ من حيث إضاعتُها للوقت، والحكيم الذي يستفيد منها وينجو من سلبيَّاتها.