نساء الجيل الفريد.. دعوة للتقليد
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
من طبائع كثير من النساء حب التقليد، والنظر لكل جديد فتجد قلوبهن متعلقة بالبحث عن الجديد، ومنهن من تبحث عن أحدث الصيحات، وأخريات يقلدن صديقاتهن في شراء أثاث جديد أو تغيير الستائر أو السيارة أو الجوال، أو شراء الجديد من الحلي، وغيره..وللأسف لم يقف التقليد عند ذلك، لكن أصبحن يقلدن نساء الغرب في اتباع أسلوبهن في تربية أبنائهن وبدأ حديث الأمهات مع أطفالهن يدمج اللغة العربية باللغة الإنجليزية، أو الفرنسية أو غيرها من اللغات، ولم يغزو التقليد الأمور الظاهرة فقط، بل بدأ يغزو ويزحف بخطره الفكري والعقائدي، فلما انبهرت النفوس بظاهر التقدم والازدهار عند الغرب حاولوا تقليدهم في كل شيء حتى حصل ما وصلنا إليه من انحلال في أكثر بلاد المسلمين!
ويرجع السبب الأول لذلك التقليد الأعمى هو: البعد عن منهج الله تعالى، ثم ما دسته وسائل الإعلام المسرطنة بأفكارها الغربية، مما أثر على عقول شبابنا وبناتنا فأقبلوا على السم بكل لهفة وإعجاب وسرور.
فإذا كان الحب والرغبة في التقليد أصبحا هكذا، فلماذا لا نعطي لأنفسنا فرصة تشبه وتقليد حقيقة لهؤلاء النساء ذات الطراز الفريد اللاتي رضي الله عنهن ورضوا عنه، وأقمن مجتمعًا عظيمًا وأنشئن جيلاً فريدًا، وفزن في الدنيا ، وفي الآخرة ينتظرهن الفوز الأكبر.
وهذه نماذج سامقة أقدمها إليكم لبعض النساء العاقلات القانتات، المجاهدات الصابرات، العابدات الداعيات العالمات، لعلنا نتعلم منهن فنتذوق للتقليد الصائب مذاقا آخر.
فكان أولهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقد أحرزت من العلم ما جعل الصحابة يتلقونه منها حتى قال العلماء : "بأن ما يقرب من ربع الأحكام روتها عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت كجامعة إسلامية عالمية، فإذا عضل للصحابة مسألة كانوا يرجعون لعائشة، وقد روت ما يقرب من 2200 حديثا عنه صلى الله عليه وسلم".
فكانت من أفقه الناس رأياً في أصول الدين، وكانت وحيدة عصرها في علوم مختلفة، قال الزهري: "لو جمع علم الناس كلهم وأمهات المؤمنين لكانت عائشة أوسعهم علما".
أما (حفصة بنت سيرين) فكانت تقرأ القرآن وهي في سن الثانية عشر، وماتت وهي في سن التسعين من عمرها، فكان ابن سيرين إذا أشكل عليه شيء من القرآن قال: "اذهبوا فسلوا حفصة كيف تقرأ".
وأما (زينب بنت عبد الله بن عبد الحليم بن تيمية) الحنبلية فقد كان من تلاميذها الإمام الحافظ (محمد بن ناصر الدين الدمشقي الشافعي ).
أما في جانب العبادة فقال القاسم: "كانت عائشة تصوم الدهر كله"، غير ما قدمت لزوجها صلى الله عليه وسلم رمزًا ومثلا من رموز المحبة والمودة والألفة فكانت أقرب نسائه حبًا له وقد مات في غرفتها ودفن فيها.
وأما (زينب بنت جحش) رضي الله عنها فكانت أيضًا صوامة قوامة، كثيرة الصدقة ، والعطاء حتى كان يقال عليها: "أم المساكين".
وأما (آمنة بنت أبي الورع) فكانت من الخاشعات الخائفات، العابدات القانتات، فكانت إذا ذكرت أمامها النار بكت بكاء شديد حتى أبكت من حولها.
وفي العقل والحكمة فهيا نقلد من رسمن صورة عالية للمرأة المسلمة الداعية الصابرة.
ومن هؤلاء (أم سُليم) التي تأدبت بأخلاق الإسلام فدعت زوجها للإسلام بكل حب وود لكنه رفض، ثم بدأت تلقن ابنها (أنس) الشهادة وهو صغير ولبى الصغير نداءها، وبعد وفاة زوجها في أحد رحلاته تقدم إليها أبو طلحة فرفضت زواجه وجعلت دخوله في الاسلام مهرًا أو شرطًا لقبولها الزواج منه، وأحبت أن تفوز بقول النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرًا لك من الدنيا وما فيها» (رواه البخاري )، فجعل الناس يقولون: "ما سمعنا بامرأة قط كانت أكرم مهرًا من أم سُليم".
وقد ضربت لنا مثلا أيضًا للصبر والاحتساب حين فقدت ولدها وأعانت زوجها على تقبل هذه المصيبة بصبر ويقين، فدعا لهما النبي صلى الله عليه وسلم، وخلف الله لهما بعبد الله الذى كان من صلبه عشرًا من علماء الإسلام الأخيار.
وها هي أم سَلَمة رضي الله عنها فعندما هاجرت مع المهاجرين هي وزوجها حيث اشتد أذى الكافرين عليهما، ففي أول الطريق فقد منعها أهلها من السفر برفقة زوجها، وعندما علم أهل زوجها بذلك رفضوا أن ترافق وليدها معها، فأخذوا منها ولدها وقالوا: "نحن أولى برعايته"، ففي ساعة واحدة تفتت الشمل فأصبحت هي في مكان وولدها الصغير في مكان آخر، وزوجها مهاجر عنهما وصارت ما يقرب من عام على هذا الحال، تأتي في نفس المكان الذي شهد هذه الواقعة تدعو ربها وتبكي وتتبتل إليه حتى تقبل الله تعالى دعاءها وجمع شملها هي وزوجها وولدها، وبعدها توفى عنها زوجها فقالت: "اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها" (رواه الترمذي)، فتزوجها بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وكان خير خلف لها جزاء لصبرها واحتسابها.
ولتقلدن من النساء الحكيمات الثابتات، والمجاهدات الصابرا?، ومن قامت بحق ربها وحق بيتها وأبنائها وقامت بدورها خير قيام، فهذه (أسماء بنت أبي بكر) زوجة حواري رسول الله صلي الله عليه وسلم (الزبير بن العوام)، والتي لقبت بذات النطاقين، وعندما تزوجها الزبير كان فقيرًا لا يملك إلا فرسًا اقتناها، فكانت نعم الزوجة الصالحة فقدمت الخدمة إليه على أحسن وجه، فكانت تسوس فرسه وترعاه وتدعمه وتعينه حتى أصبح زوجها من أغنى أهل المدينة وأكثرهم صدقة.
ومنهن أم عمارة (نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف)، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «ما التفت يوم أحد يمينًا ولا شمالاً إلا ورأيت أم عمارة تقاتل دوني» (رواه الشوكاني)، وحينما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ابنها حبيبا إلى مسيلمة الكذاب فغدر به وقتله أشد قتله، فلما سمعت نعي الناعي لولدها حبيب فقالت المرأة الصابرة الصامدة: "من أجل مثل هذا الموقف أعددته وعند الله احتسبته".
وأما (الخنساء) فأوصت أولادها الأربع عندما خرجوا للجهاد قالت لهم: "يا بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنوا رجل واحد، كما إنكم بنوا إمرأة واحدة، ما هجنت حسبكم، وما غيرت نسبكم، واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية، اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون"، فلما سمعت بشهادتهم الأربعة لم تقل إلا "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته".
ومن النساء الحكيمات التي يجب أن نتعلم منهن رجاحة عقولهن صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، زوجة العوام وابنها الزبير بن العوام نشّأته على القوة والخشونة والبأس، وربته على الفروسية والشجاعة، وعندما وجدت أخاها حمزة في غزوة أحد قد قتل ومثّل به ظلت تقول: "إن ذلك لله، لقد رضيت بقضاء الله، والله لأصبرن ولأحتسبن إن شاء الله".
وقد سجل لها التاريخ شجاعتها في غزوة الخندق حينما خرج الصحابة ورابطوا على حواف الخندق وتركوا النساء والذراري بحصن لـ(حسان بن ثابت) وحدهن دون من يحميهن، وقد جاءهم جاسوس يتلصص من اليهود عليهن لينقل هل معهم من يحميهم أم لا، فتلفعت بخمارها وخرجت بعد أن ترقبته وتمكنت منه فضربته ضربة تلي الأخرى حتى أخرجت أنفاسه ثم قطعت رأسه ودحرجتها من أعلى الحصن حتى وصلت واستقرت في أيدي اليهود، الذين كانوا يتربصون بهؤلاء النساء فظنوا أن رجالا يحرسون الحصن ففروا وعادوا أدراجهم، فكانت المرأة الحكيمة الشجاعة بل أول امرأة قتلت عدوًا في الإسلام.
ومن النساء من كانت تخاف الله وتتقيه فتقول لزوجها عندما يخرج لعمله: "اتق الله، اتق الله، ولا تطعمنا إلا من حلال، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار"، فتعطي مثلا للزوجة التي تعين زوجها على الكسب الحلال.
وغيرهن من النساء الكثيرات اللاتي رسمن أروع الصور للمرأة المسلمة فها هن من نساء الرعيل الأول والجيل الفريد، فمن هو الأجدر إذا بالتقليد والتشبه.
أميمة الجابر