[158] سورة النحل (2) - تدبر - محمد علي يوسف
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
وفي سورة النحل مثال مُحزن لمن كان على الاستقامة فحاد عنها وزلّ عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة، المشتملة على الصد عن سبيل الله..يقول الله: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيم} [النحل:94]..
واتخاذ الأيمان دخلًا أي خديعة ومكرًا وهو نوع من التنفير وفتنة الخلق في الدين..
نعم..
عدم تحمل المسؤولية والمكانة التي يتمتع بها الصالحون في قلوب العباد - صد عن سبيل الله وفتنة للناس عنه..
وإن البعض إذا دخل بقدمه وكاد أن يستقيم ثم رأي من يفترض أنهم قدوة وقد عاهدوه وأقسموا الأيمان على الوفاء ثم غدروا به؛ لم يبقَ له وثوق بالدين، فيصد بسبب ذلك عن الطريق الذي كادت قدمه أن تثبت عليه..
وللأسف كثير ممن هم في مقام القدوة يهونون على أنفسهم خطورة هذا العامل بترديد تلك القاعدة العظيمة المنسوبة لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا يُعرف الحق بالرجال"..!
وهي كقاعدة لا غبار عليها؛ فلا أحد معصوم وبالتالي لا بنبغي منطقًا أن يرتبط الحق بشخص يخطئ ويصيب
لكن كم من الناس يدرك تلك القاعدة ويطبقها؟!
كم من الخلق يتعامل على أساسها ولا يفتن بضدها؟!
الحقيقة الواقعية والمشاهدة أن أكثر الناس يتأثرون وربما يفتنون بأفعال المتدينين وأخلاقهم ويدققون في خصال وخيارات أهل العلم والفضل وينظرون دومًا إلى صنيعهم وينتظرونه..
ولذلك راعى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر واعتبره فقال: «إن منكم لمنفرين» (رواه البخاري ).
نعم هي ليست حجة مبرِّرة لأفعال وتفريط النافر لكنها حجة على المُنَفِّر والمستهين بقيمة القدوة، والمتغافل عن كون مقام الرجل الصالح في نفس الإنسان البسيط هو مقام كبير ومهم ينبغي أن يصان وأنه إن سقط في النفس كانت النتيجة لا تُحمد عقباها..
كل هذا يضاعف من مسؤولية القدوات وأهل العلم الصلاح ويُعظِم ضرورة الالتفات إلى أهمية دعوة الحال، وعدم الاكتفاء بدعوة اللسان والمقال وأن كثيرًا مما يتهاون فيه البعض من الأفعال يعد من الصد عن سبيل الله وسبب لأن تزلّ قدم عن طريق هداية كانت قد ثبتت عليه يومًا ما.