Warning: Undefined array key "member_user" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/379f6d1c5f54bdd9f12bcbc99cdb8fd8709cb09e_0.file.header_new.tpl.php on line 272
int(210) array(0) { }

أرشيف المقالات

خطورة ظاهرة التصدي للفتوى من غير العلماء في مواقع التواصل الاجتماعي لأغراض دنيوية

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
خطورة ظاهرة التصدي للفتوى من غير العلماء
في مواقع التواصل الاجتماعي لأغراض دنيوية
 
من المنكرات - أو بالأحرى الموبقات - التي نراها في مواقع التواصل الاجتماعي هو القول على الله بغير علم، وإصدار فتاوى من غير العلماء، وهذا نراه يتكرر من أصحاب قنوات اليوتيوب خاصة، وفي الشبكة العنكبوتية عامة، ولا شك أن هذا لا يجوز شرعًا، فلا يحق لكل من فتح قناة على يوتيوب أن يُفتيَ بما يرى دون دراسة عميقة لأحكام الشرع، ومعلوم أن باب الاجتهاد والفتوى صعب، ويحتاج تعمق في العلم والإحاطة بعلوم شرعية جمة؛ ولذا يجب ألَّا يتصدر للفتوى إلا العلماء، بل العلماء الربانيون خاصة؛ حيث إنهم أولى بها ممن دونهم في العلم، فكيف لهؤلاء الذين لا علاقة لهم بالعلوم الشريعة، ولمجرد قراءة كتاب أو كتابين يتصدرون للفتوى لمتابعيهم، فيهلكوا أنفسهم ويضلوا الناس؛ وقد حذر القرآن من التقوُّل على الله بغير علم في أكثر من موضع؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النحل: 116، 117]، ولا شك أن الإنسان سيُسأل عن كل صغيرة وكبيرة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]؛ قال الطبري رحمه الله في تفسيرها: "إن الله سائل هذه الأعضاء عما قال صاحبها، من أنه سمع أو أبصر أو علم، تشهد عليه جوارحه عند ذلك بالحق، وقال أولئك، ولم يقل تلك"[1]، فلا بد للإنسان أن يتعلم ويتعمق في العلم الشرعي قبل أن يتصدر للفتوى، وقد دعا القرآن إلى الدعوة إلى الله على بصيرة؛ أي: علم وبيان؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾ [يوسف: 108]؛ قال ابن كثير في تفسيرها؛ أي: يقين وبرهان شرعي وعقلي[2]، ولا يخفى على أحد أن القول على الله بغير علم كبيرة من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]؛ وقد أخرج ابن القيم في (إعلام الموقِّعين) عن ابن مسعود وابن عباس قالا: "من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه، فهو مجنون"[3]؛ وذلك لِما في خطورة الفتوى وعقوبة التصدي لها بغير علم كافٍ وعميق.
 
الدوافع للقول على الله بغير علم:
من الأمور التي تدفع الناس لارتكاب هذه الكبيرة ما يلي:
• حب الظهور والشهرة في مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت.
 
• الجهل بأنها كبيرة من الكبائر تستوجب العقاب؛ ولذا نجد بعض أصحاب النيات الحسنة قاموا بها لهداية الناس؛ وذلك لجهلهم بعقوبتها.
 
• بعض الأغراض الدنيوية مثل زيادة عدد المشاهدات في قنوات اليوتيوب لتحصيل مال أكثر.
 
• التسرع في إطلاق الأحكام دون بحث جادٍّ.
 
• الأخذ من مصادر غير موثوق بها.
 
• مداراة الناس واتباع هواهم لنيل ثقتهم، كذلك مداراة الرؤساء ورجال الدولة؛ لكسب ودهم وثقتهم وعطاياهم.
 
نشر فتاوى خاطئةمن منظور مقاصد القرآن:
• نشر فتاوى خاطئة إن كان عن جهل، فهو قول على الله بغير علم، وهو كبيرة، وقد تتناقض مع مقصد التشريع.
 
• وأما إن كانت من علم وتجرُّؤ وتقوُّل على الله، فهو أشد في الإثم، ويستوجب العقاب إن لم يَتُبْ مرتكبها، ومن ينشرها لا يتورع ولا يرتدع بالوعيد، وهذا يتناقض مع مقصد المواعظ، والإنذار، والتحذير، والتبشير، كما أنها لا تتماشى مع مقصد إصلاح الاعتقاد، وتعليم المعتقد الصحيح ومقصد التشريع؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 144].
 
• القول على الله بغير علم فيه نوع من التجرؤ على الله، وسوء الأدب معه، وقد يتنافى مع تهذيب الأخلاق.
 
• وهي تنشر معلومات خاطئة؛ ولذلك تتناقض مع مقصد التعليم.
 
• الفتاوى الخاطئة قد تتداخل مع السياسة، وتتناقض مع مقصد سياسة الدولة، وربما ساعدت فتوى عدم تكفير اليهود والنصارى وأصحاب الديانات الأخرى في اتخاذ رؤساء الدول القرار بسياسة التطبيع معهم، ولا شك أنها خاطئة، ومن قال بها، اطلَّع فقط على بعض النصوص دون ربطها ببقية الآيات الأخرى التي تُكفِّرهم بصريح النص؛ ولذا يجب الإحاطة بكل النصوص في الموضوع المعين، وبعلوم جمة لإصدار فتوى، ولا ينبغي أن تصدر من طلبة العلم المبتدئين، أو من غير المتعمقين في العلوم الشرعية.
 
النصائح والضوابط المقترحة:
• نشر العلم وتوعية الناس بخطورة الفتوى، وأنه يجب على من يتصدى لها أن يكون متعمقًا في العلوم الشرعية.
 
• يستحسن عمل لجنة إفتاء شرعية من علماء الأمة المختصين ليتولى أمر الفتوى والإجابة على أسئلة الناس.
 
• يستحسن عمل موقع للفتوى ليتمكن الناس من إرسال أسئلتهم بخصوصية، ويشرف عليه نخبة من علماء الإفتاء، ويديره طلبة علم على منهج أهل السنة.
 
• يُستحسن حجب القنوات والمواقع التي تصدر الفتاوى من غير ذوي الاختصاص، وممن يصدرون فتاوى تخالف مصادر التشريع من قرآن، وسنة، وقياس، وإجماع؛ حتى لا يضلوا الناس وإن صلحت نواياهم.
 
• التحذير والوعيد لمن يقوم بهذا دون علم شرعي.



[1] انظر تفسير الطبري، تفسير سورة الإسراء، آية ٣٦.


[2] أبو الفداء، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت ٧٧٤ هـ)، تفسير القرآن العظيم، الطبعة الثانية، تحقيق سامي بن محمد السلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، ١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م، ٤/ ١٢٢.


[3] أخرجه ابن القيم في إعلام الموقعين، ١١٩/٢.

شارك المقال