مائدة الإفطار في المساجد
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
مما لا شك فيه ولا ريب، أن المساجد هي النواة الأولى في دولة الإسلام، وأنها المنطلق الأول لنشر دين الإسلام، ومنها انطلقت ألوية الفتوحات الإسلامية، التي دكت صروح الكفر وأبادتها، وفيها تخرج أئمة الإسلام من العلماء والفقهاء والدعاة، وفيها حفظ الملايين من أبناء المسلمين كتاب الله العزيز، فالمساجد هي المحاضن الكبرى لتربية الأجيال..وأحلى منظر يُنظر إليه في مساجد المسلمين، في شهر رمضان المبارك، ساعة الإفطار عندما يجتمع الصائمون في المسجد، وأمامهم السُّفَر ممدودة، وعليها أصناف الطعام اللذيذة والشهية، ولا تمتد أيديهم إليها حتى يرتفع الأذان مُؤذنًا بالفطور، الله أكبر!! هذه قمة العبودية لله، ثم تجد المنظر الماتع والممتع قبيل الأذان، عندما يرفع الصائمون أيديهم داعين ربهم قائلين: اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، وبك آمنا، وعليك توكلنا، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله..
المساجد لها طعم خاص في شهر رمضان، ونكهة مميزة عن غيره من الشهور، ولهذا فإني سأهدي ثلاث مجموعات من الزهور لثلاثة رجال من الأمة على النحو الآتي:
المجموعة الأولى: أهديها لإمام مسجد الحي، فأقول له:
أخي إمام المسجد: عدد المصلين يزداد في المساجد، خلال شهر رمضان المبارك، ونفوس المسلمين تصبح أقرب إلى ربها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين» (متفق عليه).
فإنه ينبغي الاستفادة من هذه المزايا لتكثيف النشاط الدعوي خلال هذا الشهر الكريم وخاصة في المساجد..
وعليه أخي إمام المسجد، إليك برنامجًا دعويًا مُقترحًا، يمكن تطبيقه في مسجد الحي.
وأظنه لا يخفى عليك، ولكنه من باب الذكرى التي تنفع المؤمنين، وأنت منهم إن شاء الله:
1- توزيع الأشرطة والكتيبات الإسلامية:
أقترح أن يقف صغار السن عند أبواب المسجد، بعد صلاة المغرب ليقوموا بتوزيع الأشرطة، والكتيبات الإسلامية، ويفضل أن يبدأ بتوزيع أشرطة القرآن الكريم .
2- توزيع الفتاوى :
هناك فتاوى هامة عبارة عن مطوية، أو ورقة واحدة فقط، لكبار العلماء، مثل: حكم العمل في البنوك الربوية، كثرة خروج النساء إلى الأسواق، تأجير المحلات لبيع المحرمات، الدش....
3- تنظيم مسابقة للصغار:
وذلك بحفظ مجموعة من سور القرآن، وكذلك بعض الأذكار النبوية، ويتم تكريمهم، وإعطائهم الجوائز أمام أولياء أمورهم وجماعة المسجد في الوقت الناسب.
4- تنظيم مسابقة للنساء:
وذلك بإعداد وتوزيع أسئلة في مصلى النساء ليقمن بالإجابة عليها، ووضعها في صندوق خاص عندهن، وبالإمكان أن تكون الأسئلة عن مواضيع معينة في الأشرطة والكتيبات التي تم توزيعها عليهن، لتكون دافعًا للاستماع والقراءة، ويفضل الأسئلة التي لها أثر تربوي، فمثلا بدل أن يوضع سؤال يقول من ذات النطاقين؟ يستبدل، بسؤال لماذا سميت ذات النطاقين بهذا الاسم؟
5- القراءة على المصلين بعد صلاة العصر:
وذلك للفتاوى المتعلقة بالصيام، أو الأحاديث والآثار الدالة على فضل شهر رمضان وصيامه، وما تراه مناسباً ذكره لأهل حيك.
6- القراءة على المصلين قبل الإقامة لصلاة العشاء:
وذلك في سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام والسلف الصالح كالإمام أحمد، وابن تيمية، والبخاري، نظرًا لما في السيرة من أحداث، وعظات، ودروس تشتاق النفوس لسماعها، وتتأثر بها بإذن الله، وكذلك قراءة فصول في الرقائق كعذاب القبر ونعيمه، والجنة والنار، أو في أعمال القلوب كالإخلاص، والمحبة، والتوكل، وفي مواضيع مختارة في العقيدة كالولاء والبراء، والذهاب إلى السحرة والكهان، أو مواضيع عامة كأهمية الرفقة الصالحة، وفضل الأخوة في الله ، وصلة الرحم، وفضل الأذكار، والاهتمام بأمور المسلمين.
7- استضافة بعض العلماء والدعاة:
وذلك لإلقاء كلمات قبل الإقامة لصلاة العشاء، أو بين صلاة العشاء والتراويح.
8- الاستفادة من لوحة الإعلانات بالمسجد:
وتكون بخط واضح وجذاب، على أن يتم تغييرها كل يومين، وتتناول محاسن الأخلاق ، وفضائل الأعمال، أو غير ذلك.
9- جمع التبرعات لصالح المشاريع الخيرية الإسلامية، أو لصالح المنكوبين من المسلمين والفقراء.
وأخيرًا أخي إمام المسجد، لا تنس أمرًا هامًا قبل القيام بهذا البرنامج وخلال تنفيذه وبعده، ألا وهو الدعاء بأن ينفع الله بتلك الأنشطة، ويبارك فيها، ويجعل عملك خالصًا لوجهه تعالى...
فهنا سوف تتحقق النتائج المرجوة بإذن الله.
أسأل الله لك التوفيق والإعانة والسداد.
المجموعة الثانية: أهديها إلى عموم الصائمين والصائمات، فأقول:
كل أوقات شهر رمضان مباركة، ويضاعف فيها الأجر والثواب، ولكن!! هناك ثلاث ساعات، ألفت نظر واهتمام إخوتي الصائمين والصائمات لها، وهي:
الساعة الأولى: أول ساعة من النهار، "بعد صلاة الفجر ":
قال الإمام النووي رحمه الله في كتاب الأذكار: أعلم أن أشرف أوقات الذكر في النهار، الذكر بعد صلاة الصبح.
وأخرج الترمذي عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله، حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة» (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن) .
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الغداة، جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسناء.
ونص الفقهاء على استحباب استغلال هذه الساعة بذكر الله تعالى، حتى تطلع الشمس.
لذا يكره النوم بعد صلاة الصبح، لأنها ساعة تقسم فيها الأرزاق، فلا ينبغي النوم فيها، بل إحيائها بالذكر والدعاء، وخاصة في شهر رمضان الذي فيه يتضاعف الأجر والثواب.
الساعة الثانية: آخر ساعة من النهار، "قبل الغروب":
هذه الساعة الثمينة تفوت على المؤمن الصائم غالبًا، بسبب الانشغال بإعداد الإفطار، والتهيؤ له، وهذا لا ينبغي لمن حرص على تحصيل الأجر، فهي لحظات ثمينة، ودقائق غالية، هي من أفضل الأوقات للدعاء، وسؤال الله تعالى، فهي من أوقات الاستجابة.
كما جاء في الحديث: «ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر» (رواه الترمذي).
وكان السلف الصالح لآخر النهار أشد تعظيمًا من أوله، لأنه خاتمة اليوم، والموفق من وفقه الله لاستغلال هذه الساعة في دعاء الله.
الساعة الثالثة: وقت السحر ، السحر: هو الوقت الذي يكون قبيل الفجر.
قال الله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}.
فاحرص أخي الصائم على هذا الوقت الثمين، بكثرة الدعاء والاستغفار، حتى يؤذن الفجر، وخاصة في شهر رمضان فلنستغل هذه الدقائق الروحانية فيما يقوي صلتنا بالله تعالى.
قال تعالى حاثًا على اغتنام هذه الساعات الثمينة بالتسبيح والتهليل: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ}، وقال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ .
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}.
قال الحسن البصري رحمه الله: الدنيا ثلاثة أيام: أما أمس فقد ذهب بما فيه، وأما غدًا فلعلك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه.
المجموعة الثالثة: أهديها لشباب الأمة الإسلامية، فأقول:
اهتم الإسلام بالشباب اهتمامًا عظيمًا، لأنهم عصب الأمة ورجالها، الذين يحملون عبء الرسالة وابلاغها إلى العالمين، ولقد قامت نهضة الإسلام من قبل على أكتافهم وسواعدهم.
إن أمتنا ومجتمعنا اليوم أحوج ما تكون إلى جهود العاقلين المخلصين من شبابها حاجة الأرض العطشى إلى مدامع الغيث، لأن الشباب وحدهم القادرون على حمل بشائر التفاؤل والأمل إلى صدور أبناء الأمة، القادرون على منح الأمة ابتسامة رجاء وأمل تحفظ وجودها وتمنحها إمكانية الاستمرار في مواجهة الأخطار والمحن المتكالبة على أبنائها، المحيطة بهم من كل حدب وصوب إحاطة السوار بالمعصم، ولن يكون ذلك إلا إذا تخلص الشباب من أمراض التفاهة والميل إلى اللهو واللامبالاة، وتخلصوا إلى الأبد من التقليد السطحي الأعمى لأبناء الأمم الأكثر مدنية، وتبرؤا من شعورهم بالغربة والانسلاخ عن وطنهم وأمتهم.
إن الانتماء الإيجابي للوطن يحتم على الشباب أن يعملوا مخلصين على الخروج من ظلمة الجهل والتبعية إلى نور العلم ، والشعور بالقدرة والكرامة والاستقلال، وأن يأخذوا بكل السبل المتاحة للارتقاء بأنفسهم ومجتمعاتهم وأمتهم، إلى الحد الذي يضمن لهم الكرامة والشعور بالحرية ويضمن لأمتهم الهيبة والاحترام بين أمم الأرض، وما ذلك على الشباب بعسير لو توفرت الإرادة المخلصة والعزيمة الماضية والإيمان الراسخ فيد الله على يد كل مخلص غيور.
فتى الإسلام يا أمـلًا به الأيام تبتسـم
ويا حلمـًا تمنتــه بلاد ضحكهـا ألم
قلوب الناس ظامئـة وفي يمناك ريِّـهم
عيون الناس في أرق وأنت النوم والحلم
وها هو رمضان –معاشر الشباب– أنتم فيه، وفيه الفرصة سانحة لتراجعوا أمر دينكم، وتفِّروا إلى ربكم الذي يحبكم، هاهو باسط يديه بالليل ليتوب مسيء النهار، وباسط يديه بالنهار ليتوب مسيء الليل.
أخي الشاب: ماذا تنتظر؟؟ أعلنها من الآن توبة صادقة، انظر إلى ربك!! إنه باسط يديه، ينتظر قدومك إليه تائبًا...
إلهي...
إلهي: ماذا وجد من فقدك؟؟ وماذا فقد من وجدك؟؟
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ملحوظة: لا تنسني أُخَيَّ من صالح دعائك...
سعد العثمان