أرشيف المقالات

(4) أسس الحضارة الإسلامية - صناعة العلماء - راغب السرجاني - صلاح الدين سلطان

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
بسم الله الرحمن الرحيم
د.
صلاح:
دائمًا يُقال أن الحضارة الإسلامية حضارة من الحضارات التي قامت على أكتاف الحضارات الأخرى التي سبقتها، وأنها جمعت هذا النتاج كله ثم قدمت شيئًا قليلًا!
 
د.
راغب:
هذه النعرة موجودة الآن بقوة لضعف الأمة الإسلامية في هذا الزمن، حتى أن فوكوياما ذكر أن التاريخ انتهى بسيادة الحضارة الغربية، مهملًا بذلك كل إسهامات الحضارة الإسلامية القوية التي غيرت التاريخ!
الذي يقول هذا الكلام إما إنسان مُشحِف لم يدرس الأمر حق الدراسة وإما مُشحِف قرأ الحق وخالفه وإما أنه جاهل لم يقرأ عن التاريخ، لأن الذي يقرأ التاريخ يشهد أن هذه الأمة أضافت للإنسانية ما لم تحققه أمة غيرها مطلقًا، وذكر ذلك علماء غربيون منصفون مثل غوستاف لوبون وبريفولت وويل ديورانت.
فلا يحق لأحد التكلم عن الرقي والحضارة إلا الأمة الاسلامية وفي كل وجوه التحضر.
 
د.
صلاح:
ومن المنصفين روجر بيكون وزيغريد هونكه.
 
د.
راغب:
لكن هناك نقطة مهمة جدًا، وهي أن المسلمين لم يكن عندهم حساسية في أن يأخذوا شيئًا من الآخرين.
والمسلم الذي يضع لنفسه قيودًا فلا يأخذ طبًا ولا هندسة أو غيرهم من غير المسلم هذا إنسان لا يفهم، ويخلط الاعتزاز بدينه والاعتزاز بعقيدته وأخلاقه، فهذه العلوم الأخلاقية والدينية مجال آخر، فنحن عندنا ما يكفينا في ديننا، فأمور الشريعة وأمور العقيدة نمتلكها، أما العلوم الطبيعية فهي ميراث الإنسانية، ليس لدينا مانع أن نأخذ منهم.
والعالم المسلم عالم معتز بدينه ولا يكون لديه مانع أن يذهب إلى أمريكا مثلاً ويأخذ منها علمًا في علوم الذرة ويذهب إلى ألمانيا فيأخذ علمًا من علوم الطب ويذهب إلى اليابان فيأخذ علمًا من علوم الكمبيوتر، فهذا ميراث الإنسانية، والأعظم من هذا ثم لا يكون لديه مانع بعد أن يحصل هذه العلوم أن يعلمها لغيره من غير المسلمين.
أما أوروبا لم تعرف علماءها إلا عن طريق المسلمين، وعن طريق الترجمة الإسلامية، ولم نأخذ هذه الترجمة ووقفنا عند هذا الحد، بل نحن أخذنا هذه العلوم ثم نقدناها، فأخذ العلماء المسلمون يحللون ويجربون واكتشفنا الصحيح منها من الخاطئ، وأثبتنا الصحيح وتركنا الخطأ ثم بعدها طورنا هذه الحضارات، ثم بعد ذلك ابتكرنا علومًا جديدة.
 
د.
صلاح:
فالمنهجية التي كانت تحكم علماء المسلمين ليست عقلية الانغلاق وليست عقلية الأخذ دون تصويب وتصحيح وليست عقلية الوقوف عند هذا الحد، بالعكس، يأخذونه من أجل تطويره.
 
د.
راغب:
والروعة بعد كل هذا هو تصديره لغيرنا، والحضارة الاسلامية هي أول من عرف نظام البعثات العلمية والمنح الدراسية للآخرين من دول أخرى مسلمين كانوا أو لا، فيأتون ليعيشوا في بلاد المسلمين ليتعلموا، ليس فقط فقه وعقيدة وأخلاق، بل ليتعلموا فيزياء وكيمياء وطب وهندسة في داخل الجامعات الاسلامية.
فنحن عندنا في الحضارة الإسلامية علماء مسلمين قادوا مسيرة الإنسانية عدة قرون متتالية، ولن نسمح لأي متطاول على الحضارة الإسلامية أن يقول أن الحضارة الإسلامية ماهي إلا انعكاس للحضارات الأخرى.
وأطمئن الجميع أن {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران من الآية:140]، فنحن الآن في دورة نرى فيها شيئاً من التبعية للغير وشيئاً من الاعتماد عليهم لكن هذه مرحلة زائلة إن شاء الله وستكون العاقبة للمسلمين، وسيأتي جيل يستطيع أن يغير هذه الأوضاع.

ودورنا أن نعرف حجمنا في هذا الكون ولسنا نعيش على هامش التاريخ، لكن يجب أن يكون لنا دور في التغيير، ولا يهم السن فهناك من الناس من بدأ حياته العلمية في سن متقدم جدًا ووصل إلى القمم، مثل يوسف بن تشفين.
 
د.
صلاح:
ومثل الدكتور فريد عبد الخالق أخذ الدكتوراه وعمره 94 سنة ودخل في الموسوعة العالمية كأكبر رجل يفعل ذلك، وهذا شيء ممتاز أن يضرب هذا الرقم القياسي ليكون نموذجًا.
ونجد في صحيح البخاري في كتاب العلم ، باب (تعلُم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم العلم في كِبَر سنهم)، وباب آخر (لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر).
وإخواننا المتقاعدون عليهم أن يكونوا مشروع علمي، والذي خرج للتقاعد وكذلك من يعاني من البطالة ينبغي لهم طلب العلم ويخرجوا لتعلم القرآن أو السيرة أو الحضارة أو اللغات أو الكمبيوتر أو الكيمياء والعلوم النافعة.
 
د.
راغب:
ولهم دور آخر مهم وهو توريث الخبرة، فإن كان هناك رجل كبير في السن عاش 40 سنة في مجال معين من الأعمال، فهناك كثير من الطلبة يحتاجونه ويحتاجون خبرته وتاريخ علمه.
 
د.
صلاح:
فعلينا كلنا أن نتعلم وأن نخوض هذا المشوار بكل قوة، ولا يجب أن يترك أحد {إقرأ} [العلق:1] لأن بها نبدأ مشوار صناعة الحضارة، ولا يجب أن نلعن الظلام ونحن جزء منه، فعلينا جميعًا أن نأخذ طريق العلم لصناعة الحضارة الإسلامية كما صنعها أسلافنا وأجدادنا وعلماؤنا.
 
 
لسماع هذه الحلقة:  أسس الحضارة الإسلامية

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١