تأمُّل في موقف الإسلام من المُتع الحلال! - أحمد كمال قاسم
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
إن المسلم في نظر الإسلام: هو إنسان له رسالة في الحياة وهذه الرسالة تقتضي التشمير عن ساعد الجد لها ليل نهار. فالدنيا في نظر المسلم دار عمل وموقع المتعة الحلال فيها موقع له هدف وهو دفعه في طريق رسالته وتحفيزه على عمله.
موقف الإسلام من المُتع الحلال:
بالطبع العنوان هنا يدل على المضمون؛ فالمُتع التى أباحها الله عز وجل هي من حق الإنسان المسلم وليس لأحد الحق في سلبها منه أو تحريمها، يقول الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف:32].
ولكن كما أن الإسلام دين الوسطية في كل شيء؛ فكذلك موقفه من المُتع الحلال فهو يوصي بها دون إفراط أو تفريط حيث أن كل منهما يلهي الإنسان عن رسالته.
فالتفريط يجعل الإنسان مشتاقاً شوقاً يلهيه عن أساس الحياة وهو تأدية الرسالة والإفراط يجعله قليل العزيمة وذلك بإغراقه فيها حتى ينسى وظيفته، ويظن أن الحياة متعةٌ خالصة وبناءاً عليه فإنه لا يقدر على جهاد أيَّاً كان نوع هذا الجهاد بِدأً من جهاد النفس مروراً بجهاد العلم والعمل وانتهاءاً بجهاد النفس.
التفريط في المُتع الحلال - مغالاة مضرة بالفرد والمجتمع.
تروي لنا السنة الصحيحة هذه الحادثة:
- أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم: لا أتزوج النساء ! وقال بعضهم: لا أكل اللحم! وقال بعضهم: لا أنام على فراش! وقال بعضهم أصوم فلا أفطر! فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمِدَ الله وأثنى عليه، ثم قال: «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (الراوي: أنس بن مالك رضي الله عنه - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: [3217]).
الإفراط في المُتع الحلال؛ أمثلة:
1- الطعام والشراب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، حسب ابن آدم أكلات يُقِمنَ صلبه فإن كان لا محالة : فثلث طعام، وثلث شراب، وثلث لنفسه» (الراوي: المِقدام بن معد يكرب رضي الله عنه - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدِّث: ابن مفلح - المصدر: الآداب الشرعية - الصفحة أو الرقم: [3/183]).
فالمسلم عندما يوفِّي حاجته من الطعام دونما إسراف يكون قوياً خفيفاً بعيداً عن أمراض كثيرة.
2- متعة النوم.
المتأمِّل في وقت صلاة الفجر ؛ يجد عجباً! يجد أن هذا الوقت هو من أحلى أوقات النوم في الليل ولكنه يجد أن الإسلام وكأنه ينبه المسلم "مهلاً مهلاً" لا تغرق في متعة النوم فأنت دائماً تحتاح للاخشوشان كي تؤدي رسالتك.
إن الإسلام يأمر الإسلام أمراً أن يقوم من هذا النوم الجميل ويقف في الصف في الصلاة كأنه في جهاد، بل هو في جهاد، ثم لاحرج بعد أن ينهي الصلاة أن يكمل نومه.
ولكنه لم يتركه ليغرق في متعة النوم حتى يحافظ عليه دائماً مستعدا للجهاد في شتى مجالات الحياة.
وكذلك وضع الله تعالى سنة لها شأنها في الإسلام وهي سنة قيام الليل .
فتأمَّل!
3- متعة النساء.
إن الله عز وجل قد وضع قيدين على هذه المتعة.
حتى لا يغرق المسلم فيها كما غرق الغرب الذين فعلوا كل شيء في هذا الصدد حتى أنهم أخذوا يبحثون عن مُتع جديدة بلا توقف.
فالنفس الإنسانية لا تشبع أبداً إذا لم تُفطم.
أ- وضع الإسلام قيداً مكانياً في هذه المتعة؛ وهو تحريم إتيان الزوجة في الدُبر، قال تعالى: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأنفسكم وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة:223].
وهذا التعبير الذي يحمل في طياته الأدب الجمّ؛ يوجه المسلمين أن إتيان الزوجة لا يكون إلا من مكان الحرث وهو مكان الولد.
ب- وضع الإسلام قيداً زمانياً في هذه المتعة؛ وهي عدم إتيان الزوجة في فترة الحيض ، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222].
الاستنتاج:
الإسلام يريد أتباعه غير محرومين من مُتع الحياة -فلا رهبانية في الإسلام- وذلك حتى يكونوا أسوياء ويستطيعون تأدية رسالتهم في الحياة على أكمل وجه، وهو أيضاً لا يريدهم أن يُغرقوا أو يَغرقوا في هذه المُتع حتى لا يصابوا بالميوعة والوهن النفسي ونسيان الرسالة الأصلية، وحتى يعلموا جيداً أن ما أحلَّه الله لهم من مُتع هي وسائل لتأدية الرسالة وليست غايات تُطلب لذاتها.
والله أعلم.