تركيا الجديدة وجيل القرآن
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
عندما تقترب من مجموعة من الصغار الذين يتحلقون في حلقات صغيرة بأحد جوامع مدينة إسطنبول وهم يجتهدون في قراءة القرآن الكريم تدرك أنهم يواجهون صعوبة في نطق اللغة العربية لكنهم يبذلون جهدا لتعلمها في هذه المراكز التي تعلم القرآن وتعاليم الدين الإسلامي تحت رعاية الحكومة التركية.ويقول عمر فاروق بلجيلي مفتي حي باهتشال إيفلر في مدينة إسطنبول: "نريد تأسيس جيل يكن الاحترام لوالديه ووطنه ولمجتمعه، نحن هنا لا نعلم القرآن فقط، بل نعلم حسن الخلق والتعامل مع الآخرين فضلا عن المعلومات الدينية".
في السابق لم يكن مسموحا تعليم القرآن في تركيا إلا بعد سن الرابعة عشرة وكانت تضطر الأسر التركية تعليم أبناءها القرآن سرا، خوفا من العقاب التي كانت تفرضه السلطات على معلمي القرآن آنذاك.
وبعد إلغاء قانون تحديد السن أصبحت هذه المراكز تعج بجميع الفئات العمرية وحتى سن الثامنة عشرة.
وتقول حوا يوكسيل والدة أحد التلاميذ: "لم نكن محظوظين مثل هؤلاء الأطفال، فأنا تعلمت قراءة القرآن وأنا في الخامسة والعشرين من عمري لكن طفلي اليوم يتعلم القرآن ويحفظه وهو في سنته الرابعة، ويزور المسجد كل يوم ويتعلم معنى الإسلام والقرآن".
انتشار مراكز تعليم القرآن وتحفظيه في السنوات الأخيرة أثارت خلافات كبيرة في تعارض واضح مع النظام الذي تأسس على أسس علمانية منذ تسعين عاما.
محمد تكين أستاذ العلوم الاجتماعية يقول: "في بلدنا يمكنك مشاهدة فتيات ترسل إلى مراكز تعليم رقص الباليه وتجد أخريات يذهبن إلى مراكز تعليم القرآن وهذا لا يتعارض مع قيم الديمقراطية".
وتقول إدارة الشؤون الدينية التركية المشرفة على هذه المراكز إن أعداد الراغبين بتعلم القرآن في ازدياد مضطرد فقد سجل هذا العام حوالي مليون طالب، وهو ضعف العدد الذي سجل العام الماضي.
ومراكز تعليم القرآن الصيفية تنشط في أشهر الإجازة الصيفية، لكن هناك معاهد تعمل طوال العام وتُخرج المئات من الحفاظ ومعلمي القرآن الكريم، وسعيا منها للاهتمام بمراكز تحفيظ القرآن قامت هيئة الشئون الدينية التركية بتبني خطة لتحويل التعليم في بعض المراكز إلى نظام السبورة الإلكترونية الذكية مما أدى بدوره إلى إقبال أعداد كبيرة من الطلاب على تعلم القرآن الكريم والعلوم الإسلامية في فترة قصيرة.
ومنذ سيطرتها على السلطة عقب إنهيار الخلافة العثمانية سعت الحكومات العلمانية المتعاقبة في تركيا إلى فرض قوانين تحد من حريات المواطنين الدينية وخصوصا المسلمين.
لكن منذ تسلم حزب العدالة والتنمية سدة الحكم بدأت تلك العراقيل القانونية في الانهيار شيئا فشيئا، فبعد السماح للمحجبات بالدخول إلى المدارس والجامعات، نال أطفال تركيا الحرية في تعلم القرآن الكريم، على إثر القرار الوزاري الذي أصدرته الحكومة التركية في أواخر عام 2011.
وتعطي الحكومة التركية الحالية الحرية لأهالي الأطفال بإرسالهم إلى دروس تعليم القرآن الكريم دون التقيد بأي سن أو مرحلة عمرية.
وفي وقت من الأوقات صدر قرار عن مجلس الأمن القومي التركي يقضي بعدم السماح للأسر بإرسال أطفالها تحت سن الرابعة عشر لتعلم القرآن الكريم حتى أن (مدارس الإمام الخطيب الدينية الحكومية) أغلقت مراحلها الابتدائية والإعدادية.
وكانت تمارَس أنواع شتى من العقوبات بحق المخالفين قد تصل إلى الإعدام.
أحمد أبو دقة