أرشيف المقالات

حجاب الموضة؛ قد لا يستر

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .

هل أصبح الحجاب مجرد "زي" أو "قطعة ملابس" يجري أصحابها وراء أحدث ما تنتجه بيوت الأزياء أو ما تبتكره خطوط الموضة العالمية؟ ولماذا تلهث الفتيات وراء أشكال وألون الحجاب اللافتة للنظر، وهو ما يُطلق عليه "حجاب الموضة"؟

هذه الأسئلة وغيرها باتت مطروحة بقوة في الآونة الأخيرة مع انتشار أشكالٍ متعددةٍ للحجاب بعضها -إن لم يكن أغلبها- لا يخضع للشروط الشرعية للحجاب، بل إنها تتناقض مع المراد من الحجاب.

مواقف متباينة:

مواقف الفتيات من الأشكال الجديدة للحجاب تتباين بشكل كبير، فالبعض يدافع بقوة بدعوى الحفاظ على المظهر الجميل للفتاة، بينما ترفض أخريات هذا الأمر بشدة، حيث تقول "ليلى محمد 20 عاماً"، والتي تعكس ملابسها التزاماً بالزي الشرعي الكامل: "الفتاة التي ترتدي حجاب الموضة لا تكون مقتنعة بفكرة ارتداء الحجاب، كما أن شخصيتها تكون مترددة".

وتُحمّل "ليلى" محلات بيع الألبسة والتجار دورًا أساسيًا في عملية ترويج هذه الأزياء؛ خصوصًا محلات الألبسة الشرعية التي باتت تبيع ملابس ضيقة للمحجبات.

موقف "ليلى" أيدته بشدة "نهى عادل" قائلة: "حجاب الموضة المنتشر حاليًا من طرح شفافة وصغيرة أحيانًا، وعباءات مزركشة أو ضيقة، ينافي الوقارَ، ويلفت الأنظارَ إلى المرأة ، وهذا يخلُّ بشروط الزي الشرعي".

وفي مقابل ذلك أبدت "سارة حلمي" رأياً مختلفاً، وتقول: "أحب أن ألبس حجابي على الموضة فهذا يجعلني أكثر "شياكة".

أما "ندى أحمد" فقد رأت صديقاتها يرتدين "البادي والشال" فأعجبها زيهن، فذهبت مع إحداهن إلى المحل الذي اشترت منه هذا الزي واشترت مثله".

حجاب مرفوض:

هذا التباين في الآراء حسمته الأستاذة "فاطمة القوسي" -عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الأزهر-؛ إذ اعتبرت أن المرأة المسلمة عندما أُمرت بالحجاب فهي "أمرت به لعدم جذب انتباه الرجال؛ فالشريعة أمرت المرأة باللباس الشرعي، وحددت له مواصفات وهي ألاّ يكون شفافاً، وأن يكون ساتراً للجسم باستثناء الوجه والكفين".

وتابعت: "الحجاب المنتشر هذه الأيام هو ما يُسمّى بحجاب الموضة، وأنا شخصياً لا أحب إطلاق لفظ الموضة على الحجاب؛ لأن الحجاب ليس موضة ظهرت هذه الأيام وسوف تنتهي، فأصبحنا الآن نرى الحجاب -كغطاء للرأس- يأخذ عدةَ أوضاع مختلفة الشكل حتى أضحت معظم المحجبات يرتدينه على اعتبار أنه موضة تتغيَّر بين الحين والآخر كلما تغيَّرت خطوط الموضة، وهو ما أدّى إلى ظهور الربطات المختلفة للحجاب، فنجد ربطةً تظهر الأذن وأخرى تظهر الرقبة.
ناهيك عن شكل الملابس التي يتم ارتداؤها أسفل الحجاب، والتي تحدد الجسم وتظهره أكثر ما تخفيه".

حجاب واحد:

وبذات المنطق الشرعي، أكد "أ.
محمد المهدي" -باحث شرعي- أن ما يوجد اليوم من لبس للفتيات والسيدات ليس بحجاب صحيح، وأضاف: "الحجاب يجب أن يكون فضفاضاً، وألاّ يجسم ويصف ما تحته، فطالما ستر الحجاب جميع بدن المرأة فلا ضرر منه، مثل هذا الزي الذي ظهر هذه الأيام وترتديه الفتيات الملتزمات، ويُطلق عليه "الإسدال" فهو لا يصف ولا يجسم، بينما البلوزة الضيقة التي تبرز كل تفاصيل الجسم وتُسمّى "البادي" وترتديه المحجبات فهذا ليس حجاباً على الإطلاق؛ لأنه يصف كل مفاتن جسدها".

ونفى المهدي أن يكون هناك حجاب شرعي وحجاب آخر للموضة، مشيراً إلى أن الحجاب معروف منذ قديم الأزل وِفقاً لنصوص القرآن الكريم ، مؤكداً أن بعض الشركات باتت تتخذ الإسلام والحجاب وسيلة للتجارة والتربح، وتقوم بتصميم أزياء وملابس ضيقة وبألوان فاقعة للمحجبات، وهو للأسف لا يناسب الفتاة المحجبة.

عرض وطلب:

وفي جولة سريعة بين محلات بيع ملابس المحجبات- خاصةً محلات بيع الطرح سألنا أصحابها عن نسبة اتجاه الفتيات لحجاب الموضة، فقال "إبراهيم عبد الله" -صاحب أحد محلات بيع الحجاب-: "إن 60% ممن يأتين هنا يسألن عن طرح الموضة بأشكالها المختلفة، والإقبال على الخمار ضعيف جداً، لذلك قررتُ إلغاء بيعه، خاصةً أنه- بأصنافه وألوانه- يحتاج إلى مكانٍ كبير، كما أن مكسبه قليل، ولا يوجد إقبال عليه مقارنةً بالأشكال الأخرى للحجاب التي يزيد الطلب عليها مهما اختلفت المواسم أو تغيَّرت".

وتتفق معه "منال إبراهيم" -التي تعمل في محل لبيع الطرح- إذ تقول: "الإقبال على الخمار ضعيف، وينحصر في السيدات كبار السن، بينما الفتيات يُقبِلن على الطرح القصيرة لأنها الموضة السائدة".

أزياء للمحجبات:

وفي محاولة للتوفيق بين الضوابط الشرعية للحجاب وبين رغبة الفتيات في ارتداء كل ما هو جديد وجذاب، دعت الحاجة "زينب عبد الهادي" -داعية إسلامية- دعت رجال الأعمال، وكل المهتمين بأزياء المحجبات بتخصيص "بيوت أزياء" خاصة بالفتيات والسيدات المحجبات، شرط أن تلتزم هذه البيوت بالزي الإسلامي الصحيح، وبشكلٍ لائق وجميل لا تنفر منه المسلمة.

وأضافت: "للأسف عندما تدخل الفتاة أو السيدة المعارض أو المحلات لشراء زي مناسب ويليق بحجابها، تلاقي معاناة كبيرة، حتى تجد ملابس محترمة واسعة تناسبها، فلو ألقينا نظرة على ما يُعرض الآن في الأسواق سنجد 90% من الملابس الجاهزة باديهات ضيقة واسترتشات وجيبات كلها مصممة كي تصف الجسم وتجذب نظر الرجال".

وأوضحت الحاجة "زينب" أنه حتى "الطرح والإيشاربات" أصبح الآن هناك ما يُسمّى "سبانيش" أي أن تكون الطرحة قصيرة جداً، وتظهر الأذن والرقبة وخصلات من الشعر، ولهذا أدعو أصحاب محال أزياء المحجبات بأن يُعيدوا النظر فيما يبيعونه للمحجبة، وبأن يجعلوا قسماً خاصاً بأزياء المرأة المسلمة يتناسب مع حجابها كما وصفه المولى عز وجل.

كما دعت رجال الأعمال إلى إنشاء بيوت أزياء خاصة بالزي الإسلامي للمرأة حتى لا تجد عناء في البحث عن زي مناسب لحجابها الصحيح، على أن يعمل في هذه البيوت مصممو أزياء متخصصون في الزي الإسلامي الذي لا يشفّ ولا يصف، وأن يقوموا بالإعلان عن هذه البيوت حتى تلجأ إليها الفتاة والسيدة المحجبة، ومن هنا ينتشر الزي الشرعي المناسب للمحجبات".

ضوابط شرعية:

وعن أوصاف الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة، يقول فضيلة الشيخ الدكتور "يوسف القرضاوي": إن النصوص القرآنية واضحة وصريحة؛ ففي سورة الأحزاب يخاطب المولى عز وجل الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب من الآية:59].

ويوجز الشيخ القرضاوي أوصاف حجاب المرأة المسلمة في:

أولاً: أن يغطي جميع الجسم عدا الوجه والكفين.

ثانياً: ألا يشفّ الثوب ويصف ما تحته.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أهل النار «نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها» (أخرجه مسلم في صحيحه).

ومعنى «كاسيات عاريات» أن ثيابهن لا تؤدي وظيفة الستر، فتصف ما تحتها لرقتها وشفافيتها.

وقد دخلت نسوة من بني تميم على عائشة رضي الله عنها وعليهن ثياب رقاق فقالت عائشة: "إن كنتن مؤمنات، فليس هذا بثياب المؤمنات"، وأُدخلت عليها عروس عليها خمار رقيق، شفاف فقالت: "لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا".
فكيف لو رأت عائشة ثياب هذا العصر التي كأنها مصنوعة من زجاج؟

ثالثاً: ألا يحدد أجزاء الجسم ويبرز مفاتنه، وإن لم يكن رقيقاً شفافاً، فإن الثياب التي ترمينا بها حضارة الغرب، قد تكون غير شفافة، ولكنها تحدد أجزاء الجسم ومفاتنه، فيصبح كل جزء من أجزاء الجسم محدداً بطريقة مثيرة للغرائز الدنيا ، بل وأشد إغراء وفتنة من الثياب الرقيقة الشفافة.


مروة حمزة
 

شارك الخبر

المرئيات-١