فضل العقل وذمِّ الهوى - جمال شاكر عبد الله
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
من أعظم نعم الله على عباده أن وهبهم العقل الذي يُميِّزون به بين الأمور، ويُسيّرون أمورهم به، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أصل الرجل عقله، وحسبُه دينه، ومروءته خُلقه". وقال الحسن البصري: "ما استودع الله أحداً عقلاً إلّا استنقذه به يوماً ما".
قال بعض الأدباء: "صديق كل امرئٍ عقله وعدوه جهله".
وقد ينقسم قسمين: غريزي ومكتسب.
فالغريزي هو العقل الحقيقي؛ وله حدٌّ يتعلق به التكليف لا يجاوزه إلى زيادة ولا يقصر عنه إلى نقصان، وبه يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان، فإذا تم في الإنسان سُمّيَ عاقلاً وخرج به إلى حد الكمال، كما قال صالح بن عبد القدوس: "إذا تم عقل المرء تمت أموره وتمت أمانيه وتم بناؤه".
وأما العقل المكتسب فهو نتيجة العقل الغريزي وهو نهاية المعرفة، وصحة السياسة، وإصابة الفكرة.
وليس لهذا حدّ؛ لأنه ينمو إن استُعمِل وينقص إن أُهمِل.
حكى الأصمعي رحمه الله قال: "قلتُ لغلام حدَثٍ من أولاد العرب كان يُحادثني فأمتعني بفصاحةً وملاحة: أيسرُّك أن يكون لك مائة ألف درهم، وأنت أحمق؟ قال: "لا والله"، قال: فقلتُ: ولم؟ قال: "أخاف أن يجني علي حمقي جناية تذهب بمالي ويبقى علي حمقي".
فانظر إلى هذا الصبي كيف استخرج بفرط ذكائه، واستنبط بجودة قريحته ما لعله يدق على من هو أكبر منه سناً، وأكثر تجربة.
وأحسن من هذا الذكاء والفطنة ما حكى ابن قتيبة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ بصبيانٍ يلعبون وفيهم عبد الله بن الزبير فهربوا منه إلا عبد الله؛ فقال له عمر رضي الله عنه: "ما لك؟ لِمَ لا تهرب مع أصحابك؟"، فقال: "يا أمير المؤمنين لم أكن على رِيبةً فأخافك، ولم يكن الطريق ضيقاً فأُوسِّع لك"، فانظر ما تضمنه هذا الجواب من الفطنة وقوة المنة وحُسن البديهة، كيف نفى عنه اللوم، وأثبت له الحُجّة فليس للذكاءِ غايةً، ولا لجودةِ القريحةٍ نهاية.
المرجع: (أدب الدنيا والدين)، للإمام أبي الحسن الماوردي رحمه الله.