إسلاميون في الاتجاه المعاكس - محمد جلال القصاص
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
يُنَظّر بعض التوجهات الإسلامية في مصر حاليا لنموذج "ديمقراطي إسلامي" أو مصالحة تاريخية بين الدين "الإسلام" وبين الدنيا ، بين مفاهيم الإسلام وأسسه وبين ما توصلت إليه الحضارة الغربية اليوم؛ لإيجاد ديمقراطية حسيبة نسيبة ذات أخلاق كريمة تحترم التعددية وينعم فيها الجميع بما يشاءون.
وهذا الكلام عجيب؛ هذا أولاً: عجيب من الناحية الشرعية؛ إذ أن الشريعة تأبى تماما التسليم بمساوئ الديمقراطية، فالشريعة الإسلامية لا يمكن تركيبها على أسس ديمقراطية؛ ببساطة لأن الحكم في الشريعة الإسلامية لله، والحكم في الديمقراطية للشعب، السلطة التي تعطي النص الصفة الإلزامية ومن ثمَّ تحوله لقانون مُلْزِم هي الشعب في الديمقراطية أو الطغمة الحاكمة في الديكتاتورية، وفي الشريعة الإسلامية السلطان لله وحده لا شريك له {قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس : 59] {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} [الروم : 35] {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف : 33]، فلو سلمنا جدلا أننا استطعنا أن نجعل نصوص القوانين المستوردة كلها موافقة للشريعة الإسلامية فإن هذا لا يعني ببساطة أن الشريعة الإسلامية قد طبقت ذلك أن الذي أعطى النصوص صفة الإلزامية (جعلها أمرا أو قانونا) هو الشعب ممثلا في بعض أفراده وليس أن ذلك كلام الله الخالق الرازق المحي المميت مالك يوم الدين.
والشريعة الإسلامية لا تنظر للدنيا بمعزل عن الدين، بل هذا من ذلك، ولا تنفصل السياسة أبدا عن الدين، تخرج من قواعده وتظل محكومة بمفاهيمه وتصوراته.
فليس ثمت خصومة لإقامة صلح بين الدين والسياسة، وليس ثمة فجوة في التصور الإسلامي في السياسة أو غيرها تجعلنا نستورد نظماً ديمقراطية أو غير ديمقراطية، وليس ثمت مساحة تجلس فيها الديمقراطية تحت مظلة الشريعة الإسلامية.
والشورى التي تتكلم عنها الديمقراطية غير الشورى في الشريعة الإسلامية، في مناطها وفي أفرادها؛ فهي لا تكون في الشرائع في الحلال والحرام وإنما في آليات التنفيذ، لا تكون في الثابت وإنما في المتغير المتصل بالثابت، ولا تكون لكل من هب ودب وإنما للذين يستنبطونه منهم.
وذلك التنظير لديمقراطية إسلامية عجيب أيضاً من الناحية الواقعية؛ إذ أن الواقعيين يرفضون الديمقراطية من عدة زوايا:
1- منها أنها مرحلة تاريخية انتهت صلاحيتها أو كادت، فالذي يبصره كل ذي عينين أن الديمقراطية بدأت تشد رحالها، وأن الصراع اليوم بدأ يتجدد على خلفيات دينية، فكل الصراعات القائمة اليوم على خلفيات دينية، في أفغانستان، وفي العراق، وفي فلسطين ، وفي الصومال، حتى الصراعات الفكرية.
2ـ ومنها أن الغرب محركه الأساسي هو أن يبقى سيدا يقتات من رزقنا ويتملك رقابنا، فهو يبارك الأنظمة الديكتاتورية في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية ولا يتكلم عن الديمقراطية إذا كانت ستأتي إليه بمن لا يحافظ على مصالحة.
3ـ ومنها أن المد الديني يتزايد في العالم كله، يدل على هذا انتشار حملات التنصير في كل بقاع العالم، ويدل على هذا أن الصحوة الإسلامية هي حديث وكالات الأنباء، ومواقع الإنترنت، وأن كبرى القضايا في مصر وغير مصر مرتبطة بالدين (أقباط، إخوان، جهاد..
إلخ)، والأمر لا يحتاج استحضار شواهد.
شيء واحد عقلي يملكه المنادون بالديمقراطية من الإسلاميين هو أنه إن وجدت ديمقراطية حقيقية فإن الشعب سوف يختار الإسلام والإسلاميين، وهذا كلام لا يرقى لمستوى التطبيق على أرض الواقع؛ فليس هناك نظام يفرط في هيكله ويرضى الانقلاب عليه فقط لأن الشعب أراد ذلك، وقديما قال فرعون عن موسى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر : 26]، وموسى عليه السلام كان في قصر فرعون مؤمن بالله، وفرعون كان ديمقراطيا يناقش الحجج ويقول: {إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأعراف : 106]، ولكن حين بدأ التغير يطال نظامه تغير منطقه وتبدلت أفعاله، إن الأنظمة كل الأنظمة الدنيوية تُلمُّع نفسها بالطيبين من إخوان أو سلفيين ولكنها لا تقبل تغييراً حقيقياً.
إن الحديث عن تمكين للإسلام تحت مظلة الديمقراطية أو فوق عربة الديمقراطية حديث ساذج، يأباه كل ذي عقل صحيح، وإن مغازلة الآخر من أجل التقدم كبديل للأنظمة الديمقراطية على الطريقة العراقية "الحزب العراقي الإسلامي" أو الطريقة التركية "حزب العدالة" لا يستقيم في بلد كمصر مثلاً أو ما شابهها من بلاد عربية، وأقل ما يقال في شأنه أنه قراءة ساذجة للواقع في هذه البلاد، حيث أن بها مداً دعوياً فكرياً قوياً يُحدّث الناس بما لا يحدثون به في تركيا.
وإن وقفه صريحة مع النفس تجعل كل ذي عقل يقول عن هذه الأحلام أنها حالة من الهمود والركون، حالة من البحث عن ظل ظليل وماء معين ينعم فيه الإنسان بالنساء والبنين، مكتفيا برفع شعار النضال والنصرة للدين.
26/12/2007
[email protected]
خاص بموقع لواء الشريعة