محطات تربوية في سيرة نبي الله إبراهيم ( مواصفات البيئة التربوية )
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
محطات تربوية في سيرة نبي الله إبراهيممواصفات البيئة التربوية
أمَرَ الله - تبارك وتعالى - إبراهيم عليه السلام، أن يُخرِج هاجر زوجتَه وابنها إسماعيلَ إلى أرض مكة، وكانت في ذلك الوقت صحراء جرداء، لا زرع ولا ماء، ولا يَسكُنُها أحد؛ لعدم وفرة متطلبات الحياة بها، فوضَعهما إبراهيم عليه السلام عند البيت الحرام، فتركَهما وقفل راجعًا، إلا أنه قبل أن يغادر المكان ترك لنا مواصفات وعلامات البيئة التربوية التي يَنبغي أن نحرص على توفيرها لأبنائنا، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 35 - 37]، وهذه المواصَفات هي:
أ - توافُر الأمن والأمان والسلام في هذه البيئة المرجوَّة؛ لأنها من أعظم أنواع النِّعَم وأجلها، وإذا افتقدها الإنسان، اضطرب فكره، واختلَّ عقله، وفقَد اتزانه، فلا يستطيع أن يُقيم أمور دينه، ولا السعي على متطلبات وضرورات الحياة؛ ولهذا قال الحكماء: إن الأمن أفضل من الصحة.
ب - أن يُعبَد اللهُ في هذه البيئة، وأن تُقام فيها العبادات والشعائر بأمان دون ترويع، وأن تكون خالية من البدع والمستحدثات في الدين؛ لأن الإنسان يتأثر بما يُحيط به، ويسلك ما يسلكه المحيطون به، فسلوك الفرد واتجاهاته تعبِّر عن سلوك واتجاهات مجتمعِه؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم مَن يُخالِل))؛ [رواه أحمد والترمذي وأبو داود والبيهقي في "شعب الإيمان"، وحسَّنه الألباني في المشكاة (5019)]، وأشد ما يكون ذلك في الطفل الذي يَكتسِب تربيته بالتقليد والمحاكاة لكل من حوله.
ج - مجتمع يتَّسم بالعمران؛ لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه؛ يحتاج إلى غيره، وغيرُه يحتاج إليه، كما عبَّر عليه السلام عن هذا العمران بقوله ﴿ تَهْوِي ﴾؛ أي: تُسرع، ليبيِّن أن هذا المجتمع العامر لا بد أن يكون التفاعل بين أفراده قائمًا على المحبة والألفة، لا على العداوة والكره والحقد، يُسرع بعضهم إلى بعض من أثر المحبة؛ حيث لا يتوقع من مجتمع يَسُوده الكرهُ أن ينشأ أصحابُه على الحب وعدم الكره.
د - توافر متطلبات الحياة في هذا المجتمع؛ بحيث لا يعاني أفراده جميعًا من الألم والمشقة في الحصول على الرزق، وبحيث يصل أفراده إلى الرضا والقنوع بهذا الرزق، الذي يَستطيعون الحياة به، ويشكرون الله على كل حال؛ حتى لا يَشغلهم البحث والكدُّ والعناء في طلب الرزق عن عبادة الله عز وجل.