أرشيف المقالات

المسلمون في جاوا

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
10الكاتب: محمد رشيد رضا __________ الطاعون واتقاؤه إن الطاعون يعد من الحميات الخبيثة الضعيفة، وأظهر ما يستدل الناس به عليه دبول في الجسد وجمرات على الجلد، ولكن الأطباء يعتمدون اليوم على مكروبه، فمتى وجدوا هذا المكروب في مصاب جزموا بأنه مطعون.
وهو يبتدئ عادة كما يبتدئ أكثر الحميات بتعب وضعف في القوى وقشعريرة وغثيان ووجع في الرأس مع دوار وشعور بثقل فوق المعدة ثم يسخن الجلد ويشتد العطش وتخبث رائحة النفس وربما تقيأ العليل قيئًا أسود اللون وربما أصابه رعاف؛ فنزل الدم من أنفه ويغلب الذرب في معدته على القبض ثم لا يمضي على ذلك بضعة أيام حتى تظهر أورام غُدية في العليل تسمى بالدبول ويغلب ظهورها في الرقبة والإبط والأربية وتظهر الجمرات بعدها على أقسام متعددة من الجسد وهذا الطاعون هو المشاهَد في الإسكندرية الآن وهو أقل شرًّا وأخف وطأةً من الطاعون الذي لا تظهر الدبول فيه، لأن الأول يعدي بالملامسة فلا يتفشى ولا يكثر انتشاره، بخلاف الثاني فإنه يعدي بالملامسة وبلا ملامسة، فهو شديد التفشي كثير الانتشار. وقد ثبت قديمًا وحديثًا أن الطاعون يزداد انتشارًا غالبًا في البيوت الواطئة المزدحمة الفاسدة الهواء الحارة الرطبة، حيث تكثر القاذورات والفضلات الحيوانية والنباتية الفاسدة، وأن معظم الذين يصابون به يكونون من الفقراء الذين لا تغتذي أبدانهم بما يكفيها، أو بما يلائمها من الطعام، حتى لقد سمي في بلاد الإنكليز قديمًا بوباء الفقراء.
وأما الذين يعتنون بنظافة منازلهم وإطلاق النور والهواء النقي فيها ويعتنون أيضًا بنظافة أبدانهم ويأكلون ما يغذيهم ويقويهم، فقلما يصابَون بالطاعون؛ ولذلك لا يكاد يطعن أحد من الطبقات العليا في الناس إلا نادرًا؛ ولذلك أيضًا زال من أوربا شيئًا فشيئًا بإحكام التدابير الصحية وزيادة النظافة بين الخاصة والعامة، حتى إنه إذا دخل إليها ينقطع منها ولا يتفشى بين أهلها. فأحسن الوسائط لاتقاء السليم شر الطاعون أن يعتني بنظافة جسده وثيابه ومسكنه وكل آنيته وأمتعته ويطلق الهواء والنور في غرفه ويعتني اعتناءً تامًّا بكنفه، فيتعهدها بالنظافة ومزيلات الفساد؛ حتى لا يجد مكروب الطاعون سبيلاً إليه.
ومن الحكمة في أيام الطاعون أن لا يُشرب ماء إلا بعد إغلائه لقتل الجراثيم التي تكون فيه، ولا يؤكل طعام إلا بعد ما يُقتل كل ما عليه من الجراثيم، إما بالطبخ أو بالسلق أو بالشيّ وما شاكل، ومن الحكمة أيضًا الابتعاد عن جميع الذين يتكاسلون عن تنظيف أبدانهم وأثوابهم ومنازلهم. هذا في ما يختص بالسليم، وأما إذا أصيب أحد بالأعراض التي ذكرناها فأحسن ما يفعله محبوه لخيره أن يخبروا رجال الصحة حالاً بأمره ولا يخفوا خبره؛ لأن رجال الصحة لا يفعلون شيئًا إلا ما يكون فعله واجبًا لشفاء المصاب ووقاية الذين حوله، وفي خلال ذلك يقفل المنزل الذي يكون فيه ويمنع الناس من الدخول إليه ومن الخروج منه حتى يأتي رجال الصحة ويطهروا ما يطهرون ويشيروا بما يشيرون. ومن أعظم الضرر أن يخالط الأصحاء المطعونين؛ فلذلك تجتنب هذه المخالطة إلا حيث تجب وجوبًا لتمريض المطعونين والاعتناء بصحتهم وحينئذ يجب على الممرضين أن يعتنوا أتم الاعتناء بالنظافة ويكثروا من غسل الأيدي ويجتنبوا نفس المطعونين ومبرزاتهم على قدر الإمكان ويحذروا من التعب وكثرة السهر؛ لئلا يضعفوا فيتعرضوا للخطر. ...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
المقطم __________

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣