نحن والظالم أمام القضاء!
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
كان يوم الثلاثاء الماضي يوماً مشهوداً في تاريخ مصر؛ رددت ذكره الألسنة والأقلام في كل أرض، وستردد ذكراه الألسنة والأقلام على مدى الأحقاب في كل عهد وفي كل معهد! في ذلك اليوم وقفت مصر كلها ممثلة في النقراشي، بجانب إنجلترا كلها ممثلة في كادوجان، أمام العالم كله ممثلاً في مجلس الأمن، ندعي نحن ونثبت، وتغالط هي وتراوغ، ويوازن هو بين حجج الإنسان يبسطها لسان فيصل، وحجج الذئب يؤيدها ناب أعصل، والناس في مشارق الأرض ومغاربها يتتبعون المحاكمة ويترقبون الحكم ليرو بالتجربة أيخضع الأقوياء كما زعموا لسلطان العدل والعقل، أم يظلون كما كانوا يحافظون على الموضوع ولا يغيرون إلا في الشكل!
قضية وادي النيل قضية الحق الذي لا يمارى فيه إلا الذين يتكئون إلى الباطل، ويعيشون على الحرام، ويتسمون على الظلم؛ وقد جعلها النقراشي أداته الواضحة، وحججه الملزمة، من بدائه العقول، فلا يمكن أن تؤتى من جهة القانون والمنطق؛ إنما يجوز أن تؤتى من جهة السياسة التقليدية القائمة على تبادل المنفعة وتقارض المعونة، ويومئذ علم المؤمنون بتقدم العقل، والمتفائلون بتغلب العدل؛ إن العالم يكابد اليوم خدعة أخرى، وإن (هيئة الأمم المتحدة) لم تره إلا اسماً جديداً للاستعمار في أخس معانيه وأقبح صوره.
كان النقراشي بإجماع المنصفين عظيماً في موقفه، رائعاً في بيانه، بارعاً في خطته، صريحاً في طلبه، موفقاً في عرضه؛ فإذا لم يستطع صديقنا الأستاذ الجليل فارس الخوري رئيس مجلس الأمن أن يعصم البصائر من الزيغ، والضمائر من الخدر، فلن نقول يوم يعمى أعضاؤه عن الحق أننا أسأنا الدفاع، أو أضعنا الفرصة، أو تنكبنا الطريق؛ ولكننا سنقول تعلقنا بالخيال وتركنا الواقع، وتدرعنا بالحق وأهملنا القوة سنقول النقراشي يوم يجعلون الحق دبر آذانهم: أراهم أننا أقوياء كما أريتهم أننا محقون. وقل لهم إن شعباً كان تاجه الشمس، ولا يزال علمه الهلال، ومن بين يديه كتاب الله ينطق بالحق، ومن خلفه دول العرب والإسلام تمده بالقوة، لا يفشل من ضعف، ولا يخذل من قلة. - ولكن ما بالك تتسلف الخذلان وتتوقع الجور وتغلو في التشاؤم وسوابق الأقضية في مجلس الأمن تقوى الثقة به وتنعش الأمل فيه؟ ألم تسمع بما قضى به على الروسيا في إيران، وعلى إنجلترا وفرنسا في سورية ولبنان، وعلى هولندا وإندونيسيا في ساحة الميدان؟ - بلى قد سمعت.
ولكن لا ننسى أن الذي تصرف كان الهوى لا القانون، وأن الذي تعفف كان العجز لا العدالة.
فهم إذا اختلفوا حكموا على أنفسهم، وإذا اتفقوا حكموا على الناس! أحمد حسن الزيات