الحروب في تاريخنا للدفاع عن الدعوة
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
الحروب في تاريخنا للدفاع عن الدعوةلم تكن حروبُ الإسلام لإقامة إمبراطوريات، أو لفرض الإسلام على الناس؛ بل كانتْ حروبًا فرضها الأعداءُ على المسلمين؛ فقد عذَّبوهم وأخرجوهم من ديارهم، وتربَّصوا بهم، ومع ذلك عفا المسلمون عنهم!
وكان المسلمون يفرِّقون بين حروب الدعوة وحروب الدولة، ويريدون أن حروب الدولة قد لا تكون في مصلحة الإسلام حتى مع الانتصار، فالعبرة بمصلحة الدعوة للإسلام.
فعندما رأى عمر بن عبدالعزيز (99 - 101هـ) أن الفتوحات أصبحتْ معارك (دولة) على حساب (الدعوة) أوقفها؛ لأن الدعوةَ هي الهدف، وبدون الدعوة تصبح الحروب وسيلةَ تدمير لجميع الأطراف!
لقد شاع لدى كثيرٍ من المؤرِّخين أن عمر بن عبدالعزيز أوقف الجهادَ، وأمر الجند كله بالقفول، بحجة أن الجهاد تحوَّل إلى تجارة، في حين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (رحمة مهداة)، وأنه بُعِث (هاديًا) لا جابيًا، وكان من نتائج ذلك تأخر فتح القسطنطينية، كما كان من نتائجه توقف تقدُّم الإسلام في أواسط آسيا لأكثر من نصف قرن.
ومع ذلك فإن المؤرخين لم يَعِيبوا على عمر بن عبدالعزيز هذا السلوك؛ ثقة منهم في أنه كان يعمل لمصلحة الدعوة، وقد دخل الناس في الدين في عهده أفواجًا، على الرغم من هذا الموقف الذي من شأنه التقليل من هيبة الدولة ومكانتها، وعلى الرغم من مآخذ بعض المؤرخين، لكن الدعاة لم يستسلموا لمفهوم الدولة عن الحروب، بل قاوموه واستخدموا التجربة التاريخية للنبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين لدعم وجهة نظرهم في الدعوة، وفي أن الجهاد بأشكاله المختلفة مستمرٌّ إلى يوم القيامة لحساب الدعوة وحدها.
وعندما فَشِل الفقهاء والدعاة، وانتصر مفهوم (حروب الدولة) بعد عمر بن عبدالعزيز (101 - 132هـ)، كان من الطبيعي أن تترنح الدولة الأُمَوية آيلة للسقوط!
ومثل ذلك وقع في الأندلس؛ فلقد انتصر المنصور بن أبي عامر (366 - 392هـ) في سبع وخمسين غزوة ضد نصارى الشمال الإسباني، ولم يُهزَم في معركة قط، وقد جلب الخير الكثير لشعبه؛ لدرجة أنه سمي (الجلاب)، لكن ما أن مات المنصور حتى ترنَّحت الأندلس، داخلة في عصر من أسوأ عصور الأندلس، وهو عصر الفتنة (399 - 422 هـ)، وكان السبب الرئيسي أن هذه الحروب كانتْ حروب دولة، ولم تكن معارك اقتضتْها مسؤولية الدعوة.
وهكذا كان الفقهاء المسلمون والدعاة إلى الله واعين بأهداف الحروب الإسلامية، وبأنها ينبغي أن تكون للدفاع عن الدعوة؛ حتى يتبيَّن الرشدُ من الغَيِّ دون إكراه في الدين، ولا يجوز أن تسمى حروبًا إسلامية وهي لتحقيق مجد سلطان من السلاطين، أو دولة من الدول، أو لجلب الغنائم والأموال، إن مثل هذه الحروب لا تحسب على الإسلام، وهي ليست خالصة لوجه الله، بل هي للرياء والسمعة!
هذا في الوقت الذي جاءت كل الحروب الأوروبية والأمريكية لفرض السيطرة والهيمنة السياسية والاقتصادية، وحرمان الشعوب من ثرواتها ومن عقائدها وثوابتها، بعيدة عن كل أهداف نبيلة، أو غايات دينية أو إنسانية، والدينُ من حروبهم براء.