int(1328) array(0) { }

أرشيف المقالات

الأمة الإسلامية ومسؤولية الدعوة

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
الأمة الإسلامية ومسؤولية الدعوة
د.
شاكر فرُّخ الندوي [1]
 
ما تعيشه الأمة الإسلامية من أحوال حرجة، وما تعاني منه من ظروف قاسية، وذل وخنوع وخضوع أمام القوى الباطلة، والدول الغربية المعادية للإسلام ولهذه الأمة الإسلامية، لا تدع فرصةً لتضليل الشبان المسلمين، ولفقد ثقتهم بتعاليم الإسلام العالية الهادفة البناءة، ومبادئه السامية.
 
والمعاندون الحاقدون للإسلام يغزون التراث الإسلامي والحضارة الإسلامية، ويهجمون على مقوماتها صباح مساء، وليل نهار.
 
والإسلام يواجه كثيرًا من التحديات الضارية من الصِّهْيَونية، والشيوعية، والصليبية، والوثنية البغيضة، ويقف الإنسان المسلم مشدوهًا حائرًا حينما يجد أن هذه الحركات الهدامة استيقظت دفعةً واحدةً، وبيتت النية على اغتيال هذا الدين من نفوس أبنائه، وتجتاح العالم الإسلامي موجات سياسية واقتصادية وخلقية، والقيادات التي تسود العالم الإسلامي ليست إلا عميلةً للدول المعادية، أو ألعوبةً في أيديها، تصرفها كما تشاء مثلما تصرف الوليدة البعير بالهراوى، فأصبحت قيادة العالم الإسلامي قيادةً شايخةً شائبةً، وأفلست في العقلية والحياة، وحرمت الابتكار والإبداع، والشجاعة والمغامرة؛ لأنها ابتعدت عن منهج الإسلام السديد، وانحرفت عن جادة الحق، وتلاشت لديه السبل التي تأخذ بأيديها إلى الدَّرْب الصحيح.
 
إن الأمة التي بعثها الله - عز وجل - لتحكم العالم، وتقيم العدل، وتنشر الأمن والأمان، وتهدي الناس إلى ما فيه صلاحهم، وتدعو البشرية إلى الخير، وتقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أصبحت الآن فريسةً تتعرض لهجمات شرسة، وغارات عنيفة، والسبب في ذلك يرجع إلى أنها تخلَّت عن مهمتها الدعوية، التي امتازت بها على سائر الأمم؛ فإن الدعوة منُوطة بها في كل عصر ومصرٍ، وفي كل حين وآن؛ لأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يدعو كافة الناس إلى الله الواحد القهار دون أدنى تفرقة وامتياز، وأنه دِين دائم يحمل رسالةً عالَميةً، وهذه المهمة الدعوية والرسالة العالمية مَيزةٌ تتميز بها هذه الأمة، وتختص بها دون غيرها؛ لأن الدِّيانات الأخرى - القديمة منها والحديثة - لا تتصف بصفة الدعوة.
 
ولكن أمة الإسلام قد انحرفت في عصرنا هذا عن هذا الدِّين الحنيف، وبعُدَت عن هَدْيه، واتجه تفكيرها اتجاهًا مـاديًّـا بحتًا نتيجةً لتأثرها بالحضارات الباطلة التي تحمل أفكارًا ضالةً ومضللة، وتقوم على أساس التفرقة بين جنس ولون، وطبقة وفئة، وتتخذ شعارها: (فرِّقْ تسُدْ).
 
ونظرًا لمعاناة الشعوب الإسلامية يجب أن يكون في الأمة الإسلامية دعاة مخلِصون، يفهمون الواقع المعاصر، ويدركون الخطر الحقيقي المحدق بالأمة، ويستمدُّون من القرآن والسنَّة في حل الأزمات والمشاكل، وفي قيادة الأمة وتوجيه رسالة الإسلام إليها، ويحملون عبء الدعوة الإسلامية على كواهلهم، وينشطون لتبليغ الدِّين الحنيف ورسالة الإسلام الخالدة، موقنين بوعد الله بالنصر: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ [محمد: 7].
 
ولا بد أن يتسلح الدعاة بسلاح العلم والمعرفة، ويتزودوا بزاد التقوى، ويزيِّنوا أنفسهم بخُلُق عالٍ، ويقفوا أمام الباطل وتياره الجارف بالبيان الحق، والمنهج العِلمي الرصين، ويُفنِّدوا زيف المعتقدات الخاطئة والأفكار الضالة وباطلها بدلائل القرآن والسنَّة النبوية المطهرة؛ لتبقى عقيدة التوحيد صافيةً نقيةً كما جاءتنا من عند الله تعالى، وليظل هذا الدِّين ظاهرًا، وأهلُه ظاهرين.
 
كما أنه من الواجب أن يراعي الدعاة تلك التغيرات والتطورات التي حدثت أخيرًا، وغيرت أذهان الناشئة، ومن هذه التغيرات الحديثة: أن طريقة العرض قد اكتسبت أهميةً أكثرَ من المادة الأصلية المعروضة؛ لأن الباطل لا يملِكُ إلا طريقة العرض الجذابة، وأصحاب الأفكار الضالة يعرضون كل ما في جعابهم من زيغ وضلال وفساد ممزوجًا بالعسل، ويقدِّمونه في مظاهرَ جوفاء وبصورة مقنعة، فإنهم قد سيطروا على الإعلام والصحافة، واستخدموا الوسائل الحديثة للعرض، ونلمس هذه الظاهرة - ظاهرة طريقة العرض - عامةً في جميع شُعَب الحياة، فلا بد للدعاة أن يعرضوا الدعوة الإسلامية بصورة تجذب انتباه المخاطب والسامع، وتؤثر عليه، ويلزم عليهم أن يكونوا على معرفة تامة باستخدام أحدث الوسائل الإعلامية لنشر الدعوة، ويقدموا في كلامهم دلائل تسترعي الانتباه، وأسلوبًا يأخذ بمجامع القلوب.
 
ومن المقتضيات النفسية للدعاة أن يكون إيمانهم قويًّا راسخًا، وأن يفتخروا ويعتزوا بانتمائهم إلى هذا الدِّين القويم، كما أنه من اللازم أن يعيش الدعاة المخلِصون عيشةً إسلاميةً، ويحيَوْا حياةً إيمانيةً في كل حال من الأحوال، ويتزيَّنوا بخُلُق الإسلام العالي من الصدق والكرم، والزهد والعفو، ويذكروا الله تعالى ويدعوه في السر والعلن، ويتضرعوا إليه في الخلوات، ويطلبوا منه النصر.
 
هكذا كان سلفنا الصالح يجاهدون في سبيل الله تعالى، ويدعون إلى هذا الدِّين، ولا يخافون في الله لومةَ لائم، فرفَعهم الله عز وجل وأعَزَّهم ومكَّنهم في الأرض، وحقَّق لهم أمانيهم؛ لأنهم كانوا متمسِّكين بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة والعبادة، والأخلاق والمعاملة، ففي العقيدة كانوا يتمسكون بما دلَّ عليه كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم من التوحيد النقي الخالص في ألوهية الله عز وجل، وربوبيته، وأسمائه وصفاته، يأخذون ما أتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وينتهون عما نهى عنه، ويهجرون مسالك أهل الكفر والضلال ومناهجهم التي فرَّقوا بها أهل الدِّين وجعلوهم شِيعًا.
 
وفي العبادة كانوا يتمسكون بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات؛ في أجناسها وصفتها، وقدرها وزمنها، ومكانها دون أدنى ابتداع في الدِّين.
 
وفي الأخلاق كانوا يتمسكون بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم مِن رفق ولِين، وخُلُق عظيم، يدَعون قول الزور، ولا يؤذون أحدًا بلسانهم، لا يسبُّون ولا يشتمون، لا يغمزون ولا يلمزون، لا يلهون ولا يلعبون.
 
وفي المعاملات كانوا يتمسكون بالحلال البين، ويبتعدون عن المحرَّمات والشبهات، ويعاملون الناس بالصدق، وينصحون لأئمة المسلمين وعامتهم، ويعملون لأجل منفعة الإنسانية.
 
هؤلاء كانوا سلفنا الصالح مِن الرعيل الأول، فبفضلِ جهودهم الدعوية، وعملهم بالإسلام كاملاً أصبحوا ذوي عزة ومَنَعة، وقوة وغلبة، وأصبح لديهم جيش لا يُقْهَر، وجيش يغزو المشارق والمغارب، ويرفرف لواء الحق خفاقًا.
 
ولكن حينما فقدت الأمة الإسلامية هذه القِيَم المثالية، وتلاشت فيها الدعوة، وتقاعد أبناؤها عن هذه المهمة العظيمة، وانجرفوا وراء المادية الطاغية، واندفعوا إلى الحضارة الغربية اللامعة، تمزَّقوا كالأشلاء، وزالت شوكتُهم، ومضى عهدهم، وأصبَحوا خائفين ومذعورين ومندهشين، ولم يبقَ لديهم إلا تقليدُ الغرب فِكرًا ودِينًا، منهجًا وحضارةً، علمًا ومعرفةً، وقد تجاوز الأمر الحد، فهل تصحُو الأمة من رقادها؟ وهل تعود إليها عظمتها؟ وهل تستعيد مجدها وكرامتها؟ وهل تستحق القيادة العالَمية التي بُعِثت لأجلها؟!
 
نعم، إنها تستطيع أن تحقق كل ذلك، بشرط أن تتذكر مسؤوليتها العظمى، ولا تنسى دورها المطلوب، وهدفها الأسمى، الذي يتمثَّل في كونها أمَّةً دعويةً عالَميةً، أمةً تحمل رسالةً خالدةً للبشرية جمعاء، التي بينها القرآن الكريم في كثير من آياته: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾ [آل عمران: 104]، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم أيضًا: ((ألا فليبلغ الشاهد الغائب))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((بلِّغوا عني ولو آيةً)).



[1] مدير التحرير للمجلة العربية "المظاهر" الهند.

شارك المقال


Warning: Undefined array key "codAds" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/a920adceac475d2e17f193a32cdaa1b563fd6f5b_0.file.footer.tpl.php on line 33

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/a920adceac475d2e17f193a32cdaa1b563fd6f5b_0.file.footer.tpl.php on line 33
ساهم - قرآن ١