أرشيف المقالات

البريد الأدبي

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
8 حول الثقافة المصرية في السودان: إلى حضرة الأخ الفاضل الأستاذ عباس خضر أرفع إليك تحية طيبة وتقديراً عظيماً وإعجاباً كثيراً بما تقدمه لقراء الرسالة الزاهرة في باب (الفن والأدب في أسبوع) من مقالات شيقة نافعة، وأشكر لك هذه اللفتات الكريمة التي تخص بها إخوانك أبناء جنوب الوادي من حين إلى حين، هذا وقد دعني إلى كتابة هذه السطور إليك ما نشرته لك الرسالة في العدد (949) تحت عنوان: (الثقافة المصرية في السودان) وأستطيع أن أعتبر موجزاً في قولك (وليت وزارة المعارف تخرج عن تلك الرسمية المقفرة فتختار بعض الأدباء المعروفين بآثارهم القلمية الناضجة ليشاركوا في موسم المحاضرات المصرية بالسودان فتتيح لأهله أن يروا الوجوه التي يقرئون لأصحابها ويصلوا ما يقرئون بما يسمعون.
.)
وأستطيع أيضاً أن أؤكد لك يا سيدي الأستاذ أن هذه هي الرغبة الحقيقية لكل أديب هنا بل رغبة كل قارئ وقارئة في السودان من الذين يتتبعون الحياة الفكرية في مصر. ومع أننا قدرنا للفاروق العظيم ولمصر إرسال تلك البعثات واستفدنا من كل الأساتذة المصريين الذين حاضرونا وعلى رأسهم الأستاذ الجليل الدكتور محمد عوض بك، إلا أننا نقرر للحقيقة ونقرر تأييداً للغتك البارعة التي سبقت الإشارة إليها أن مجرد ذكر اسم الأستاذ العريان في بعثة العام الماضي أحدث دوياً شديداً وتطلعاً عظيماً لرؤية هذا الرجل الذي عرفه السودان علماً من أعلام الأدب منذ نيف وعشرين عاماً وكانت محاضراته من النوع الذي ننشده فعلاً، ونتعطش إلى سمائه ولا سيما وأنه أعاد لنا ذكرى مشكلة الجديد والقديم في الأدب العربي، ذكرى ذلك الصراع الفكري بين عمالقة الأدب في حلبة الرسالة منذ أمد طويل وما يزال له إلى اليوم صدى ورنين. وإذا كان لي أن أقترح فإني أقول يا حبذا لو ضمت البعثة هذا العام رجالاً في وزارة المعارف قرأنا لهم كثيراً وعرفناهم حق المعرفة كالأستاذ سيد قطب والأستاذ أنور المعداوي وعلماء أصحاب ابتداع وتفكير ديني حديث كالأستاذ خالد محمد خالد.
وإذا كانت البعثة لا يشترط في أعضائها أن يكونوا من موظفي وزارة المعارف فكم نحن مشوقون لنرى ظهرانينا أساتذة الجيل أمثال الزيات وأحمد أمين. وأخيراً وليس أخرا كما يقولون فإني أذكر أن أعضاء نادي الخريجين بالخرطوم كانوا في آخر محاضرة استمعوا إليها من محاضرات الأستاذ محمد سعيد العريان في العام الماضي طلبوا منه أن يبلغ عميد العروبة وأدبها طه حسين رغبة كل المجتمعين بالنادي في تلك الليلة ورجائهم أن يتفضل فيشرف العروبة في السودان برؤيته. فهل تحقق تلك الأماني بقدومه هذا العام على رأس بعثة المعارف؟ الخرطوم جعفر حامد البشير الولايات المتحدة الأمريكية: اطلعنا على المقال المنشور في العدد 949 الصادر في 10 سبتمبر الجاري تحت عنوان (الولايات المتحدة الأمريكية) للأستاذ أبو الفتوح عطيفة وقد آلمني أن يتضمن دعاية سافرة لدولة استعمارية لم تترك فرصة إلا انتهزتها للتنكيل بالعرب وإذلال المسلمين، فقد جاء في هذا المقال بالحرف الواحد: (أن الشعب الأمريكي يؤمن بالحرية أشد الإيمان، ولا يرضى بها بديلاً وتاريخ أمريكا ينطق بهذا) (وأن العطف الأمريكي على اللاجئين يقابل بالشكر من ناحية العرب والشرقيين) وأن أمريكا بعد توقيع ميثاق هيئة الأمم المتحدة في 25 يونيو سنة 1945 بدأت تشترك في توجيه السياسة اشتراكاً تهدف به إلى سيادة الديموقراطية ومقاومة الطغيان والدكتاتورية والقضاء على أشد أعداء الإنسان: - الجوع، الشقاء، اليأس. ولا يخفف من سوء وقع هذه الدعاية في نفوس الوطنيين هذه الفقرات البسيطة التي ضمنها الكاتب عتاباً رقيقاً لموقف أمريكا من فلسطين العربية.
.
فإن الدعاية التي قام بها الكاتب للأمريكان من الوضوح لدرجة لا تخفى على السذج.
.
بل إنني أؤكد أن الجرائد الاستعمارية التي تتقاضى أجراً من السفارة الأمريكية لا يمكنها أن تفكر في استخدام مثل هذا الأسلوب للدعاية. ولما كنت معتقداً أن الرسالة الغراء لا تستكتب سوى الأحرار من الكتاب الذين يساهمون معها في أداء الدور العظيم الذي قامت ولا تزال تقوم به في بعث الروح الثقافية والوطنية لا في مصر وحدها بل في البلاد العربية والإسلامية - أقول لما كنت معتقداً ذلك - فقد رجحت أن كاتب المقال قد تورط فيه ولم يقدر الأثر السيئ الذي نجم عنه. وإنني أرجو أن تنشروا هذه الكلمة لا باسم حرية الرأي فحسب ولكن لكي يتأكد آلاف القراء الذي شاركوني دون شك شعوري بالاستياء من هذا المقال أن (الرسالة) الحبيبة إلى قلوبهم لا يمكن أن تتخذ منبراً للدعاية الأمريكية الاستعمارية كما أطمع أن يعاود الأستاذ أبو الفتوح عطيفة النظر فيما كتبه وأن يراعي في مقالاته المقبلة عن الولايات المتحدة الأمريكية أن هذه الدولة هي أشد الدول استنكاراً للحرية وعدواناً عليها. ففي الولايات الجنوبية 12 مليوناً من الزنوج لا يسمح لهم بالتساوي مع مواطنيهم في التمتع بحقوقهم العامة والخاصة لا لشيء إلا لاختلاف لون بشرتهم، وهو سبب يدل على الجهل الذي يغرق فيه الأمريكان، والتعصب الذي يتنافى مع الحرية المقول بأنهم من أنصارها، وهذه الدولة هي وحدها التي أعانت اليهود بسلاحها وأموالها ونفوذها فمكنتهم من السيطرة على فلسطين، وتشريد الألوف من أبنائها، فما أشبه الأستاذ أبو الفتوح وهو يسجل شكر العرب للأمريكان لعطفهم على اللاجئين، ما أشبه بهذا الذي يسجل شكر القتيل لقاتله والسجين لسجانه. إن أمريكا اليوم هي العدو الأكبر الذي يريد أن يرث إنجلترا في سيطرتها على الشرق الأوسط، فما أحرانا بالهجوم عليها، والتشهير بها، والتكتل ضدها، بدلاً من التورط في إزجاء شكر لها لا تستحقه ومدح لا تستأهله. عباس الأسواني المحامي

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن