أسلوب الحوار في الدعوة
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
أسلوب الحوار في الدعوةيعرف الحوار بأنه: تناول الحديث بين طرفين أو أكثر عن طريق السؤال والجواب بشرط مؤكد لازم هو وحدة الموضوع، وشرط محتمل هو وحدة الهدف، فيتبادلان النقاش حول أمر معين وقد يصلان فيه إلى نتيجة، وقد لا يقنع أحدهما الآخر[1]، وهو أسلوب مهم من أساليب تبليغ دعوة الحق ونصرته ودفع الباطل، والحوار يهدف إلى وصول المحاور إلى الحقيقة، فهو أداة وعي مشترك بين المتحاورين [2].
ويُعد الحوار أحد الأساليب التي تسير ضمن المنهج العقلي الذي يرتكز على العقل، ويدعو إلى التفكر والتدبر والاعتبار[3]، وقد ورد هذا الأسلوب كثيرا في القرآن الكريم[4]، واستخدمه الأنبياء مع أقوامهم[5]، ومنهم إمامهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم ،حيث استخدمه كثيراً في دعوته، فسيرته زاخرة بالمواقف الحكيمة المتنوعة التي حاور فيها قومه وحاجهم.[6]
مجالات استخدام أسلوب الحوار:
مجالات الحوار وأشكاله متعددة، ومما يحدد نوعه ومجاله، الهدف الذي يراد الوصول إليه، أو الموقف العام المحيط به، ومن ضمن هذه الأنواع ما يأتي:
1- الحوار الاستجوابي:
وعادة يكون على شكل سؤال وجواب يوجه من جانب واحد، وهو للاستفهام عن شيء ما وطلب توضيحه.
2- الحوار الإقناعي:
ويتمثل الحوار الإقناعي في الحوار الشخصي، الذي يعد من أسهل السبل الإقناعية[7]، لبعده عن تشويش الجماهير المحيطة بالطالبة، ولتمكينه الداعية من تفنيد الشبهات الموجودة عند الطالبة شبهة شبهة.
3- الحوار التوضيحي:
أما الحوار التوضيحي فيُستخدم عند اختلاف وجهات النظر بين الطالبة والمعلمة، فتسعى إحداهما إلى إقناع الأخرى بوجهة نظرها، فتعرضها وتقدم لها من الدلائل ما يؤكد رجحانها، وهذا ما يقع غالبا بين الناس، وصاحبة الكلمة الأخيرة هي الأقوى حجة والأحسن تعبيرا.
4- الحوار التعليمي والتوجيهي:
وتستخدمه الداعية لاستنباط الحقيقة العلمية المنشودة من أفواه المدعوات، حيث تلقنهنّ الدين على شكل سؤال وجواب، بعيدا عن الإلقاء والسرد، فتتفتح أذهانهنّ لتلقّي هذه الحقائق بعد تشوق النفوس لها، ومثال ذلك حديث جبريل عليه السلام المشهور لما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم،[8] فعرض أصول الدين على شكل حوار قائم على السؤال والجواب.
متطلبات نجاح أسلوب الحوار:
يتطلب نجاح أسلوب الحوار في مجال دعوة الطالبات في المرحلة الثانوية الأمور الآتية:
1- الإخلاص فيه وطلب الحق:
ينبغي أن تكون نية الداعية خالصة لوجه الله تعالى عند قيامها بواجبها الدعوي، لا الانتصار لنفسها، أو العلو على غيرها، أو من أجل إفحام الطالبة، أو إظهار ثقافتها أو براعتها في الحوار، فعلى الداعية أن تبتعد عن حظوظ نفسها، بمساءلتها ومحاسبتها، وإرادتها الحق ولو ظهر على لسان الطرف الآخر.
2- مراعاة آداب الحوار السلوكية:
على الداعية مراعاة آداب الحوار السلوكية سواء كانت آدابا قولية أم آدابا عملية، ومن الآداب القولية: صون اللسان عن الكذب حتى لو شعرت بضعف الحجة، وتجنب الغضب ما أمكن، واستخدام الرفق واللين، والأمانة في الحوار سواء في العرض أو النقل للأقوال، لأن بلوغ الحق هو المقصود، والعدل والإنصاف مع الطرف الآخر..
الخ.
ومن الآداب العملية: التبسم في وجه من تحاورها، فهذا يضفي على الحوار جو الألفة والأنس، وغض الصوت مع حسن الاستماع والإنصات، وتجنب المقاطعة وإظهار الخطأ علنا، إلى غير ذلك.
3- مراعاة آداب الحوار العلمية:
مراعاة آداب الحوار العملية تكون من خلال حسن التوضيح والبيان، واستخدام الأساليب العلمية للتوضيح، مثل عقد المقارنات، أو التشبيه وضرب الأمثال المساعدة على الفهم.
كما أن التدرج في الحوار والكلام والتكلم انطلاقا من دليل ثابت، والعناية بالتوثيق من الناحية العلمية والإسنادية، ومراعاة الفروق الفردية بين الطالبات يحقق أهداف الحوار، ولن يتحقق هذا الأمر إلا من خلال المعرفة المناسبة بهنّ ومستوى حصيلتهنّ العلمية.
4- مراعاة آداب الحوار النفسية:
إن الطبيعة النفسية للطالبة تتأثر بالحوار والنقاش، فالواجب على المعلمة الداعية مراعاة آداب الحوار النفسية من خلال ما يأتي:
1- التدرج في الحوار بدءا بنقاط الاتفاق وتجنب نقاط الاختلاف، كي لا يتوقف الحوار عند أول نقطة خلاف، فتضغن النفوس ويقع التحدي ويسبب الخسارة للطالبة والداعية.
2- التحبب وخفض الجناح للطالبة اكتساباً لتقديرها واحترامها، كمناداتها بأحب الأسماء إليها، وتوقيرها خاصة أمام زميلاتها.
3- مراعاة الظرف النفسي والاجتماعي للطالبة وللداعية، فلا يكون أحد الطرفين في حالة غضب شديد أو حزن أو إرهاق نفسي.[9]
5- الحذر من تحول الحوار إلى جدال مذموم:
يُعد الجدال والخصومة من الآفات القاتلة التي قد تنتج عن الحوار، وقد تؤدي إلى نصرة الباطل، وذلك حين يتصف الحوار بالتعنت والعناد، وبالتالي يصعب الوصول إلى الحق الذي يُرجى الوصول إليه، وحدّ الجدال أو المراء أن ينكر الحق الذي ظهرت دلالته ظهورا لا خفاء فيه، ومما يؤدي إلى ذلك التعصب لمذهب أو شيخ معين[10].
آثار أسلوب الحوار:
إن أسلوب الحوار أحد الأساليب القوية في إقناع الطالبات، لأنه يعتمد على الأساس العقلاني والمنطقي لأي قضية تطرح، ليرقى بالطالبة من أسلوب التقليد الأعمى؛ إلى أسلوب إعمال الفكر، وإيضاح الحقائق، والحرية في مناقشة أي فكرة تعترض تفكيرها، حتى تجد الحل الذي يتمشى مع الفطرة السليمة والعقل الصحيح دون أن يُفرض عليها بالقوة[11].
كما يربي أسلوب الحوار الحماسة للحق في نفس الطالبة، وتحري الصواب، والرغبة في الحجة المقنعة، وهذه من العواطف الطيبة التي يجب الحرص على تنميتها لدى الطالبات حتى يتربى عقلها على التفكير السليم والوصول إلى الحقائق بأسلوب صحيح[12].
[1] ينظر: أصول التربية الإسلامية وأساليبها: د.
عبدالرحمن النحلاوي ص 185، والدعوة إلى الله: د.توفيق الواعي ص 289.
[2] ينظر: الحوار أصوله المنهجية وآدابه السلوكية:أحمد الصويان ص 28، دار الوطن، الرياض، ط:1، 1413هـ.
[3] ينظر: المدخل إلى علم الدعوة: محمد البيانوني ص 208.
[4] كحوار الله تعالى مع الملائكة في سورة البقرة: الآيات 30-33.
[5] كحوار إبراهيم عليه السلام مع النمرود في سورة البقرة: آية 258.
[6] للاستفادة ينظر: الحوار أصوله المنهجية: أحمد الصويان ص 18-27.
[7] ينظر: كيف تقنع الآخرين: عبد الله العوشن ص 111، دارالعاصمة، الرياض، ط:1، 1413هـ/1993م.
[8] صحيح مسلم: سبق تخريجه ص 42.
[9] ينظر: الأسلوب التربوي للدعوة إلى الله في العصر الحاضر: خالد خياط ص169، وكيف تحاور، دليل عملي للحوار:د.
طارق علي الحبيب ص 11 دار المسلم للنشر والتوزيع، الرياض، ط:1، 1414هـ/1994م، ووقفات تربوية في ضوء القرآن الكريم: عبدالعزيز الجليل ص 67-70، والحوار أصوله المنهجية: أحمد الصويان ص 92.
[10] ينظر: الحوار أصوله المنهحية: أحمد الصويان ص 95.
[11] ينظر: الإقناع في التربية: سالم بن سعيد بن مسفر ص 100.
[12] ينظر: أصول التربية الإسلامية: د.
عبدالرحمن النحلاوي ص 203.