أرشيف المقالات

الأدب والفنّ في أسبوع

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
8 للأستاذ عباس خضر بين صديقي وبيني أو بين مصر وأمريكا أخي عباس صحت نبوءتك فتعافيت لا بفضل صديقتك الحسناء ولكن بفضل انتقالي من سان فرنسيسكو برياحها الرطبة المتغيرة أبداً، إلى مدينة صغيرة في وسط الوادي تسمى وقد شممت فيها رائحة مصر فعافيت! أذكر أنك كتبت مرة عن الربيع وشعراء الربيع في مصر.
أنا أوافقك على الشطر الثاني، أوافقك على أن شعراء الربيع في مصر (عره!) أما إنحاؤك على جو مصر، وترابه وعفاره.

الخ فأؤكد لك أنه (بطر) بنعمة الله! هنا أمريكا التي ينشرون دعوة طويلة عريضة عن جوها وبخاصة جو كاليفورنيا، لا تقاس بشيء إلى مصر.
ولا تسمع ما يقوله بعض الرقعاء عن جو فرنسا فبين يدي الآن رسالة من شاب مصري غير مخدوع، يعيش في فرنسا مفتوح العينين، يحدثني عن التقلبات والأنواء، ويتمنى نسمة مصرية، وهذا هو ما أتمناه أنا كذلك! إننا ننقص من قدر أنفسنا حتى في الطبيعة، أما الأجانب فيعرفون كيف يقمون بالدعاية لبلادهم ليجلبوا إليها الناس، لغرض (مادي) هو الحصول على نقد أجنبي.
وإن كان الذين زاروا مصر فهم يخجلون أن يقيسوا بلادهم إليها. إننا نملك أشياء كثيرة ولكننا لا ننتفع بها ولا نستغلها.

هذه هي المسألة، فإذا أنحينا باللائمة فلننح، لا على بلادنا، ولكن على تلك الحفنة الجاهلة المريضة الأنانية التي تتولى أقدارها، ولا تؤدي لها خدمة ما، ولا تستغل كنوزها، سواء كنوز الطبيعة الأرضية أو كنوز الطبيعة البشرية. إننا نملك طاقات من الذكاء الخارق - حين نقارن شعبنا إلى شعب كالأمريكاني - ولكننا نهمل هذه الكنوز بالجهل والأمية والفقر المدقع القاتل لكل موهبة، وذلك لتستمتع حفنة من (الباشوات) و (الكروش) بترف لا تعرفه القرون الوسطى. هذا هو عيبنا؛ أما طبيعة بلادنا، وطبيعة شعبنا فهما فوق مستوى الشبهات. قولوا - أيها الكتاب - للشعب حين تكتبون: إن المتحكمين فيكم يقبرون نبوغكم ويدفنون مواردكم، وأنتم تملكون ما لا يملكه شعب آخر في هذا الوجود. وتحياتي إليك وإلى اللقاء. أخي - بعد أن كتبت لك هذه وقرأته رأيته يصلح للنشر والتعليق، فإذا رأيت أن تجعله موضوع تعليقك فأنت في حل من نشره. سيد قطب أسارع أولا فأبين مسألة (صديقتي الحسناء) مسزفرو.

لأنها تمس السياسة الداخلية في بيتي.

المسألة أن إحدى رسائلي إلى الصديق الذي أوحوشنا وصلت إليه وهو في المستشفى فلفت نظر الممرضة الحسناء - كما يقول - ما عليها من طوابع مصرية مختلفة الألوان: أحضر وأحمر وأصفر.

فأعجبت بهذه المجموعة العجيبة، ولعلها أعجبت أيضاً بخطي الرديء المكتوب على الغلاف! فاحتفظت به.

ومالي ذلك يدان! ليست هذه الرسالة الوحيدة، من رسائل الأستاذ سيد قطب إلي، التي تضمنت بعض الموضوعات العامة، فقد كتب مرة يقول: تصلح أمريكا أن تكون (ورشة العالم) فتؤدي وظيفتها على خير ما يكون أما أن يكون العالم كله كأمريكا، فتلك هي كارثة الإنسانية بكل تأكيد.
فكتبت إليه فيما كتبت: إني يا أخي لا أرى لدينا روحية محبوبة، فنحن ماديون كالأمريكيين، وكل ما بيننا من فرق أن ماديتهم منظمة ونحن في فوضى، فجاء رده: لمحت في رسالتك ألي أنك، (قرفان) من مصر، ولهذا لا تستريح إلى ما أكتبه أنا عن أمريكا! إنني حين أكتب عن أمريكا ما أحسه من حقائق لا أعني أنني راض عن الحياة في الشرق وما فيها، ولكن هناك شيئاً واحداً لا يصح أن نغفله، إن أمريكا تستخدم كل رصيدها الممكن، وإننا نهمل رصيدنا فنبدو مفلسين! إن الحاضر الواقع في بلادنا لا يرضى أحداً ولكن الممكنات أمامها كثيرة لو وثقنا في أنفسنا وفي رصيدنا المكنون، وهذا هو مفرق الطريق، ولو أنك عشت في أمريكا بعض الوقت كما عشت لحمدت للشرق روحه رغم هذا الخمول الذي يعانيه. وأنا أوافق الصديق الكريم على ممكناتنا ومكنوناتنا وأومن معه بشعبنا ومواهبه المقبورة، ولكنني أرى أن تلك (المكنونات) قد أصبحت كمحتويات دار الآثار نتحدث عنها ونطيل الحديث ولا شيء وراء ذلك، أما المواهب المقبورة أو كنوز الطبيعة البشرية المهملة في مصر فأمرها ظاهر وداؤها يبدو معضلا، وإذا كانت حفنة الباشوات والكروش تتحكم وتستغل فإن (حفنات) من الوصوليين يتخذون الأسباب المختلفة إلى أولئك، يسيرون في ركابهم ويصهرون إليهم وغير ذلك من أساليب، فيكتالون ويستوفون، وهناك مئات من ذوي الكفايات يقعد بهم الحياء وتحتجنهم الكرامة، فيهملون.

وبذلك تحرم البلاد من خير أبنائها وأوفرهم حياء وكرامة، ويحرمون هم مما تلغ فيه الكلاب! ولا أريد أن ألج في المقارنة بيننا وبين أمريكا، فإن الأستاذ سيد - بحكم وجوده هناك - أدرى منا بما يقول، ولكن من حقي أن أكون (قرفان) من جانب حالتنا التي لا تسر.

والتي لا أجد فيها (روحا).
وقل لي بالله يا صديقي: ما قيمة (الرصيد) الذي لا نستطيع أن ننفق منه، وما فائدة (المكنون) في دار العاديات؟ وألاحظ أن الصديق الكريم يختلج به حنين شديد إلى الوطن، فهو يتمنى نسمة مصرية، وهو يتعافى حين يشم جو كجو مصر.
ولعل هذا الحنين دخلا في إشادته بجو مصر ولعل شوقه إلى حلوان الدافئة الجميلة المهملة.

هو الذي أثاره على كاليفورنيا، ولعل بعده عن مصر في هذا العام الذي كثرت فيه التقلبات الجوية عندنا هو الذي جعله يظن أن سان فرانسيسكو هي ذات الرياح الرطبة المتغيرة أبدا. وسلام عليك أيها الصديق العزيز، وإلى اللقاء في قدومك القريب. مسرحية (مدرسة النساء) هي المسرحية الثانية التي قدمتها الفرقة المصرية في هذا الأسبوع على مسرحها الصيفي بحديقة الأزبكية.
كان قد كتبها بالزجل المرحوم عثمان جلال مقتبساً من موليير، ولم تقدم على المسرح المصري قبل الآن على رغم أنها كتبت منذ زمن غير قليل.
وقد أخرجها الأستاذ زكي طليمات المدير الفني للفرقة، وقام بالأدوار الرئيسية فيها فؤاد شفيق وعمر الحريري وزوزو الحكيم والمسرحية تدور حول رجل سيئ الظن بالنساء لكثرة ما سمع من نوادر خياناتهن، وهو لذلك قد أتى بفتاة رباها من صغرها معزولة إلا عن خادم وخادمة، ذاهبا إلى أن عدم تعليمها وجهلها بأمور الحياة وعدم اختلاطها بالناس، تحفظها من الزلل وتصونها نقية طاهرة، وهو يعتزم أن يتزوج منها، فيأمن شر النساء المتعلمات المجربات.

ولكن القدر يسوق إليه أو إليها فتى وسيما في مستهل الشباب، يتصل بها، ويساعد جهلها (وخاميتها) على أن تسعفه بالوصال وتلبي نداء الهوى وهي لا ترى في ذلك أي شيء غير طبيعي.
ويصعق الرجل ويحاول أن يحول بين الشاب والفتاة في غير جدوى.
وينتهي الأمر بأن يظفر الفتى بفتاته ويتركا الرجل في حسرته. ويظهر لي أن موضوع المسرحية كان يتجه إلى تصوير غدر النساء وكيدهن وعدم استطاعة التخلص مما يدبرن.
ولكن الإخراج وجهها بعض التوجيه نحو قضية أخرى، هي قضية القلب الإنساني والطبيعة البشرية، فإن الفتاة لم تلتفت إلى الشيخ الذي رباها في بيته ولم تعر حبه أي اهتمام، وجذب الشباب بصرها وغزا فؤادها، فتفتح قلبها، وتفتق عقلها، حتى غدت تحسن التحلل والتدبير من أجل الاتصال بحبيبها الشاب، وكان نصيب الخيبة والإخفاق، لأنه أراد أن يقف في وجه الطبيعة ويتعرض مجراها.
وهذا الاتجاه هو الذي يوافق التفكير العصري ويتمشى مع تحليل البواعث النفسية التي لا تغير مجراها الحكم والمواعظ. ولكن المسرحية مع ذلك ظلت مشدودة إلى الفكرة الأولى بحبل أسلوب الحوار وهو الزجل، وكانت تلك الفكرة (كيد النساء) أقرب إلى الأذهان في ذلك الزمن الذي وضعت فيه المسرحية.
ومن هنا نرى جهد الإخراج الذي بذل في تحويرها حتى جاءت ملائمة للروح العصري. وقد تتابعت فصول الرواية الثلاثة على المسرح في منظر واحد تحايل الأستاذ زكي طليمات على جعله منظرين: أحدهما داخل المنزل والثاني خارجه أمام الباب، وذلك بإسدال ستار يفصل الداخل عن الخارج، وبذلك كانت تنتقل الحوادث من أحد المكانين إلى الآخر انتقالا سريعاً يشبه الانتقال السينمائي، ولكني ألاحظ أنه جعل الرجل يلقي الشاب (الذي لم يكن يعرفه) وغيره من الناس أمام الباب، ويتحدث معهم حديثاً يطول ويقصر دون أن يدعوهم إلى الدخول إلا في المنظر الأخير.
وأظن أنه كان يمكن أن يجعل الرجل والشاب يلتقيان في مكان آخر يبعد عن البيت كقهوة مثلا، ويكون ذلك أوفق من خارج المنزل الذي كان يلتقي فيه الفتى والفتاة! وقد صورت لنا المسرحية الفتاة على أنها جاهلة يراها الشيخ أحسن من المتعملة وأسلم منها لأن الثانية تكتب إلى عشيقها الرسائل، ثم رأينا الفتاة بنفسها تكتب إلى حبيبها، ورأيناها تقرأ الرقعة التي احتوت النصائح التي قدمها إليها الشيخ! فأين تعلمت القراءة والكتابة وهي نفسها تقول في الحوار إنها لم تذهب إلى معلم ولا (كتاب)؟ نعم إنها قالت في الحوار إن الحب علمها ونور عقلها، ولكن عل الحب يعلم القراءة والكتابة بدون معلم؟ وقد كان فؤاد شفيق عصب الفكاهة في التمثيل بتعبيرات صوته ووجهه وحركاته، ونهض عمر الحريري بدوره، غير أني أنتظر منه أن يكون مبرزا في دور الشاب المحب أكثر من ذلك.
أما زوزو الحكيم فقد كانت حقا الفتاة (الخام) بصوتها وحركاتها وإن كان وجهها غير معبر. عباس خضر

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير