أين تفنى أعمارنا؟!
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
أين تفنى أعمارنا؟!قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عمره فيم أفناه؟ وجسمه فيم أبلاه؟ وعلمه فيم عمل فيه؟ ومالُه فيم اكتسبَه وفيم أنفقه؟)).
عمرنا فيم أفنيناه؟ كيف قضيناه وكيف مضى؟ عمرنا وعملنا في هذا العمر كيف كان؟
كيف انقضت سنو العمر؟ سواء قصر هذا العمر أم طال؛ قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].
حقيقة واقعه لا يُنكرها عاقل، الكل سيموت، الذكر والأنثى، الغني والفقير، الحر والعبد، العالم والجاهل، الكل سيَفنى عمره، ويُغادر هذه الحياة الدنيا، الكل سيموت ولن يُخلَّد أحد، الجميع سيذوق طعم الموت، لكن الموت ليس النهاية؛ إنما هو انتقال من محطة إلى محطة أخرى، ومِن مرحلة إلى مرحلة، فالدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء وحساب، وسنُسأل يوم القيامة عن هذا العمر، وكيف انقضى؟ وأين كان؟ وفي أي عمل فنيَ وانتهى؟
ماذا قدمتُ في سني عمري؟
قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110] العمل الصالح هو المطلوب، العمل الصالح النافع لا حدود له، ويَشمل جميع مجالات الحياة في النفس، في الأسرة، في الوظيفة، والعمل الصالح يشمل العبادة والأخلاق والمعاملات بين الناس؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله)).
يرجع المال والأراضي والبيوت والممتلكات التي قضينا أعمارنا في جمعها، تَرجع ويبقى العمل.
يبقى العمل، سواء كان صالحًا أم طالحًا، عمل خير أو شر، عملًا للدنيا أو للآخرة، فقط يبقى العمل الذي قضينا أعمارنا الفانية في هذا العمل؛ قال تعالى في سورة الزلزلة: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].
العمر الذي أفنيناه في العمل سيُجنى يوم الحساب، وتوزن هذه الأعمال، وسيكون هذا العمل هو الأساسَ للنجاة في الآخرة، والفوز برضوان الله تعالى في جنة عرضها السماوات والأرض، وفي المقابل العمل الفاسد والضار الذي يقود صاحبه إلى جهنم وبئس المصير.
أعمارنا فيمَ أفنيناها؟!
في كل السنين التي مضت، كم حفظتَ من القرآن الكريم؟
عمرنا سيفنى فكم مرةً ختمنا القرآن الكريم؟
كم من إنسان دعوناه للصلاة والصلاح؟
كم من ليلة قمناها في سبيل الله؟
كم من تسبيحة أو دعاء أو ذكر لله في كل أيام عمرنا الماضي؟
لا تنتظر الغد...
لا تنتظر الصباح...
لا تنتظر الصحَّة...
لا تنتظر المال...
أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمَنكِبَي عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))، وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيتَ فلا تَنتظِر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" فإذا كنا لا نضمن أعمارنا بين صباح ومساء، فكيف بنا أن نضمن عمرنا لسنوات؟!
سيأتي اليوم الذي نُسأل فيه عن أعمارنا فيم أفنيناها؟ كيف مضت وانتهت...
بعمل نافع أو عمل ضار؟ وبضدِّها تتميَّز الأشياء، فالخير يُقابله الشرُّ، والعدل يُقابله الظلم، والصلاح يقابله الفساد، والكرم يقابله البخل، والصدق يُقابله الكذب، والفضيلة تقابلها الرذيلة، ورضا الله يقابله غضبه، وعليك أن تختار أي الخيارين تختار، وفي أي الطريقين ستسير، وأين ستمضي؟ هل ستختار درب الخير والعطاء وستُفني عمرك بالخير والإصلاح وكسب الحسنات؟ أو ستقضيه في السر وكسب السيئات؟ قال تعالى: ﴿ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [يس: 54].
اليوم الخيار لك، وعليك أن تَختار كيف سيَفنى عمرُك، وتذكَّر دائمًا أنك ستُسأل يوم القيامة عن هذا العمر، وأين قضيته؟ وماذا فعلتَ فيه؟ وكيف مضى؟