أرشيف المقالات

البريد الأدبي

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
8 رد على نقد: نشر الأستاذ (زيتون) في الثقافة نقداً لكتبي الثلاثة: أحمد عرابي وإبراهام ومن وراء المنظار؛ ومما جاء في نقده قوله: (وأحب أن أقدم للقارئ مفتاحاً لكل ما كتب الأستاذ الخفيف وما سيكتب، بل مفتاحاً لكل ما تحدث به إذا ما تحدث، فقد وجدت هذا المفتاح إذ كنت أقرأ له هذه الكتب الثلاثة التي أخرجها وهو جماع ظاهرتين معروفتين في علم النفس، أما أولاهما فهي ما يسمونه اتحاد المدرك بالمدرك وأما الثانية فهي ما يسمونه بتفكير المتمني). جعل الأستاذ هاتين الظاهرتين أساس ما أكتبه بل ما سأكتبه وذلك أعجب، وقال (فلا تقرأ له هذا التاريخ الذي سطره بحيث تحاسبه الحساب العسير الذي تحاسب به مؤرخاً أخذ على نفسه أن يثبت لك الحق أجرد بارداً، بل أقرأه قراءتك لأديب قادر ماهر أضفى خياله ألواناً زاهية على ما يكتب وما يصور من مواقف). عجبت إذ قرأت هذا، وازداد عجبي لأن كاتبه هو الأستاذ (زيتون) بالذات، وهو من أعلم رجاحة عقل وصدق نظر وسعة أطلاع، وأنه ليعلم كما أعلم أن تفكير المتمني أن جاز في القصة فهو لا يجوز في التاريخ؛ لأن التاريخ مسائل تقرر أو تنقض بالدليل فإن (جرى فيه الفكر بما يتمنى الكاتب أن يكون هو الواقع) لم يعد تاريخاً وإنما أصبح قصة.
والأستاذ (زيتون) قد قرأ كتبي كما قال، وأنا من ناحيتي قد بنيت كتابي وبخاصة الأول على الوثائق أستخرج منها الدليل، وأحسب أني ما قدمت رأياً واحداً بغير برهان أو عدة براهين أرجعتها إلى مصادرها، وهذا هو ما تفضل بعض حضرات القراء فأثنوا به على كتابي (أحمد عرابي)؛ وإذا كان الأمر كذلك فلي أن أعجب من تفكير المتمني) هذا الذي نسبه إلى الناقد الفاضل وجاء في نقده قوله عني (اقرأه قراءتك لخطيب أخذ يلوح بيديه لسامعيه ويرفع ويخفض من صوته، لا يعنيه أن يقول الحق جافاً كما تفهمه العلوم، بل يريد أن يقع من نفوس سامعيه بما أراد أن يقع) والأستاذ (زيتون) يعلم كذلك كما أعلم أن لكتابة التاريخ طرقاً منها أن يكون حول شخصيته، ولهذه الطريقة دعاة كثيرون اليوم وهو في هذه الحال مزج بين الأدب والتاريخ كما يصنع أساطين كتاب التراجم المحدثين من أمثال زويج ولدوج وكما فعل بلوتارخ في الأقدمين، ومن المؤرخين من أصطنع هذا في غير الشخصيات كذلك، وما أظن خلود جيبون إلا لأنه كان أديباً في كتابه ومؤرخاً معاً، وأنا أستطيع أن أفعل مثل ذلك على قدر طاقتي، واحسبني فعلته في كتابي فأوردت الحقائق وتقيدت بها ثم أضفى خيالي الأدبي ما شاء (من ألوان زاهية على ما كتبت وما صورت من مواقف) ولكن دون أن أضحي بالحقائق أو أفكر تفكير المتمني؛ وإذا كان الأستاذ الناقد قد أورد ما أورد من الشواهد ليؤيد بها خطابتي، فليت شعري لم اقتصر عليها، ولم يورد شواهد من براهيني ومناقشاتي وتحليلي؟ أذلك لأنه يريد أن يجعلني على رغمي أفكر تفكير المتمني؟ أؤكد للأستاذ الفاضل (زيتون) أني ما أردت بردي هذا دفاعاً عن كتبي بقدر ما أردت أن أبرهن له أن ما سماه تفكير المتمني لن يكون في كتابة كاتب وتسمى مع ذلك تأريخ فقط، وأنا أعاهده وأشهد القراء على عهد هذا، أنه أن دلني على شيء فيما كتبت لا يستند إلى دليل، أخطأت فيه أو أصبت، فلن أكتب تاريخاً بعد ذلك أبداً، ولعله لا يتبرم، بما في عهدي هذا من خطابة، ولعله واجد فيه منطقاً، أو على الأقل، شيئاً يشبه أن يكون منطقاً. أما عن وراء المنظار، فإنه يقول: أن دقة التصوير التي زادت فيه عن حدها قد أنقصت بعض الشيء من قيمة هذا الكتاب الفنية، وأحب أن أقول أن هذه الدقة التي زادت عن حدها هي أقوى مدح يوجه إلى مثل هذا الكتاب وهي جوهر فنه، فهو ليس بقصة فيها أحذف شيئاً من الطبيعة وأضيف شيئاً)، وإنما هو (من وراء المنظار) أعني أني أكتب ما أرى وكلما توافى لي من الدقة قدر كنت إلى هدفي أقرب.

وليت لي حقاً هذه الدقة التي زادت عن حدها، فإنه لم ينلها إلا كل طويل الباع من القصصيين الواقعيين وهي مجال سبقهم وموضع تبريزهم. هذا، وللأستاذ (زيتون) صادق مودتي وعظيم شكري على ما تفضل به علي من ثناء أرجو أن أظل عاملاً عليه. الخفيف

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣