خرج المعتضد إلى الموصل، قاصدا حمدان بن حمدون التغلبي؛ لأنه بلغه أن حمدان التغلبي مال إلى هارون الشاري الخارجي، ودعا له، فلما بلغ الأعراب والأكراد مسير المعتضد تحالفوا أنهم يقاتلون على دم واحد، واجتمعوا وعبوا عسكرهم، وسار المعتضد إليهم في خيله، فأوقع بهم، وقتل منهم، وغرق منهم في الزاب خلق كثير.

ثم تابع المعتضد سيره إلى الموصل يريد قلعة ماردين، وكانت لحمدان بن حمدون، فهرب حمدان منها وخلف ابنه بها فنازلها المعتضد، وقاتل من فيها يومه ذلك، فلما كان من الغد ركب المعتضد فصعد إلى باب القلعة، وصاح: يا ابن حمدان, فأجابه، فقال له: افتح الباب، ففتحه، فقعد المعتضد في الباب، وأمر بنقل ما في القلعة وهدمها، ثم وجه خلف ابن حمدون، وطلب أشد الطلب، وأخذت أموال له، ثم ظفر به المعتضد بعد عودته إلى بغداد.


كان خمارويه في دمشق في قاسيون، وكان قد بلغه أن جارية له قد اتخذت خصيا له كالزوج لها، فلما علم بذلك وأراد أن يقتله تمالأ الخدم على قتله فقتلوه وهو في فراشه ذبحا، ثم أخذ الخدم وقتلوا وكانوا أكثر من عشرين، وقيل غير ذلك في سبب قتله، ثم حمل في تابوت إلى مصر ودفن فيها، وتولى الحكم بعده ابنه جيش بن خمارويه


خلف المعتضد بالموصل نصرا القشوري يجبي الأموال ويعين العمال على جبايتها، فخرج عامل معلثايا - معلثايا قرية غرب مدينة دهوك- إليها ومعه جماعة من أصحاب نصر، فوقع عليهم طائفة من الخوارج، فاقتتلوا إلى أن أدركهم الليل وفرق بينهم، وقتل من الخوارج إنسان اسمه جعفر، وهو من أعيان أصحاب هارون، فعظم عليه قتله، وأمر أصحابه بالإفساد في البلاد، فكتب نصر القشوري إلى هارون الخارجي كتابا يتهدده بقرب الخليفة، فلما قدم المعتضد، جد في قصده، وولى الحسن بن علي كورة الموصل، وأمره بقصد الخوارج، وأمر مقدمي الولايات والأعمال كافة بطاعته، فجمعهم، وسار إلى أعمال الموصل، وخندق على نفسه، وأقام إلى أن رفع الناس غلاتهم، ثم سار إلى الخوارج، وعبر الزاب إليهم، فلقيهم قريبا من المغلة، وتصافوا للحرب، فاقتتلوا قتالا شديدا، وانكشف الخوارج عنه ليفرقوا جمعيته ثم يعطفوا عليه، فأمر الحسن أصحابه بلزوم مواقفهم، ففعلوا فرجع الخوارج وحملوا عليهم سبع عشرة حملة، فانكشفت ميمنة الحسن، وقتل من أصحابه، وثبت هو، فحمل الخوارج عليه حملة رجل واحد، فثبت لهم وضرب على رأسه عدة ضربات فلم تؤثر فيه.

فلما رأى أصحابه ثباته تراجعوا إليه وصبروا، فانهزم الخوارج أقبح هزيمة، وقتل منهم خلق كثير، وفارقوا موضع المعركة، ودخلوا أذربيجان.

وأما هارون فإنه تحير في أمره، وقصد البرية، ونزل عند بني تغلب، ثم عاد إلى معلثايا ثم عاد إلى البرية، ثم رجع عبر دجلة إلى حزة، وعاد إلى البرية.

وأما وجوه أصحابه، فإنهم لما رأوا إقبال دولة المعتضد وقوته، وما لحقهم في هذه الوقعة، راسلوا المعتضد يطلبون الأمان فأمنهم، فأتاه كثير منهم، يبلغون ثلاثمائة وستين رجلا، وبقي معه بعضهم يجول بهم في البلاد، إلى أن قتل سنة 383هـ، حيث لاحقه الحسين بن عبدان التغلبي حتى قبض عليه وأرسله للمعتضد الذي قتله وصلبه.